حملة مصر على إيران.. فرصة امريكا الذهبية لاحتواء المناوِئين

الموقف الامريكي لايتناقض مع السعي للتقرّب من طهران

 

شبكة النبأ: قبل حوالي ستة اشهر ذكرت بعض التقارير ان قوات الامن المصرية اعتقلت شخصاً يدعى هاني سامي شهاب، رئيس ما يعرف الآن بخلية حزب الله في مصر، لكن سلطات الامن امتنعت عن نشر الخبر من اجل جمع المزيد من المعلومات واعتقال بقية اعضاء الخلية، غير ان توقيت اعلان مصر الاخير عن تحركاتها ضد حزب الله ينطوي على اهمية كبيرة لأسباب اخرى جانبية، فهو يعكس بوضوح ان القاهرة تتخذ الآن موقفا معينا في النقاش الذي يتميز باستقطاب متزايد داخل العالم العربي حول النفوذ الايراني في المنطقة.

وكتب ديفيد بولوك الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مقالا حول الموضوع جاء فيه: في تحرك واضح ضد ايران وحلفائها في العالم العربي، ألقت مصر القبض في الآونة الاخيرة على اعضاء خلية تابعة لحزب الله، ونفذت حملة في شبه جزيرة سيناء ضد مهربي السلاح والمال لحماس، وعززت جهودها لازاحة قطر (متعاطفة مع ايران) جانبا كوسيط في شؤون السودان، ولبنان وغيرهما من الشؤون العربية الاخرى.

لكن بقي ان ننتظر لنرى ما اذا كان هذا التحول السياسي سيصبح جزءا ثابتا من استراتيجية اكبر لاسترداد زعامة مصر بين الدول العربية ام انه مجرد نهج دفاعي لتجنب المزيد من الاتهامات من جانب حلفاء ايران لمصر.

ومهما يكن الامر، من الواضح ان القاهرة ترسل من خلال تلك الاجراءات اشارة لواشنطن أن «الملف النووي» ليس هو الجانب الوحيد - أو حتى الاكثر إلحاحا - للتهديد الايراني بل هناك اشياء اخرى.

ففي الثامن من ابريل اعلن المدعي العام المصري اعتقال 49 عضوا ومؤيدا لحزب الله معظمهم من اللبنانيين، الفلسطينيين، المصريين والسودانيين واتهمهم بالتحضير لارتكاب جرائم ضد مصر. وتضمنت الاتهامات ايضا التورط بنشر الافكار الشيعية في مصر وتحريض المصريين على الحكومة والاتصال بحماس وحركة الاخوان المسلمين بمصر.

وفي العاشر من ابريل انكر زعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله في خطاب متلفز اتهامات التآمر للقيام بهجمات ارهابية بمصر، لكنه اعترف بأن زعيم الخلية المزعومة سامي شهاب (اسمه الحقيقي محمد يوسف احمد منصور) هو عضو بالفعل في حزب الله كان يعمل لمساعدة الفلسطينيين في غزة. الا ان مصداقية هذا الاعتراف تلفها الشكوك لأن محمد نزال المتحدث باسم حماس انكر أي اتصال بهذه العملية.

أبعاد دولية أوسع

وقال الكاتب، قبل حوالي ستة اشهر ذكرت بعض التقارير ان قوات الامن المصرية اعتقلت شخصا يدعى هاني سامي شهاب رئيس ما يعرف الآن بخلية حزب الله في مصر، لكن سلطات الامن امتنعت عن نشر الخبر من اجل جمع (ظاهريا) المزيد من المعلومات واعتقال بقية اعضاء الخلية. غير ان توفيت اعلان مصر الاخير عن تحركاتها ضد حزب الله ينطوي على اهمية كبيرة لاسباب اخرى. فهو يعكس بوضوح ان القاهرة تتخذ الآن موقفا معينا في النقاش الذي يتميز باستقطاب متزايد داخل العالم العربي حول النفوذ الايراني في المنطقة.

ففي تطور دراماتيكي بنهاية مارس الماضي، قطعت المغرب علاقاتها الدبلوماسية مع ايران واتهمتها علنا بدعم الشيعة، حزب الله وعناصر تخريبية اخرى في المملكة منها حركة البوليساريو المسلحة الساعية للاستقلال في الصحراء الغربية. وكانت البحرين قد احتجت هي الاخرى بعنف على تصريح مسؤول ايراني زعم انها جزء من ايران.

وبعد مؤتمر القمة العربية الذي استضافته الدوحة قبل نحو اسبوعين، اعربت وسائل الاعلام شبه الرسمية في مصر عن قلقها العميق من رفض ذلك المؤتمر ادانة التدخل الايراني في الشؤون العربية، وشن الاردن حملة ضد حماس، حزب الله وعناصر اخرى تعمل لنفوذ ايران.

