كربلاء تستحق الكثير

محمد علي جواد تقي

بالرغم من إني أفضل إستذكار النظام البائد في خنق الحريات والتخلف والحرمان، إلا التظاهرة التي جرت صبيحة يوم الأحد الماضي في كربلاء المقدسة، للأعتراض على مشروع توسعة الحرمين الشريفين، جرّت الذاكرة الى أيام النظام البائد وتحديداً مشروعه لتوسعة الحرمين الشريفين، في نهاية السبعينات والذي لم يخل من النوايا والغايات غير السليمة، لكنه انتهى بإقامة شارع بين الحرمين الشريفين على أنقاض مجموعة كبيرة من الأسواق والبيوت والمحال التجارية، كما تمت تصفية المحال التجارية والمدارس الدينية التي كانت تحيط بالحرمين الشريفين، المهم لم تصدر آنذاك أية شكوى لأن السلطات المسؤولة عوّضت أصحاب المحال التجارية والبيوت بأمكان بديلة، ولو أننا لسنا بصدد المقارنة بأي حال من الأحوال، لكن التاريخ يبقى رصيد الأمم بما يحمل من حسنات وسيئات.

بعد تاريخ التاسع من نيسان عام 2003، سعى الجميع في كربلاء المقدسة للتغيير والتطوير، فصاحب (البسطة)، تحول الى صاحب محل تجاري، وصاحب المحل التجاري تحول الى (مول)! والسمسار البسيط في السوق تحول الى تاجر أو وكيل سفريات أو خبير سياحي، حتى الذي يعدّ نفسه (مثقفاً) فقد سعى نحو تشكيل جماعة ثقافية، أما السياسي فحدّث ولا حرج! لكن الذي لم يتطور ويتغير بشكل ملحوظ ونوعي هو مرقد الإمامين الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام)، ولو إن تحسينات وتلحيظات جرت عليهما، وهي محصورة في إطار سورة الحرمين فقط.

فما هو السبب؟ هل إن الجميع في كربلاء المقدسة هم فقط من يستحقون التطوير والتغيير؟! أم إن لكربلاء طابع سياحي – ترفيهي كما في بعض مدن العالم، كالتي تقع على سفح جبل مخضوضر جميل، أو تقع على ساحل بحر هادئ، أو ينساب بين جوانحها نهر هادر؟

هذا السؤال مطروح أمام جميع الجهات المعنية بقضية التوسعة، فأصحاب المحال التجارية كربلائيون، كما إن مسؤولي البلدية والدوائر الحكومية والرسمية الأخرى في هذه المدينة كربلائيون أيضاً، وهم أعرف بحقيقة الكثافة السكانية المتزايدة، وتطور الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولايجهلون الحقيقة الأهم والأكبر وهي إن كربلاء ما كانت وتكون لو لم يضم تربها الجثمان الطاهر للإمام الحسين وأخيه أبي الفضل والشهداء الذين منحوا هذه المدينة عزّ وفخراً أبدياً بوقفتهم التاريخية الفذّة أمام الظلم والإنحراف والتضليل، كل ذلك ذلك يجعل من توسعة الحرمين الشريفين أمراً مفروغاً منه لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الزائرين من كل مكان وتوفير مستلزمات الراحة لهم، ولا أخال وجود معارضة من حيث المبدأ في الشارع على فكرة التوسعة، إنما المشكلة في البديل، فاصحاب الفنادق والمطاعم والمحال التجارية حول الحرمين الشريفين يشعرون بالقلق من مستقبل مشروع التوسعة، وهو أمرٌ لابد من تفهمه من قبل الجهات المعنية، ثم تبديده بالتأكيد قولاً وعملاً بان التوسعة إنما في مصلحة الجميع، والقضية لا علاقة لها بالأجندة السياسية والحسابات الاقتصادية، إنما القضية ذات طابع ديني وحضاري غاية في الأهمية.

وأعتقد أن قضية توسعة الحرمين الشريفين بدأت تأخذ مساراً بعيداً عن غايتها الأساس، في حين يفترض أن تكون الخطوة الأولى على طريق تحويل مدينة كربلاء المقدسة الى حاضرة للعلم والثقافة، ومحط رحال المفكرين والباحثين في القضية الحسينية، لذا لا يجب أن تأخذ الأمور أكثر من حجمها، وما على المعنيين سوى فتح أبواب الحوار مع أصحاب الشأن من أصحاب الفنادق والمحال التجارية والمنازل وغيرهم حول الحرمين الشريفين، لتسوية الأمر في أجواء ودّية وبشفافية تامة لا تشوبها شائبة، حتى لاتتحول القضية الى فرصة للمتصيدين بالماء العكر من أطراف تبحث عن دور بعد خسارتها في التاسع من نيسان عام 2003.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/نيسان/2009 - 3/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م