هل وصلت العولمة مرحلة الركود؟

مرتضى بدر

أجزم أنني لست آخر من يكتب عن العولمة بكل محاسنها ومخاطرها وخيرها وشرها، وقد لا أضيف إلى عقل القارئ شيئًا جديدًا بعد الذي قيل وكُتِب ونُشِر عبر الندوات والمؤتمرات والمسيرات المناهضة للعولمة في مختلف الدول الديمقراطية، خاصة في بداية التسعينات من القرن الماضي مع بدء صيحة العولمة وانطلاقها كأمر واقع نحو ربط الدول والشعوب ربطاً اقتصادياً ومعرفياً، لكنني قد أضيف في نهاية هذا المقال استنتاجاتي عما ستؤول إليه العولمة وفق المعطيات الجديدة.

العولمة في بداية وهجها واجهت احتجاجات جمة اتسعت رقعتها في مختلف القارات، إلا إن أكثر القارات احتجاجاً وغضباً من مخاطرها على الشعوب كانت القارة العجوز (أوروبا)، فقد استطاعت المنظمات اليسارية والاشتراكية تأليب الرأي العام العالمي على الولايات المتحدة بالدرجة الأولى التي انطلقت منها الفكرة، والتي أخذت تروج لها من خلال سياسة الترغيب والترهيب، وبالدرجة الثانية الدول التي تدور في فلكها، وكذلك المفكرين والكتّاب الذين دافعوا بصلابة عن عولمة الثقافة الغربية وضرورة فرضها على الشعوب الأخرى.

 في الحقيقة ما كُتب عن مخاطر العولمة أكبر بكثير مما كُتب عن محاسنها، فكان معظم ما كُتب ونُشر من دراسات ومقالات وبحوث توضّح مدى مخاطرها السياسية والاقتصادية والثقافية على الدول والشعوب الفقيرة بالدرجة الأولى، فقد تم فضح بعض الدول الغنية الطامعة، والتي تسعى للهيمنة على الاقتصاديات العالمية من جهة، وفرض ثقافتها على الشعوب الأخرى من خلال تحويل العالم إلى قرية كونية من جهة أخرى.

 من المعلوم أن العولمة ذو أربعة شعب تشمل الاقتصاد والثقافة والسياسة والشأن العسكري، إلا إنّ الاقتصاد كان السمة البارزة، والواجهة التي انطلقت منها القوى الغربية الكبرى خاصة الولايات المتحدة، فكانت اتفاقية التجارة الحرة هي المنفذ لبسط نفوذها. يقول فرانشيسكو سغاستي “إن العولمة قد تقربنا من بعضنا البعض لكنها تعزز الفوارق الاجتماعية والمالية لاسيما الثقافية التي تبعدنا عن بعض”.

الثورة المعلوماتية وتقنية الاتصالات رافقت حركة ربط الدول الغنية الكبرى بالفقيرة والنامية، وقد هيئت لها المناخ اللازم لأداء تلك المهمة. بعد أكثر من عقد، وبعد أن ظهرت بوادر مخاطر العولمة وتأثيراتها على الهوية الدينية والوطنية لشعوب المنطقة، تعالت صيحات الاحتجاج في أوساط المفكرين والتربويين وخبراء السياسة والاقتصاد.

وقد بات واضحاً بأنّ الهدف من بسط العولمة هو قُولبة الشعوب وتدجينها وفق ثقافة القوى الكبيرة والغنية؛ ذلك لأن إحدى أهداف العولمة هو عملية الذوبان، وتخطي عصر الوطنيات والقوميات والولوج في عصر العالمية/ الكونية. في المقابل كانت ولازالت أصوات مؤيدة وداعمة لحركة العولمة، والتي ترى فيها مخرجاً من التخلف والعصبيات القومية والعنصرية والطائفية، ومدخلاً نحو النهضة العلمية والاقتصادية والولوج نحو الثقافة العالمية. الحركات والشخصيات الليبرالية والعلمانية في العالمين العربي والإسلامي تعتبر من الطلائع المؤيّدة للعولمة، فتنتقد الأصوات المعارضة وتصفها بالمتأثرة بنظرية المؤامرة، وتدعوها للخروج من العصر (الظلامي) والولوج نحو الحداثة وما بعد الحداثة.

 من مميّزات العولمة أنّها كشفت بصورة واضحة التيارات الفكرية في مجتمعاتنا، وساهمت في تنشيط الحركة الفكرية وفي زيادة وعي الجماهير. التيارات الإسلامية عملت بديناميكية أكبر في وجه التيارات الليبرالية والعلمانية التي رفعت شعار تحرير الاقتصاد والتعليم والمرأة، إضافة إلى الحريات السياسية.

 العلمانيون والليبراليون تعرضوا لخيبة أمل وصدمة مع انهيار النظام المالي العالمي مما زادت من نقمة الشعوب على دعاة العولمة، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية التي انطلقت منها فكرة العولمة وبدأت منها كذلك أزمة الاقتصاد العالمي. وبما أنّ الاقتصاد العالمي دخل في حالة الركود، فمن الطبيعي أن يعكس ذلك على حركة العولمة بكل تشعباتها.

في الواقع إن سياسات الغطرسة لإدارة بوش من ناحية، وجرائم الصهاينة في لبنان وفلسطين من ناحية أخرى كشفت الوجه القبيح للنظام العالمي الجديد الذي بشر به الغرب. وكانت دعوة بوش لفرض الديمقراطية، والضغط على الحكومات بضرورة تغيير مناهج التعليم سبباً في تمسك الشعوب بهويتها وقيمها الدينية والوطنية، وكانت بمثابة صفعة لدعاة العولمة ومريديها. وقد تقلص بريق العولمة في الشرق الأوسط وتجمّدت حركتها، ربما لوقت معلوم.

(فرانسيس فوكاياما) صاحب نظرية نهاية التاريخ، الذي كان يِؤمن بأن ثقافة الغرب في نهاية المطاف سوف تسود العالم، نراه اليوم يتراجع عن نظريته، فيقول في مقابلة له مع مجلة (اكسبرس) الفرنسية: “لقد أخطأت .. التاريخ لم ينته” ! وانتقد بشدة اليمين المتطرف الذي كان يهيمن على إدارة بوش بأنّهم السبب في كل تلك التراجعات. اليوم يأتي الرئيس باراك أوباما ليفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي، ويقول: “وبالنسبة إلى العالم الإسلامي، إننا ننشد طريقاً جديداً إلى الأمام، يرتكز على المصلحة المتبادلة والاحترام المتبادل.

 أما رئيس الوزراء البريطاني، غوردن براون دعا قبل انعقاد قمة دول مجموعة العشرين في أوائل هذا الشهر إلى إعادة النظر في قيم العولمة، ويرى ضرورة أن يدير قادة العالم دفة العولمة بطريقة تحول دون تكرار الأخطاء التي أدت إلى الأزمة المالية العالمية..

قادة الفكر والسياسة في الغرب أدركوا في النهاية إن هيمنة القطب الواحد على العالم تحت ذريعة عولمة الثقافة والاقتصاد مآلها الفشل، ولا مفر من احترام الثقافات، والأخذ بمبدأ الشراكة في أدارة العالم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/نيسان/2009 - 1/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م