تعد ظاهرة اليتم من الظواهر القاسية التي تعاني منها الانسانية، وان
اهملها وعدم التصدي لها بما يرضي الله والضمير سوف يجر بويلات ومخاطر
تلعب دورا رئيسيا في تحلل المجتمع وسقوطه فضلا ان عدم الاكتراث بهذه
الظاهرة وتهميشها يعطي صورة لاتقبل الجدل بان مثل هذه المجتمعات تكون
خالية من الرحمة والعطف والانسانية، خاصة عندما نقرا ونسمع من المواقع
والفضائيات بالأعداد المهولة للايتام والذي يرافقه عدم الاكتراث.
حيث تبين وسائل الاعلام بان عدد الايتام في العراق يقارب من الثلاث
ملايين طفل من الذين رحلوا ابائهم ومعيليهم بفعل عنجهية الظالمين
وذيولهم وشرار نارهم التي تحصد بالابرياء لحد يومنا هذا، والاتعس من
ذلك ان يخرج علينا الناطق الرسمي للحكومة العراقية المنتخبة ليقول بان
الدولة ليست باستطاعتها ان تكفل هذا العدد من الايتام ناسيا او متناسيا
بان الذي يكفل الايتام قبل الدولة هو الله رب العالمين ولكن يحتاج من
الدولة ان تعمل بنوايا خالصة وصادقة وانسانية كي يعينها الباري جلت
قدرته في هذا الامر كثيرا وهذه في حقيقة الامر من الاشياء غير المنظورة
لعقولنا وحواسنا حيث يقول سبحانه وتعالى (( ولاتقتلوا اولادكم خشية
املاق نحن نرزقهم واياكم)).
ان من الحقوق التي يقدمها الله على حقه هو حق اليتيم باعتباره موضع
حاجة ومع الاسف الشديد ترانا في البلاد الاسلامية والتي ينبغي عليها ان
تعزز هذا المفهوم في فلسفتها وعملها وان تكفل لليتيم حقه ورعايته من
الجوانب السيكولوجية والفسيولوجية والاجتماعية، الا اننا نلمس بان
الواقع غير هذا وان بلاد الحرب او الكفر كما يحلوا لبعض المتمنطقين في
الدين هم اكثر حرصا وانسانيةً لتلبية حاجات ومتطلبات الايتام ورعايتهم
وتعضيد مقومات الصحة النفسية لديهم من اجل ان يكون انسانا يتمتع
بالتوافق النفسي والاجتماعي، فهم يعملون بجوهر الاسلام ونحن نتمسك
بقشوره، هم يجسدون مايسمى بظاهرة الاستبطان (Introspection ) في
تعاملهم مع هذه الشريحة من المجتمع، حيث يمثل الاستبطان ببساطة نوع من
الملاحظة الذاتية التي يقوم بها الفرد لعملياته العقلية والنفسية
ومايدور فيها،اي بمعنى اخر هو نوع من الرؤية الداخلية لكوامن الذات
سواء كانت مباشرة وقت حدوث النشاط الإنساني او العملية العقلية او اذا
كانت استرجاعية (Retrospective)،لاهداف ماضية سابقة، ولعل الشاعر
العبقري ابو الطيب المتنبي استشعر هذا المعنى وجسده حين يقول:
عذل العواذل حول قلبي التائه ومنى الاحبه منه في سودائه
ياعاذلي كف الملام عن الــذي اعياه طـــول سقامــه وشقائه
ان كنت ناصحه فداوي سقامه واعنـــه ملتمسا لامـــر شفائـه
حتى يقــال بانك الخـــل الذي يــــرجى لشدة دهره ورخائه
لاتعذل المشتاق في اشواقه حتى يكون حشاك في احشائه... ( الاستبطان)
فومن احب لاعصينك فـــي الهوى قسما به وبحسنه وبهائه
ان القتيل مضرجا بدموعـه مثل القتيــل مضرجا بدمائـــه
والحقيقة ان الاستبطان بحالة اليتيم واستبصار كوامنه الداخلية
واللاشعورية امر ليس بالسهل، فهو يتطلب كوادر مهنية وانسانية عالية
للقيام بمثل هذه المهمة فحالة اليتم لايحسها او يستشعرها الا اليتيم
نفسه او من الناس الذين يحملون الوجع الانساني ولذلك من حكمة الله ان
يجعل نبينا الكريم يتيما كي يستشعر بشكل كبير لحالة اليتم في امته
الاسلامية وكي يفهم مايعانيه اليتيم من الم وانكسار وحرمان وكيف تعمل
مثل هذه المعاني في نفسه ولذلك نراه ينكسر للايتام ايما انكسار ويحنوا
عليهم ايما حنو، والاعظم من ذلك هو مانرصده بالكتاب والسنة من تعاليم
تحث على رعاية الايتام وارضائهم لانهم من الفئات المنكوبة نفسيا
