القيادات العراقية لا تمتلك الشجاعة!

عباس النوري

الخطاب السياسي العراقي ليس وطني بقدر ما هو مصلحي حزبي قومي أو مذهبي...

وللخطاب وجهان ظاهرٌ مقنن وباطنٌ لا يعرف تأوليها إلا من نسج جمل الخطاب. وفي كثيرٌ من الأحيان يخطأ أكثر مما يصيب.

لا أتهم القيادات بانعدام ملكة الشجاعة ...فجميع الذين شاركوا في العملية السياسية شجعان لأنهم أصبحوا هدفاً لسلاح الأعداء وانتقادات الأصدقاء وصيحات المظلومين.

ولا الذين اختاروا الطرف الآخر هم الشجعان فقط...لأنهم حملوا السلاح وكانوا سبباً في قتل الأبرياء وتهجير الملايين. وهذه شجاعة تحسب لهم وإجرام معلوم.

لا الذين وقفوا مع المحتل علناً أو بالسر امتلكوا الشجاعة الكافية ليكون خطابهم واضح...ولا الذين تحايلوا على أساس أنهم وطنيون ويعملون ضد وجود الاحتلال وهم في واقع الأمر متعاونين مع الأجنبي بكل أشكاله وألوانه.

والجميع يتذكر الخطابات النارية التي أدت لإشعال الفتنة الطائفية كيف كان لها تأثير في تدهور الأوضاع.

الآن، وبعد كل المآسي والمعاناة أنقسم القادة العراقيون إلى فرقتين ...مع النظام الفيدرالي أو الحكم المركزي. وبشكل أوضح...مع تقسيم السلطة ورسم حدود إدارية للأقاليم المستقبلية وفق الدستور الدائم...أو الضغط من أجل تغيير الدستور لرفع فقرات مثل العراق الفيدرالي وتعدد السلطات واستقلاليتها...أي وضع بنود تدعوا للديمقراطية الملائمة والمناسبة لوضع الدول المحيطة بالعراق.

 لو أن العملية الديمقراطية في العراق نجحت وفق ما متفق عليه بين الأطراف التي ساهمت في العملية السياسية من جانب ومع الولايات المتحدة الأمريكية لأنها الراعية لهذا التغيير لأصبح العراق خطراً حقيقياً على الأنظمة العربية الشمولية والأنظمة الوراثية الملكية والجمهورية...وهذا مرفوض سراً وعلناً.

ولهذا لا رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي مع كل هذه الجرأة التي يمتلكها وأظهرها خلال الفترة الماضية لكنه لا يمتلك الشجاعة ليقول أن مصطلح الحكومة المركزية القوية إملاءٌ ليس عراقي...والجميع يحاولون إيهام المواطن العراقي بشعارات ومصطلحات لا غاية فيها إلا الباطل...وحدة العراق أرضاً وشعباً...

وهم من نظروا وساهموا في كتابة الدستور لبناء عراق فيدرالي ديمقراطي، وشجعوا للفصل بين السلطات واليوم في جميع خطاباته يحث العراقيين ليقفوا معه في دمج السلطات من أجل حكمٌ أقرب للدكتاتورية منه للديمقراطية ضناً منه إن فاز في دورة ثانية لرئاسة الوزراء سيبقى إلى الأبد...حسب ما هو معمولٌ في أغلب الدول العربية.

ولعل معالي رئيس الوزراء يريد من خلال هذا الأمر سحق فكرة الأقاليم ليوهم العراقي بالنزعة الوطنية مع أن العراقي لم يحصل من الوطن ذرة من حقوقه. وفي ذات الوقت ساهم في فصل بعض المحافظات عن العراق الواحد...وعلى سبيل المثال ليس الحصر محافظة نينوى التي أصبحت اليوم وبفضل المالكي محافظة مستقلة سيطرت فئة على حساب الآخرين...وضربت القيم الديمقراطية عرض الحائط ليبدأ فصل جديد من النزعة القومية ضد كل أنواع الديمقراطية باستخدام الأسلوب الديمقراطي.

ولا أستبعد أن هذا النوع من الحكم سينتقل لمحافظات عراقية أخرى...من خلال رفع ذات الشعارات الصدامية المقيتة ...وتتوحد جهود القوى الحاقدة على الإنسانية جمعاء لتسيطر على الحكم وترجع العراق لعهد التعسف والظلم.

