كركوك: برميل البارود واحتمالات الانفجار

حلول أممية واتهامات متبادَلة ورؤى متباينة داخلية

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: تبدو كردستان التي نجَت من الحرب التي اجتاحت بقية العراق بعد غزو عام 2003 منظّمة وفي حالة رخاء نسبي غير ان هناك اعتراضات شديدة من العرب والتركمان في مدينة (كركوك)، والذين يتهمون الاكراد بالجشع والظلم ومحاولة الاستحواذ على هذه المحافظة التي تحوي مايقارب 10% من احتياطي العراق النفطي والمتكوِنة من مزيج كبير من القوميات والطوائف العربية والكردية والمسيحية وغيرها...

وياتي تقرير الامم المتحدة الخاص بكركوك فيما يتطلع العراق الى اجراء انتخابات عامة في اواخر العام الجاري وفيما يسعى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وهو شيعي أكسبه توجهه الوطني دعماً، الى تأكيد اكبر لسلطة الحكومة المركزية على كركوك.

ويثير ميل المالكي لتأكيد سلطته، ردود فعل مريرة في أربيل العاصمة الكردية، حيث تحدث المسؤولون عن اسلوب سلطوي مماثل لصدام حسين الذي ارتكب مذابح جماعية ضد الاكراد.

وقال عدنان مفتي رئيس البرلمان الكردي ان احدا لا يمكنه ان يسيطر على العراق بصورة ديكتاتورية. وقال انهم يرفضون اي قرار ضد الشعب الكردي.

ويشير دستور العراق الذي وضع في عام 2005 الى اجراء استفتاء حول كركوك غير انه لم يتم. ويقول عرب وتركمان انه لا يمكن ان يتم الآن.

ويشكو العرب والتركمان في كركوك من ان الاكراد استغلوا قوتهم - ويلقي بعضهم باللوم في ذلك على المسؤولين الامريكيين لتسليمهم السيطرة على المحافظة في عام 2003 - ويقولون ان الاكراد نقلوا نحو نصف مليون كردي الى كركوك منذ ذلك الحين. بحسب رويترز.

واتسعت الهوة بين الاكراد والعرب في كركوك بعد ان اتى المالكي بكتيبة جديدة من الجيش العراقي الى كركوك مما اقلق البشمركة العراقيين الذين يتمركزون في المحافظة من فترة طويلة.

غير ان المسؤولين الامريكيين يشيرون الى ان السياسيين الاكراد ربما يكونوا اكثر استعدادا لحل وسط فيما يفكرون في انسحاب حليفهم طويل الامد الولايات المتحدة واحتمال ان يفقدوا بعضا من نفوذهم البرلماني في الانتخابات التالية.

التقرير الأممي يوصي بعدم تقسيم كركوك

وطالبت بعثة الامم المتحدة للمساعدة في العراق في تقرير قدمته الاربعاء الماضي، حول المناطق المتنازع عليها, بالحفاظ على وحدة محافظة كركوك الغنية بالنفط.

وقالت بعثة المنظمة الدولية إن الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة ستيفان دي ميستورا قدم لرئيس الوزراء العراقي ومجلس الرئاسة العراقي ورئيس حكومة اقليم كردستان, مجموعة من التقارير حول الحدود الداخلية المتنازع عليها في شمال العراق. بحسب رويترز.

واضافت أن التقارير تضمنت ورقة تناقش مستقبل كركوك, بتحليل اربعة خيارات ترجع جميعها الى الدستور العراقي كنقطة لبداية التعامل مع كركوك.

وأكد البيان أن التقارير تستلزم اتفاقا سياسيا بين الاطراف ثم اجراء استفتاء وبالاضافة الى ذلك تتعامل الخيارات الأربعة مع محافظة كركوك على انها كيان واحد ولا ينطوي اي منها على تقسيم الأقضية والنواحي.

ويقول محللون إن منطقة كركوك يمكن أن تشهد توترات جديدة حتى لو خف مستوى العنف في باقي مناطق العراق.

ويُذكر أن التقرير غير ملزم بالنسبة إلى السلطات العراقية لكنه يظل ينطوي على الخطوط العامة الكفيلة بحل النزاع سياسيا في كركوك والتي تحتضن آبار النفط في شمالي العراق.