واجتماعيا وتكون نكبتهم اعظم واشد عندما يتخلى عنهم اصحاب القرار في
بلادنا الاسلامية التي تتبنى قشور الاسلام سلوكا وتتركه جوهرا، فالباري
يقول(( ارايت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدعُ اليتيم ولايحضُ على طعام
المسكين))، واي دعة لليتيم اكثر من هذه الدعة وحجب حقوقه عنه، والايات
كثيرة في هذا الصدد والاحاديث اكثر حيث يقول رسولنا الكريم(ص)، ( اذا
بكى اليتيم سقطت دمعتهُ في يد الله، فيقول الله من ابكى هذا اليتيم
الذي واريت اباه بالتراب)، ويقول كذلك ( من اسكن يتيما وارضاه ارضاه
الله يوم يحشر بين يديه)، وبالطبع ان هذه الايات والاحاديث الشريفة
جاءت في حقيقة الامر لتناشد المسلمين وليس غيرهم وان كانت للعالم كافة
ولاكننا نلمس بان غيرهم هم الاكثر حرصا على العمل بها والسير بمنهجها
وتطبيقها على ارض الواقع وهم الاكثر حرصا على تدعيم الجوانب النفسية
والمادية للايتام من اجل صياغتهم كلبنات تسهم بشكل فعال في بناء
المجتمع وتطويره.
ان ظاهرة اليتم في العراق ظاهرة مخيفه ومنتشره بشكل يجلب النظر
والتي ينبغي من الدولة التصدي لها بكل ما اوتيت من قوة وجعلها من
اولوياتها لانها تعد في المستقبل اخطر من الارهاب نفسة، على اعتبار ان
اليتيم يفتقد الكثير مقومات ومستلزمات التربية والارشاد والتوجيه التي
قد تكون في متناول الاطفال الاخرين والتي من اولها مسالة التنشئة
الاجتماعية (Socialization) بصنفيها الاسري والبيئي والتي يسعى من
خلالها الاباء والمربون الى احلال عادات ودوافع جديدة كان الطفل قد
كونها بطريقة اولية في المرحلة السابقة، اي بعبارة اخرى ان عملية
التنشئة يهدف من خلالها الاباء والمربون لان يمكنوا ابنائهم من اكتساب
العادات والاساليب السلوكية والدوافع والقيم والمعايير والاتجاهات التي
تتوافق مع المجتمع والتي تتقبلها الثقافة الفرعية التي ينتمون اليها،
وهذا اول الفقد الذي يتعرض له اليتيم ثم تاتي تباعا الفقودات الاخرى
والمتمثلة في عدم تلبية حاجاته الاساسيةوالاولية وما يتبعها من احباطات
متعددة على الصعيد النفسي والمادي والتي تؤثر ايما تاثير على صحته
النفسية وتوازنه النفسي والاجتماعي.
فعلى صعيد الصحة النفسية ( Mental Health)، والتي نعني بها توفر
الشروط الدافعة للوظائف النفسية التي تنطوي عليها الشخصية لتقوم
بمهامها بشكل متناسق ومتكامل وموحد، ومن معايير الصحة النفسية والتي
تكون نابعة من اساليب التنشئة الاسرية والاجتماعية وخاصة فيما يتعلق
كما اسلفنا بمسالة التوافق مع المعايير والقيم السائدة دون المماس
السالب لهوية وشخصية الطفل هذالتوافق (Adjustment ) الذي يعبر عنه
ليفين (Lewin, 1944)، بانه ( عملية سلوكية معقده هدفها اقامة التوازن
بين المحيط النفسي الداخلي للطفل والمحيط البيئي الخارجي)، وهنا ينبغي
ان نعلم بان حالة التوازن في المحيط النفسي للطفل اليتيم تكون ضعيفة
وممزقة خاصة عندما يتلقفه الشارع القاسي واصحاب الضمائر الميته
بالاضافة الى مانلمسه جليا من شدة الازمات النفسية التي تنشا للطفل
اليتيم من جراء معاناته من الحرمان لتلبية حاجاته وارضاء دوافعه،
وتتفاوت هذه الازمات شدةً وخطورةً تبعا لقوة الدوافع(Motives)
المتصارعة وكثرة الزواجر الاخلاقية والاجتماعية وهذا مايجعله صيدا سهلا
للوقوع بالاضطرابات النفسية وحتى الجسمية على اعتبار ان ( اساس الامراض
العضوية هو نفسي)، وهذا بالتالي يؤدي الى نفوره من المجتمع وتمرده عليه
واغترابة عنه وما تهيأ هذه المشاعر من اجواء ومناخات تدفعه دفعا
لارتكاب المحظور من السلوكيات سواء كانت على الصعيد النفسي او
الاجتماعي.