أن كان عمل الدولة العراقية جماعي فلماذا يحاول البعض حسب المنجزات لجهة دون أخرى...وأن كان جميع المشاركين في العملية السياسية مساهمين في المشاريع الوطنية المتفق عليها فلماذا تسمى المشاريع للبعض دون ذكر الآخرين...وإذا كانت المصالحة الوطنية أهم مشروع فلماذا لا تتصالح الأطراف المشاركة في العملية السياسية قبل المصالحة مع الذين وقفوا حجر عثرة بوجه العملية السياسية...ولماذا لا تتصالح الدولة مع المظلومين من أبناء الشعب العراقي...وترجع لهم حقوقهم.

أهم ما يجب أن تلتفت لها القيادات ترتيب البيت العراقي الداخلي ونقاوته...والانفتاح على العالم أجمع لكن ليس على حساب مصالح العراق في بناء دولة حديثة.

العراق لا يتقدم ولا تنتهي مشاكله إلا من خلال وضع نظام سياسي متطور...ووضع نظام اقتصادي سليم وفق منهج حديث...والتوصل لنظام اجتماعي يحقق لجميع الفئات حقوقهم الطبيعية وبقية الحقوق السياسية المكتسبة...

العراق جزء من العالم...بل جزء من الكون...ولا يمكن وضع العراق في سلة معينة. نحن نعيش في عصر المصالح ولا مصلحة أفضل من مصالح الشعب العراقي...ولا يمكن ضمان مصالح الشعب العراقي بتفضيل فئة على أخرى ولأي سبب.

أن الأحزاب التي تحاول تعبئة الشارع العراقي وفق أجندات ضيقة شعاراتها زائفة متلونة بألوان تزيلها شمس العراق المحرق ومن خلال الواعين من أبنائه المخلصين من مفكرين ومثقفين لديهم الروح الإنسانية قبل النزعات الضيقة والمقززة.

 هذه الأحزاب ستنكشف غاياتها وعلاقاتها مع اللاعراقي ولا يمكن ستر عوراتها هتافات وشعارات... والعراق قرر أن يمضي لبناء دولة حديثة وفق نظام سياسي واقتصادي واجتماعي متطور وحديث نابع من العلم والمعرفة وليس خزعبلات الماضي والأفكار السحيقة العتيقة المريضة.

القيادات العراقية النافذة مطالبة اليوم قبل أن تنطلق شرارة أكثر شراً من الفتنة الطائفية التي لم تنتهي بعد ...أن يكونوا أكثر وضوحاً ويتحدثوا بوضوح في النقاط التالية:

- العراق ...فيدرالي ديمقراطي أم حكم مركزي وعلى القيادات بيان سلبيات وايجابيات كلٌ منها.

- وبيان توزيع الثروات بشكل منصف بين العراقيين وليس بين الأحزاب.

- العلاقات بين المجتمعات العراقية من قوميات وأديان ومذاهب.

- العلاقات الدولية...من خلال بيان سياسة متفق عليها وفق نظام مصلحة العراق فوق جميع المصالح لكن ليس على حساب مصالح الآخرين.

- رفع مستوى الإنتاج الوطني والتوصل لتوازن بين الاستيراد والتصدير.

- رفع مستوى الثقافي والعلمي للمواطن العراقي.

- إصلاح الوضع الصحي للمواطن العراقي وفق التطورات العالمية.

- وضع خطط قريبة وسريعة لتوفير الخدمات الضرورية.

- القضاء على كل أنواع البطالة.

- توفير السكن للجميع بطريقة تحفظ كرامة الإنسان العراقي.

- توفير مستلزمات التعليم من رياض الأطفال والمدارس بجميع مراحلها وفي جميع المدن والنواحي والقرى.

وهذه الأمور لا تتحقق من خلال الخطابات والأمنيات، ولا يمكن لطرف دون مشاركة الجميع انجازها، ولكن من خلال التعامل على أساس فريق متكامل.

هذه هي الوطنية...وحب الوطن تثبت أثاره من خلال العمل المثمر وليس الخطابات الموجه للجمهور لمصالح ضيفة تلبية لأوامر لا علاقة لها بالوطن لا من قريب ولا من بعيد.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/نيسان/2009 - 28/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م