ومن المتوقع أن يتضمن التقرير نصائح بشأن تخفيف التوتر في مدينة كركوك مثل منح المدينة "وضعا خاصا" يتيح الإشراف المشترك عليها من طرف الحكومة المركزية في بغداد ذات الأغلبية العربية وحكومة كردستان العراق الكردية.

ويحاول الأكراد الذين يشكلون أغلبية السكان في المنطقة ممارسة نفوذ أكبر على السكان العرب والتركمان ومجموعات إثنية أخرى لكن الحكومة المركزية في بغداد ترفض بشدة خروج المنطقة عن حكمها.

وبسبب شدة التوترات بين سكان المدينة وعدم إمكانية التوصل إلى صيغة معينة لتقاسم السلطة، لم تنظم الحكومة المركزية في بغداد انتخابات مجالس المحافظات في شهر يناير/كانون الثاني الماضي.

وترغب واشنطن أيضا في فرض نوع من الاستقرار في كركوك في ظل استعداد جنودها لتقليص دورهم القتالي هناك.

ويحرص المسؤولون العراقيون على توصل الأطراف المختلفة في كركوك إلى اتفاق بشأن تقاسم السيطرة على المدينة في ظل قرب موعد الانتخابات البرلمانية في أواخر السنة الحالية.

ويُذكر أن المادة 140 من الدستور العراقي تنص على "تطبيع الأوضاع وإجراء إحصاء سكاني واستفتاء في كركوك وأراض أخرى متنازع عليها لتحديد ما يريده سكانها وذلك قبل 31 كانون الأول/ديسمبر 2007".

ويطالب الأكراد بإلحاق كركوك بإقليم كردستان العراق في حين يعارض العرب والتركمان ذلك إذ يريدون تقسيم المدينة إلى أربع مناطق انتخابية بواقع 32% لكل من العرب والتركمان والأكراد و4% للمسيحيين.

إدارة مشتركة لكركوك وضم بعض المناطق لكردستان

وقالت صحيفة واشنطن بوست Washington Post  أن السياسيين الأكراد والعرب في شمالي العراق يتهيأون لما وصفته بـ “نزاع محتمل طويل وقاس” حول مناطق متنازع عليها فيما ينتظرون صدور تقارير الأمم المتحدة التي يتوقع أن تقترح إدارة مشتركة لكركوك وضم بعض المناطق لحكومة كردستان الاقليمية.

ففي كركوك، التي تصفها الصحيفة في تقرير لها بأنها درة تاج 300 ميل من الاراضي المتنازع عليها، اعلن سياسيون عرب نهاية الاسبوع الحالي عن تأسيس مجموعة سياسية تضم زعماء سنة اكتسبوا اهمية في العامين 2006 و 2007، عندما حملوا السلاح وبدعم مالي من الولايات المتحدة ضد جماعة القاعدة في العراق في الجزء الغربي من البلاد.

في هذه الإثناء تضيف الصحيفة “قام الأكراد بحملة لجمع توقيعات بالقوة في هذه المدينة الغنية بالنفط كعريضة غير ملزمة يأملون من خلالها تبيان ان غالبية سكان كركوك يريدون إلحاق المدينة بالحكم الذاتي الكردي”.

والتقرير الذي طال انتظار صدوره عن الامم المتحدة، الذي يتوقع أن يعلن عنه في الشهر الحالي، كما تواصل الصحيفة، قد يفتح فصلا جديدا من النزاع الداخلي على مدى عقود بن العرب والاكراد بشان كركوك ومدن رئيسة وقرى في شمالي العراق.

وتقول الصحيفة انه “منذ الغزو الامريكي للعراق في العام 2003، عملت الحكومة الاقليمية الكردية بالقوة ـ وهي التي تتصرف كدولة ذات سيادة بنحو كبير ولديها قواتها المسلحة ـ على استعادة نفوذها في العديد من المناطق. وقد أنفقت الملايين في مجال خدمات اجتماعية، ونشرت ميليشياتها، البيشمركة، في اجزاء من نينوى، وديالى وكركوك، وهي المحافظات الثلاث المحاذية للحكم الذاتي الإقليمي الكردي”.