ليست الماديات هي الاساس في اصلاح حالة اليتيم وبلدي ليس فقير،
ولكن هناك من الحاجات التي تعد اهم واكثر تاثيرا في بناء شخصية الطفل
اليتيم وتعزيز صحته النفسية على اعتبار ان الصحة النفسية للطفل وتوازنه
العاطفي لا يتوقف على تلبية حاجاته الفسيولوجية فهي حاجات اولية
وبدائيه في سلم تحقيق الذات ( Self-actualization)، والذي هو الصحة
النفسية بعينها وانما للحاجات الاخرى اهمية كبرى، حيث تتجسد هذه
الحاجات بتوفير قدر من الطمانينة النفسية التي تساعد على خلق حالة من
التوافق مع المحيط الذي قسى عليه، لان الاحساس بالطمانينة كما يقول
العالم بريستون ( Preston )، يستدعي توفر الحب والقبول والاستقرار معا.
ان هذه الجوانب التي يفتقدها من اخذ الدهر منه ابويه والتي يكون في
امس الحاجة لها لايمكن توفيرها فقط بالماديات ولكن بتهيئة الكوادر التي
تستطيع ان تعوض اليتيم بحالات الفقد الكثيرة لديه، فالحاجة الماسة الى
المحبة يعد من ضروريات النمو العاطفي لدى اليتيم بالاضافة الى نموه
الجسمي والعقلي فهو بمثابة الغذاء النفسي للطفل كما يعبر عنه اسبتز(
Spitz)، وهذا ماتؤكده الدراسات التي اجريت على اطفال مؤسسات الايتام
وهنا لابد من الاشارة الى ان التجارب التي قام بها هارلو(Harlow) على
صغار القردة والتي اكدت على وجوب وجود الصغير قرب امه اكثر من حاجته
الى الطعام، وهذا يدلل على تربية اليتيم ليس معناه ان نغدق فقط الاموال
على المؤسسات الراعية لهم والتي يذهب جلها لذئاب الفساد الاداري لهذه
المؤسسات ولكن بناء شخصية اليتيم وصحته النفسية يكون من خلال تواجد
الكوادر الرحيمة والمتعلمة والتي تقدس العمل في مثل هذا الميدان اما
وجود كوادر غير مهيئة وغير متخصصة فهذا ينقلب وبالا على مثل هذه
المؤسسات لان حتى الرحمة اذا اكتنفها الجهل والمجاملات اصبحت ضررا على
تربية اليتيم، هذا اذا ادركنا بان الطفل اليتيم يمتلك القدرة على تمييز
الحب الحقيقي المدعم بالحنان والراقة والمودة والشفقة من بعض مظاهر
الحب الخداعة، فليست الهدايا او الحلوى والكلام المعسول والدعايات التي
تتغنى بها بعض الجمعيات والتي تكمن من ورائها اغراض غير انسانية بقادرة
على ان تخدع النفسية المرهفة والمتعبة للطفل اليتيم والذي يحتاج الى حب
حقيقي وفعال نجسده له بالعمل والتطبيق والتضحية لترميم ماتهدم من بناءه
النفسي والجسدي.
ان الطفل اليتيم يحتاج الى الغذاء ولكنه في حاجة اكبر الى ان نقدم
له مع الغذاء روح ترفل بالرحمة والشفقة والعطاء، روح يستشعرها ويجسدها
في علاقته مع من حوله وهذا يكون كمثل الام التي ترضع ابنها وتعطيه مع
الرضاعة لمسات دافئة من الحنان والمودة والرحمة كي يتلبسها في ذاته وكي
تنعم نفسه بالاطمئنان والهناء، بعكس الام التي ينتابها الملل والضيق
عند رضاعة ابنها وابعاده عنها بقوه والذي ينعكس شعورا لدى الطفل بعدم
الثقة والحرمان والعدوانية، وانا هنا اكاد اجزم بان اغلبية المجرمين
والقتلة هم من الذين تربوا باحضان تفتقد الى الرحمة والعطف والمحبة.
