كركوك والنوايا الكامنة

احمد جويد

اليوم نقف أمام مشكلة تكاد أن تكون معقدة إلى حد كبير اذا لم يتوفر لها الحل والعلاج المناسب الذي يرضي جميع أطرافها، ألا وهي مشكلة كركوك التي كتب عنها الكثيرون ووصفوها بشتى الأوصاف وطرحوا لها العديد من الحلول كلٌ بحسب تحليله للقضية ووجهة النظر التي يراها مناسبة من أجل المساهمة في العثور على حل أمثل يرضي جميع الأطراف.

الأمر الذي يستوجب البحث في النية أو الباعث الدافع لأطراف الصراع في ظل شعارات الوطن والمواطنة التي يتم طرحها ورفعها من الجميع بصدد هذه المشكلة، علماً أن جميع المكونات في كركوك لها تمثيل في البرلمان والحكومة، وهؤلاء الممثلون هم من يتبنى التفاوض وطرح الحلول وبدون موافقتهم لا يمكن للجهود المحلية داخل المدين أن تأخذ قرارها بشكل مستقل.

ولو قمنا بتوجيه سؤال لأي من أطراف الصراع حول وحدة العراق أرضاً وشعباً، لأجابوا وبدون تردد (نحن حريصون كل الحرص على بناء عراق موحد مبسوط السيادة على جميع أراضيه من زاخو إلى الفاو، كما وإننا نؤمن أشد الإيمان- والكلام للسياسيين- بأن ثروات العراق لجميع العراقيين).

إذن ما هو الضير في أن تكون كركوك إقليماَ قائماَ بذاته يشترك في إدارته جميع أبناء المدينة؟ أو محافظةً كغيرها من المحافظات الأخرى غير المنتظمة بإقليم؟ أو أن تكون جزءً من إقليم كردستان مادامت كردستان جزء لا يتجزأ من دولة العراق؟ ولماذا نروج لفكرة صراع قومي بعد أن كفانا الله شر الصراع الطائفي الذي حاول البعض المغرض جرنا إليه؟

فإذا استطعنا الإجابة على تلك الأسئلة، نستطيع معرفة الباعث الدافع(النية) خلف كل تلك التعقيدات والتصريحات والمواقف المتشنجة التي وصلت عند البعض بان توصف بـ(النارية)، وهي بعيدة كل البعد عن العقل والمنطق وروح التسامح والأخوة والتعايش الذي تم من خلاله بناء نسيج المجتمع الكركوكي خلال الحقب الماضية.

فما هي نية الأطراف السياسية الكامنة خلف الصراع حول كركوك؟

أولاً: إصرار الأكراد على ضم المدينة إلى إقليم كردستان.

الكل يعرف بأن كركوك هي من بين أهم وأغنى مدن العراق في الثروة الطبيعية(النفط)، والمطلعون على القوانين والدستور العراقي الدائم يعرفون أيضاَ إن هذه الثروة ملك لجميع أبناء الشعب العراقي، وإن العقود النفطية التي يتم إبرامها مع الشركات الأجنبية لإستثمار تلك المادة أو التنقيب عنها لا يتم إلا من خلال موافقة وزارة النفط في الحكومة الاتحادية وإن أي عقد يتم إبرامه خارج موافقة وزارة النفط يعدّ باطلاَ، فإذا كانت هذه هي طبية القوانين التي تحدد طبية استثمار النفط في العراق يلزم أن يكون الإصرار الكردي على ضم المدينة إلى الإقليم مبني على رغبة أهالي كركوك بحسب ما تحدده النصوص الدستورية وليس عن طريق الإكراه أو محاولة الضغط على سكان كركوك بطريقة أو بأخرى، وإذا كان من حق الأكراد تقرير مصيرهم فمن حق باقي المكونات في كركوك ان تقرر مصيرها أيضا، تلك مسألة تشتمل على تعقيدات وصراعات محلية وإقليمية كبيرة قد تكون لها بداية وليس لها نهاية مع التذكير بعدم ضمان المواقف الدولية على حالها وبالخصوص بالنسبة لحلفاء الأكراد.

ثانياً: الخوف التركماني من ضم كركوك إلى إقليم كردستان.

إقليم كردستان هو من أفضل المناطق في الوقت الحاضر اقتصادياً وأمنياً وانفتاحاً أمام الاستثمار وفرص العمل، وكثيرون اليوم ممن يرغبون في العيش داخل هذا الإقليم، وبانضمام كركوك إلى إقليم كردستان سوف يكون الإقليم أكثر انتعاشاً من الناحية الاقتصادية، الأمر الذي سوف يشمل جميع الساكنين في مدينة كركوك بمختلف انتماءاتهم، إلا أن القلق التركماني يتأتى من الخوف من تسلط الأكراد ودكتاتورية السلطة التي تحكم الإقليم، الأمر الذي قد يؤدي إلى تهميشهم من الحياة السياسية أو محاولة طمس هويتهم الثقافية بفرض نظام تعليمي معين عليهم، إضافة حساسية الأكراد المفرطة من التركمان كون الجانب التركي هو الذي يصرح بعدم التعرض لهم ولمصالحهم وكأنهم مواطنين أتراك وليسوا عراقيين، علاوة على التوتر الكبير الذي يشوب العلاقات التركية الكردية من حين لآخر بسبب الأعمال المسلحة التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني (pkk).

ثالثاً: عرب كركوك والنزعة القومية.

اعتاد العرب في العراق على أن يكونوا هم أصحاب القرار والسلطة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام1921م، التي تضم المحافظات الكردية في شمال العراق وتنصيب ملك عربي لحكم العراق من شماله إلى جنوبه باعتبارهم الأغلبية في البلاد ولهم امتدادهم الواسع مع العالم العربي والعراق جزء من الأمة العربية وعضو مؤسس لجامعتها، الأمر الذي يجعل من عرب كركوك يعيشون- بحسب تصورهم- تحت رحمة السلطات الكردية في حال انضمام كركوك إلى إقليم كردستان، فهم من جهة لا يستطيعون التخلي عن مناطق سكناهم وموارد رزقهم ومن جهة أخرى لا يستطيعون القبول بفكرة التبعية لحكومة الأكراد في الإقليم.

كل تلك الأمور وغيرها من الأفكار التي تغذيها أجندة خارجية لا تريد للعراق الاستقرار أو التوقف عن دوامة العنف، تعمل على أن تبقى كركوك جغرافيا للصراع القادم في العراق ما لم يتم وضع الحلول المناسبة والمنطقية والبعيدة عن لغة التهديدات والقوة كي لا تصبح كركوك نقطة الابتعاد والصراع بين العراقيين بدلاً من أن تكون نقطة الالتقاء والتعايش.

لذلك يجب على جميع الأطرف التخلي عن نواياها للسيطرة والتفرد بحكم المدينة وأن تبقى إقليماً قائما بذاته أو محافظة غير منتظمة بإقليم تحكم من قبل أبنائها بموجب النصوص الدستورية ووفقاً للاستحقاقات الانتخابية، بعيدةً عن لغة المساومات السياسية التي تتم بصيغة (هذه لي ولك تلك).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/نيسان/2009 - 28/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م