واتهم رئيس الوزراء نوري المالكي وقادة عرب آخرون، كما تقول الصحيفة، الاكراد بـ  ”التعدي” على مناطق هي تحت السيطرة الشكلية لحكومة بغداد. ونشر المالكي في الشهور الاخيرة قوات تابعة للحكومة المركزية “لكبح نفوذ” الحكومة الاقليمية الكردية على حد تعبير الصحيفة.

وتمضي الصحيفة بالقول إن التوتر بشان كركوك ومناطق اخرى متنازع عليها، الذي يعتقد بعض المسؤولين العراقيين والأمريكيين انه قد يؤدي الى تصعيد الاوضاع الى الى نزاع مسلح، حث الجيش الامريكي في كانون الثاني يناير على رفع مستوى قواته من فوج واحد، أي حوالي 900 عسكري، الى لواء قتالي يضم حوالي 3.200 جندي.

وتنقل الصحيفة عن اندريو تيريل، وهو استاذ في الامن الوطني بالمدرسة الحربية الامريكية في معهد الدراسات الإستراتيجية، قوله ان “تهديد نشوب حرب أهلية ما زال أمرا قائما، ولا يمكن التقليل من شان هذا التهديد،” في إشارة الى احتمال نزاع مسلح عربي كردي.

واضاف تيريل ان “كركوك كثيرا ما تقارن باورشليم [القدس]، حيث تقطنها مجموعات اجتماعية مختلفة لديها ارتباطات عاطفية شديدة بنحو استثنائي، ومزاعم الجماعات المتنافسة نادرا ما تكون صحيحة.”

إن الجدال بشان السيطرة مرتبط، كما تجد الصحيفة، بعدم حل مسالة كيف سيوزع العراق ثروته النفطية. ومع تعقد الأمور، فالبلد مقبل على عام مشحون سياسيا قد تصل فيه أخطاء يرتكبها مرشحون على موقعهم في كركوك الى “انتحار سياسي”.

وذكرت الصحيفة ان مسؤولين في الأمم المتحدة اطلعوا هذا الاسبوع المالكي، والرئيس جلال طالباني، وقادة آخرين بارزين على تقاريرها. واشارت واشنطن بوست الى ان مسؤولين في الامم المتحدة رفضوا مناقشة هذه التقارير علنا.

وتذكر الصحيفة إن محللين عراقيين وسياسيين في شمالي العراق الذين ناقشوا هذه القضية مع مسؤولين في الأمم المتحدة في الاسابيع الاخيرة قالوا في لقاءات اجرتها الصحيفة معهم انهم يتوقعون ان المنظمة الدولية قد تضع سيناريو يوصي بإدارة كركوك بطريقة مشتركة بين الحكومة المركزية في بغداد والحكومة الكردية الاقليمية. أما في ما يخص مناطق اخرى، فعلى أساس تحليل تاريخ المنطقة والتوزيع الديموغرافي ونتيجة الانتخابات المحلية الأخيرة، فمن المتوقع أن تقترح الأمم المتحدة وضع بعض المقاطعات تحت إدارة الحكومة الاقليمية الكردية.

حسين علي صالح الجبوري، الذي تصفه الصحيفة بالزعيم السياسي العربي البارز في كركوك، قال ان سياسيين محليين قرروا تشكيل كتلة كركوك العراقية من اجل “تعزيز الموقف العربي” إزاء ما قال انه “تعنت كردي.” وقال ان المجموعة تقصد من وراء ذلك نشر مجالس الصحوة، أو “ابناء العراق”، لمحاربة جماعات التمرد في قرى بشمال العراق.

أما السياسيون الأكراد في كركوك فيقولون انهم لن يقبلوا باي اتفاق يمنع الحكومة الكردية الاقليمية من الحاق المدينة بها.

إذ قال نجاة حسن كريم، وهو شخصية كردية بارزة في المدينة، “نحن نقبل بحل لكركوك ياتي من اطراف من داخل المدينة ونعارض أي حل مستورد من الخارج من اطراف معادية لتجربة الشعب الكردي.”

وتضيف الصحيفة ان الوضع الامني في كركوك، التي شهدت عنفا قليلا في السنوات التي اعقبت الغزو، تدهور في الشهور الاخيرة. فقد فجر انتحاري نفسه وقتل 50 شخصا في مطعم في كانون الاول ديسمبر. ويوم الاربعاء الماضي، قتل انتحاري اخر 11 عراقيا، ويخشى مسؤولون امريكيون من احتمال انتهاز جماعات متمردة المآزق السياسية والعسكرية لتعود الى المنطقة.