وبعد الحاجة الى المحبة تاتي الحاجة الى القبول، هذه الحاجة التي
ينبغي ان يجسدها العاملون مع الايتام في سلوكهم وانماط تصرفاتهم لان
إشعارهم بالقبول سوف ينعكس ايجابا على شعورهم بالطمانينة والامان ويعمق
ثقتهم بانفسهم وبالمجتمع من حولهم والتي غالبا مايفتقدها الايتام وعلى
العكس من ذلك فان إحساس اليتيم بالنبذ وشعوره بانه غير مرحب به في
المجتمع الذي يحيا فيه سوف يولد لديه نوع من الشعور بالذنب ويرافقه
احساس عميق بالقلق وهنا يحاول ان ينسج لنفسه وحوله اوهاما واسبابا
خيالية مغتربه عن الواقع وهذا مايترك اثارا سلبية على صحته النفسية،اي
اننا ينبغي ان نعلق حاجة القبول بمسالة ذات اليتيم وليس افعاله وان
لانجعل من تصرف اليتيم معيارا لمدى قبوله ورفضه لان الاباء والامهات
يتقبلون اطفالهم لذواتهم وليس لافعالهم حتى ان الطفل لايؤذيه عقاب لو
عنف لذنب اقترفه اذا كان موقنا ومتيقنا من حب والديه له وقبولهما به،
هذه الركيزة ينبغي ان يعتمد عليها العاملين في هذه المؤسسات، حيث ان
مايؤلم اليتيم حقا هو شعوره باللامبالاة والبرود العاطفي على الرغم من
تامين وسائل الكفاية له.
اننا نؤكد هنا على اهمية اختيار الكادر المؤهل والمستعد وتهيئته
للعمل مع هذه الشريحة المنكوبة من المجتمع، من حيث ان مسالة الاستقرار
الذي ينزع اليها الطفل اليتيم تنبع اساسا من العلاقة التي تكون بينه
وبين كادر العمل فكلما صدرت هذه العلاقة من روح تنعم بالمحبة والرافة
والدراية العلمية وخاصة فيما يتعلق بمراحل النمو لهؤلاء الاطفال وعلى
الصعيد الجسمي والنفسي والعقلي والمعرفي والانفعالي والاجتماعي... الخ
كلما اذنت بنمو الاستقرار والثبات لدى الطفل وكلما عضدت بناء صحته
النفسية وكيانه النفسي، وهذا الامر يضفي على حياته نوع من الراحة
ويعطيه القدرة على تقبل الاحباط والتوفيق بين الدوافع والتبصر بتمييز
الممنوع من المرغوب والواجب من الحق دون ان يمس ذلك تكامل شخصيته
وبناءه النفسي وهذا مايعينه في حقيقة الامر على ضبط غرائزه وارجاء
اشباع حاجاته والسيطرة على انفعالاته والتكيف مع الواقع المعاش، هذا
اذا ادركنا بان مسالة الاتزان النفسي والانفعالي لهؤلاء الاطفال يتاثر
بشكل مباشر تبعا لردات افعال العاملين معهم من حيث تناقض المواقف
والاتجاهات لان لدى اليتيم حساسية مرهفة ويستشف مثل هذه الامور بسرعه
فائقة.
ونخلص من كل ماتقدم بان اضع بعض النقاط التي اراها مهمة وضرورية
والتي ينبغي ان لانغفلها عند التعامل مع هذه الشريحة الاجتماعية والتي
يجب ان نجسدها عملا وليس قولا ان اردنا ان ننتشل اليتيم مما هو فيه وهي
كالآتي:
اولا :ـ ان التعاطي مع اليتيم ينبغي ان ينطلق من كونه عضوا فعالا
ومؤثرا من نوعه يمتاز بالاستقلالية والخبرات الشخصية والتي يجب دراستها
عن طريق الملاحظات الفردية مع الحذر الشديد من اطلاق الاحكام المسبقة
والتي تكتنف في طياتها تاثير الهالة(Halo Effect) وكذلك من الاستخدام
السيء للمقاييس المعيارية والتي تؤدي الى اخطاء كثيرة واحكام مؤذية
يكون لها الاثر السالب على الصحة النفسية للطفل اليتيم.
