يحتفل العالم في 3/5 من كل عام باليوم العالمي للصحافة، وتزامنا مع
هذه الذكرى كان من الضروري أن يهتم المثقفون عموما بهذا اليوم؛ لما
للصحافة من تأثير على حياة الأمم، من خلال زرع الثقافة والفكر في مناهج
الحياة المختلفة، باعتبارها سلطة مستقلة قادرة على ممارسة الرقابة
والنقد والمعارضة، مما يؤدي الى تعرض الصحافيين الى قمع وتهديد وحصار،
وبالتالي الى تخلي الصحفي عن رسالته والاستسلام لضغوط السلطة، او تعرضه
للقتل او السجن او الانسحاب.
ويواجه الاعلاميون اليوم حملات عدائية كبيرة، مما ساهمت هذه الحالة
بانخراط الكثير منهم تحت ظل الأنظمة الديكتاتورية، والتي تعمل جاهدة
على إخماد صوت الاعلام الحر، الذي يعتبر السلطة الأكثر شعبية؛ لما لهذا
الصوت من تأثير مباشر على حياة الأمم.
ان المناخ الاقتصادي الحالي، وتأثيره المباشر على الإعلام، تتزامن
معه ضغوطاً دولية تؤثر سلبا على حرية الإعلام، يهدد كل ذلك المكاسب
الكبيرة التي تحققت.
فالتدهور المستمر بين صفوف وسائل الاعلام له تداعياته الخاصة، وقد
جاء تقرير منظمة بيت الحرية، المعني بدعم الديمقراطية وحرية وسائل
الإعلام، مؤكدا ان ما تتعرض له الصحافة اليوم في دول كثيرة من بينها
ليبيا، وإيران، وسوريا، وتونس، والسعودية، إسرائيل، وإيطاليا، وتايوان،
وهونغ كونغ. وليبيا التي وقعت في قائمة أسوأ ست دول من حيث التقييم.
وجاءت ماينمار، وكوبا، واريتريا، وليبيا، وكوريا الشمالية
وتركمنستان، في ذيل قائمة الترتيب، كأسوأ دول من حيث حرية الإعلام.
اما العراق فله نصيب من ذلك ولكن بنقطة، حيث ساعد التراجع الحاد في
معدلات العنف الصحفيين على التحرك بحرية بأنحاء البلاد، كما وفر
القانون الجديد في مناطق الأكراد، حريات غير مسبوقة للصحفيين.
أما على صعيد المعلوماتية وصحافة الانترنت، ازدهر انتشار الإنترنت
وتنامى القمع الحكومي نتيجة لذلك، في بلدان في الشرق الأوسط وآسيا.
يقول المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين، جويل سايمون، "يتصدر
المدونون طليعة ثورة المعلومات وتتكاثر أعدادهم باضطراد، لكن الحكومات
تتعلم بسرعة كيف تقلب التكنولوجيا ضد المدونين عن طريق فرض الرقابة على
شبكة الإنترنت وترشيح محتواها، وتقييد الدخول إليها، واستخراج البيانات
الشخصية. وحينما تفشل هذه الوسائل، تُقدِم السلطات ببساطة على الزج
ببضعة مدونين في السجن لترهيب بقية مستخدمي الإنترنت ودفعهم لالتزام
الصمت أو ممارسة الرقابة الذاتية.
وشهدت دولا كثيرة نمطاً سلبياً طغى على التوجهات الإيجابية في كافة
مناطق العالم، تحديداً في الاتحاد السوفيتي سابقاً، والشرق الأوسط
وشمال أفريقيا. فمنذ سنين والاعلام يمر بضائقة خانقة، أما التحسينات
التي طرأت في عدد قليل من دول العالم، جاءت نتيجة واقع سياسي متزن الى
حد ما، ولكن مقابل هذا برزت ضغوطا وتحديات، وتعديات كبيرة على حقوق
الاعلاميين في ظل الأنظمة الجائرة.