ويقول تيريل عن موقف الولايات المتحدة إزاء هذا الصراع ان “الولايات المتحدة لا تستطيع زج نفسها في هذا الصراع من دون ان توجد لها اعداء جددا في العراق والعالم،” ويضيف “اعتقد ان على الولايات المتحدة احتواء العنف وتشجيع الحوار، لكني لا اعتقد أن بإمكاننا المضي الى ابعد من ذلك من دون أن نجعل الأمور تسير الى الأسوأ.”

حقائق عن كركوك العراقية المتنازع عليها

سلمت الأمم المتحدة الاربعاء الماضي تقريرا للحكومة العراقية بشأن المناطق المتنازع عليها وتأمل أن يسهم التقرير في تخفيف التوترات بين الأكراد والعرب بشأن مدينة كركوك المتنازع عليها. وفيما يلي بعض الحقائق عن مدينة كركوك في شمال العراق والمحافظة المحيطة بها، بحسب رويترز:

المدينة

كركوك تبعد 250 كيلومترا شمالي بغداد وهي عاصمة محافظة التأميم التي تعرف اليوم باسم محافظة كركوك. وتقع كركوك فوق عدد من أهم الحقول النفطية العراقية. وتحتوي حقول كركوك على نحو 13 في المئة من الاحتياطات المكتشفة في العراق. والاحتياطات النفطية العراقية هي ثالث أكبر احتياطات في العالم. وتقع المدينة مباشرة خارج المنطقة الكردية الخاضعة لحكم شبه ذاتي.

أهالي كركوك

يشكل الاكراد والعرب والتركمان الجماعات العرقية الرئيسية في المدينة. وتضم المدينة أيضا المسيحين الكلدان الكاثوليك وغيرهم من الاقليات. وانتقلت الاف العائلات العربية الى كركوك في السبعينات والثمانينات في اطار سياسة "التعريب" التي اتبعها الرئي السابق صدام حسين. وتضمنت السياسة أيضا طرد الاكراد والتركمان. وهناك نزاع بشأن الحجم الحقيقي لكل جماعة عرقية في كركوك مما يجعل احصاءات السكان غير موثوق بها. ويقول العرب والتركمان ان مئات الالاف من الاكراد أقاموا في المدينة منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

قلب الصراع

يعتبر الاكراد كركوك عاصمتهم القديمة ويريدونها أن تكون جزءا من كردستان. ويريد العرب والتركمان أن تظل المدينة تحت سيطرة حكومة بغداد المركزية. ويعتقد العرب والتركمان أن كركوك أغرقت عمدا بالاكراد من أجل ترجيح الكفة الديمغرافية لصالحهم في أي انتخابات. وتسببت الخطوات الكردية الرامية لدمج كركوك في كردستان في حالة من القلق في تركيا المجاورة التي تشخى أن يحول أكراد العراق كركوك الى عاصمة لدولة جديدة مما قد يغذي الروح الانفصالية عند الاقلية الكردية التركية الكبيرة.

الانتخابات

استثنيت كركوك من الانتخابات المحلية في يناير كانون الثاني 2009 لانه لم يتم الاتفاق على كيفية اجراء الانتخابات هناك.

الامم المتحدة

يطلق مبعوث الامم المتحدة الخاص للعراق ستافان دي ميستورا على كركوك "أم القضايا" في البلاد ويقول ان من الضروري لاستقرار العراق الوصول الى حل سلمي للنزاع. ويحتوي التقرير الذي استغرق اعداده عاما على أربعة خيارات للتغلب على النزاعات حول السيطرة على كركوك وتوصيات بشأن 14 منطقة أخرى محل نزاع في شمال العراق. ولم يعلن عن تلك الخيارات.

ماذا عن اجراء استفتاء؟

كان من المقرر اجراء استفتاء بموجب بنود الدستور بحلول نهاية 2007 لحسم وضع كركوك ولكنه تأجل لأسباب منها إعطاء الأمم المتحدة وقتا من أجل تقديم مقترحاتها. ولا يجري حاليا التخطيط لأي استفتاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 25/نيسان/2009 - 29/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م