ثانيا :ـ عدم التسرع في اطلاق الاحكام على الجوانب النفسية لليتيم
ومستقبله، ذلك لانه في حاله من التطور والنمو الدائم والمستمر وان صحته
النفسية تاخذ منحنيا نفسيا تربويا لاهتمامها بالطرائق التي ينتهجها هذا
اليتيم في عملياته التوافقية والتي تنطلق من خبراته الفردية والمتاتية
اساسا نتيجة احتكاكه بالاخرين وتاثره بالشخصيات التي يتفاعل معها، ولذا
فنحن نؤكد على اهمية انتقاء الكوادر التي تتمتع بالعلم والمعرفة
الانسانية ذلك لان اغلب العلماء في هذا الميدان يميلون الى رد
الاضطرابات النفسية عند الطفل اليتيم الى نمط شخصيات المشرفين عليهم ن
لان الايتام كبقية الاطفال ميالون الى التقمص والتقليد وان البعد
العلائقي بين اليتيم والمربي يلعب الدور الاكبر في عملية التكيف
وبالتالي في احداث التوازن النفسي لديهم، حيث ان ادراك الطفل لذاته
وقدراتة وميوله وحتى اتجاهاته يتبلور من خلال هذه العلاقة، ويرى كلوك(
Glueck) في هذا الصدد بان العديد من الانحرافات السلوكية عند الطفل
يعود بشكل اساسي الى فشل الكوادر المشرفة في ان يكونوا قدوة يتمثل بها
الطفل او يحاكيها في انماط سلوكه المختلفة.
ثالثا :ـ تحذر مدارس علم النفس ومنها المدرسة الفرويدية من مغبة
التربية السلطوية او التسلطية لما لها من تاثير بالغ على شخصية الطفل
بشكل عام واليتيم بشكل خاص، حيث انها تولد احساسا ضاغطا لدى الطفل
المتأتي اصلا من عملية الكبت (Repression ) التي غالبا مايلجا اليها
هذا الطفل تجاه نواهي واوامر التي تفرض عليه من قبل المربين وهذا
بالتالي يؤدي الى حدوث حالة من الصراع (Conflict )، اذ ان الرغبة التي
تكبت لاتموت بل تظل تتفاعل داخليا وتتحين الفرص او الظرف المناسب لتظهر
بشكل عارض مرضي يهدد السلامة النفسية للطفل اليتيم، وهنا تؤكد الدراسة
التي قام بها بالدوين(Baldouin) على اهمية العلاقات الحميمية والرؤفة
في بناء ونمو الشخصية، ويمكننا القول بان دار الايتام الذي تسود فيه
علاقات الالفة والمحبة والرحمة والديمقراطية يعطي مخرجات تدعم المجتمع
بلبنات اساسية للبناء لانها تتصف بالنشاط والميل للابداع والابتكار
وبالتالي يكونوا اكثر توافقا مع ذاتهم ومجتمعهم زاكثر انتماءا وولاءا
لوطنهم والعكس صحيح.
انني استشعر كما الاخرين بحاجة الايتام الملحة الى تنبه المسؤلين
في دولة العراق للعناية بهم وتعضيد صحتهم النفسية وانتشالهم من الضيق
والحرمان الذي يعانونه، لان مثل الفئة التي مازالت تئن تحت وطاة رواسب
الانظمة الظالمة السابقة والحالية والتي لم تتحرر بعد من الظلم
واللامبالاة بالاخر وخاصة اذا كان هذا الاخر هذا اليتيم المسكين الذي
يعيش المعاناة اليومية والذي تتلقفه الشوارع البائسة بما فيها من
انحراف وغلظة وجريمة وتمرد وانهيار للقيم والاخلاق، فرفقا بالايتام
ايها المتاسلمون وتعزوا بعزائهم واذكروهم حين ترون اطفالكم وهم ينعمون
بخير العراق دونهم، فهم ابناء هذا الوطن ولهم اكبر الحق عليه اغدقوا
عليهم بالرحمة والحنو اذا اردتم فعلا ان يمسكم الله برحمته وبركاته،
ورحم الله حاتم الطائي حين يقول:
ايا ابنةُ عبـــد الله ياام مالك ويبنةُ ذا النورين والاسد الـوردِ
اذا ماصنعت الزاد فالتمسي لنا اكيلا فاني لست اكله وحدي
وحسبك داءُ ان تبيت ببطنةُ وحولك اكبادُ تئنُ الى القــــــــدِ
* استاذ جامعي وباحث سايكلوجي
Mezban56@yahoo.se |