وهكذا بدأت هذه الحكومات ترى في حزب الله ليس فقط مجرد حركة لبنانية بل حركة تمثل بوضوح خطرا يخدم طموحات ايران من المحيط الاطلسي وحتى الخليج العربي.

وفي لبنان، الذي يتوقع فيه حزب الله تحقيق مكاسب مهمة في الانتخابات البرلمانية في السابع من يونيو المقبل، سارعت الصحافة المناهضة للحزب لانتهاز فرصة الاتهامات المصرية له، وحاولت التشكيك به باعتباره وكيلا لإيران.

بيد ان ما يثير اكثر في هذه القضية هو بالطبع الاتهامات المصرية الواضحة لايران بأنها تسعى للتدخل بالشؤون العربية من خلال استغلال حزب الله كوسيلة لذلك.

وكما كان متوقعا، لم يتأخر وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي في الرد، فقد وصف الاتهامات المصرية بالمفبركة.

الحقيقة ان مثل هذه الاتهامات المتبادلة تثير شعورا عميقا بالقلق لدى النخبة المصرية، ليس فقط من نشاطات ايران هذه بل وبما يتعلق باستعداد الولايات المتحدة للتعامل مع ايران.

ففي جلسة اطلاع عقدتها وزارة الخارجية الامريكية اخيرا مع افراد مجموعة مختارة من الدول العربية الصديقة منها مصر، يقال ان الرسالة الامريكية اكدت ان الجهود التي يتم بذلها الآن للتعامل مع ايران من شأنها ان تحسّن آفاق المواجهة معها اذا دعت الضرورة. لكن يبدو ان الدبلوماسيين العرب لم يجدوا في هذه الرسالة ما يطمئن بالكامل. فقد سأل بعضهم تحديدا حول التهديدات الايرانية الوشيكة، وما اعلان مصر عن اكتشاف مؤامرة حزب الله على اراضيها اخيرا الا دليل واضح على الشعور بعدم الاطمئنان.

تحذير الاخوان

وبين الكاتب بالقول، ثمة عامل آخر له علاقة بالامن الداخلي في توقيت الكشف عن خلية حزب الله في مصر، فالقاهرة تراقب عن كثب التنسيق القائم بين حماس والحزب وجماعة الاخوان المسلمين التي تستند في شعبيتها جزئيا الى وقوفها بجانب حماس والحزب في صراعهما مع اسرائيل. لذا، باتهامهما عضوين من الاخوان المسلمين بالمشاركة في مؤامرة حزب الله تريد الحكومة المصرية احراج الجماعة وتحذيرها بأن مصر لن تتسامح مع تأييدها السياسي لحماس والحزب.

بيد ان القاهرة لم تتهم علنا حتى الآن حماس بالعمل الوثيق مع خلية الحزب، ولم تسرب اية تفاصيل حول تورط الفلسطينيين في القضية، لكن يبدو ان مصر تؤجل عمدا مناقشة هذه المسألة الى ما بعد 26 ابريل أي عندما تستأنف حركة فتح وحماس محادثاتهما الرسمية فإذا استمرت حماس في رفض التسوية المصرية المقترحة يمكن ان تلعب القاهرة عندئذ «ورقة حزب الله» بالكشف عن معلومات تبين علاقة حماس بخلية الحزب. بل ويمكن ان تلجأ مصر - اذا لم تبد حماس مرونة اكبر - لاحكام اغلاق حدودها مع غزة، وتتخذ المزيد من الخطوات لتدمير انفاق المهربين.

مضامين لأمريكا

واستنتج كاتب المقال، يوفر الخلاف المصري الشديد الاخير مع ايران وحلفائها في المقاومة العربية بالاضافة لمشاعر القلق الحاد لدى العرب، فرصة فريدة للولايات المتحدة لكي تدعم اصدقاءها وتحتوي خصومها في المنطقة. لذا، يتعين على واشنطن التحرك بسرعة لتأمين دعم قوي علني واضح، ومساعدة ملموسة لمصر وللحكومات العربية الاخرى في جهودها لمواجهة الدور الايراني الهدام.

ان مثل هذا الموقف الامريكي لا يتناقض مع سعي واشنطن لفتح صفحة جديدة مع طهران بل على العكس هو يتفق مع فن السياسة الذي يكمن في القدرة على التخاطب مع خصمك والحفاظ في نفس الوقت على مصالحك ومبادئك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 28/نيسان/2009 - 2/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م