فمن بين الضغوط على الاعلاميين وضع قيود السفر عليهم، ومحاولات بعض
المسؤوليين التأثير على التغطيات الإعلامية من قبل الصحافيين، وتزايد
الرقابة الذاتية على وسائل الاعلام، وتزايد استخدام المحاكم، وقوانين
القذف والتشهير لتكميم حرية التعبير وزيادة الترهيب الفعلي من قبل
الجريمة المنظمة والجماعات المتطرفة، ومخاوف من تملك الإعلام والتأثير
الناجم عنه.
تدهور حرية الإعلام في العالم، كان له أسباب منها الضغوط القانونية
ومحاولات السيطرة على وسائل الإعلام، وهو الأمر المخيف والذي يقوض ما
تحقق انجازات في بعض الدول التي تسير على طريق الديمقراطية.
ان الاعلام الحر، بحاجة الى إيمان عميق وينبغي التضحية من أجله.
وتبدو المسألة معقدة أكثر عندما ينسحب الاعلاميين الى ساحة المتملقين
للحكومات. إن الخوف من تراجع الحرية والديمقراطية في العالم أصبح هاجسا
مخيفا ولكن تبقى لنا حلول نأمل من خلالها معالجة المشاكل قبل استفحالها
وتكمن هذه الحلول في عدة محاور.
الأول- ان ترتكز البلدان على ضمانات قضائية وعلى تناغم بين السلطات
العامة والصحافيين من جانب، وبين الصحافيين والمجتمع من جانب آخر.
الثاني-ان تاخذ وسائل الاعلام دورها بالشكل الصحيح، بما يتناسب مع
استقلاليتها واخلاقياتها، والمواثيق الاعلامية.
الثالث- إلغاء قانون العقوبات الخاص بجريمتي التشهير والقذف اللتين
تستعملهما السلطات كأداة لكبح جماح الصحفيين.
رابعا- اصدار قانون معاصر للصحافة في العالم، والسماح للصحفيين
بالوصول الي مصادر الخبر في المؤسسات الرسمية دون تمييز واحترام مهنة
الصحافة، ومنع الاعتداءات على الصحافيين لدى قيامهم بمزاولة مهنتهم .
خامسا- اتخاذ التدابير التشريعية اللازمة للتعامل مع الانتهاكات.
سادسا- تكثيف الجهود في سبيل إنشاء وسائل إعلام ناقدة للافتراضات
المتوارثة ومتسامحة في الوقت ذاته مع الرؤى البديلة، بعبارة أخرى،
وسائل إعلام توفر معلومات تساعد الناس على اتخاذ قرارات مستنيرة؛ وتجمع
بين وجهات النظر المتنافسة لتنسج منها رؤية مشتركة وجامعة، مستجيبة في
ذلك للتنوع من خلال الحوار.
سابعاً- وضع المعايير المهنية والأخلاقية لوسائل الإعلام من أجل دعم
الحوار المفتوح.
ثامنا- تفعيل دور وسائل الإعلام في تعزيز الحوار بين الأديان
والتفاهم المتبادل.
تاسعا- أن يأخذ الاعلام دوره في تعزيز الحوار بوصفه أداة لتمكين
المواطنين.
وختاما نطرح أسئلة لتقييم أوضاع وسائل الاعلام والصحفيين في جميع
انحاء العالم.
-هل يُسجن الصحافيون في البلد المعني؟
-هل يتعرض الصحافيون للمضايقة عبر التهديدات، أو الاعتداءات، أو
غيرها من الأعمال الانتقامية؟
-هل يمارس الصحافيون الرقابة الذاتية لحماية أنفسهم؟
-هل تحد الحكومة من عمل الصحافيين أو تقيدهم؟
-هل الصحافيون مطالبون بتسجيل أنفسهم لدى الحكومة أو جهات رقابية،
وإعطاء اسم وعنوان يمكن التحقق منهما قبل الشروع في العمل؟
-هل يمتلك البلد المعني أنظمة أو قوانين يمكن استخدامها لفرض رقابة
على الصحافيين؟
-هل تفرض الحكومة رقابة على المواطنين الذين يتابعون وسائل الاعلام؟
-هل تستخدم الحكومة تكنولوجيا خاصة لمنع الصحافيين من تغطية نشاطهم؟
[email protected] |