نابل التونسيّة تتحول الى خليّة تقطير زَهر كبرى


شبكة النبأ: تشهد مدينة نابل التونسية في هذه الفترة من كل عام حركة دؤوبة لإنتاج العطريات وتقطير الازهار في تقليد سنوي تحرص على احيائه جل العائلات هناك.
وتتحول مدينة نابل (60 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة) مع بداية موسم الزهر الى خلية تقطير كبرى لانتاج ماء الزهر (زهر شجرة النارنج) وماء الورد والعطرشاء.
اذ ما ان يحل فصل الربيع الذي تنضج فيه زهرة النارنج ويكتمل نموها حتى يسارع اهالي المدينة بقطفها وتجميعها قبل ان تتفتح وتفقد قيمتها لاسيما ان هذه الفترة لاتستمر سوى اربعة اسابيع فقط.
وتتميز زهرة النارنج بأوراق غامقة اللون وازهار بيضاء ذات رائحة عطرية وثمرة كروية خشنة الملمس وكبيرة لها لون اقرب للبرتقالي وطعم حمضي مثل الليمون.
ويعود الموطن الاصلي لشجرة النارنج الى الصين التي انتقل منها نحو باقي القارة الآسيوية فأفريقيا، إذ أدخله العرب الى اسبانيا، وزُرع فيها عدة سنين قبل البرتقال حسب ما يؤكده المؤرخون.
وتعد هذه الشجرة المعمرة الدائمة الخضرة والتي يصل ارتفاعها الى 10 أمتار ثروة اقتصادية ذات بعد ثقافي واجتماعي هنا اذ يرجع تاريخ اول وحدة تقطير الى اوائل القرن الـ19.
ويكتسي موسم الزهر مع ابعاده الثقافية المتصلة بالمحافظة على التقاليد اهمية اجتماعية اذ يساهم في توفير أموال اضافية لبعض العائلات محدودة الدخل عبر ممارسة نشاط اقتصادي وتقليدي عائلي متمثل في تقطير الزهر وبيعه لزوار المدينة.
كما يوفر هذا الموسم لعائلات اخرى فرصا تجارية وذلك بتجميع محاصيل متفاوتة من الازهار وبيعها في الاسواق او توجيهها نحو مراكز التجميع التي تقتني الازهار لمصلحة المعامل الخمسة القائمة في ولاية نابل.
ويساهم استقرار الطقس هذه الايام بتونس في احياء هذا النوع من الانشطة التقليدية التي تحافظ فيها العائلات على استعمال القطارة النحاسية التقليدية فضلا عن انتشار مظاهر التقطير وتنوع تقنيات الجمع سواء في الحدائق اوالشوارع.
ومن الصعب ان تمر فترة موسم الزهر دون اعداد مؤونة العام من ماء الزهر الذي يجمع في قوارير خاصة يطلق عليها (فاشكات) بغرض استعماله في صنع الحلويات والعطور والتداوي من ضربة الشمس والالام المعوية وحماية البشرة.
وعن طريقة تحضير ماء الزهر قالت السيدة نائلة الدهماني ان البداية تكون بجمع الزهر وتجفيفه لمدة يومين كي يفرز المادة الزيتية ثم توضع كمية من الزهر (5ر2 كيلو) في وعاء نحاسي يسمى (القطار) يضاف اليها الماء (سبعة ليترات) وتترك على نار عالية حتى الغليان.
واضافت الدهماني لوكالة الانباء الكويتية، ان هذه العملية ينتج عنها تبخير يتم تمريره في أنبوب مثلج خاص موصول باناء لتكثيف البخار على شكل قطرات ندية تتدلى نحو وعاء آخر مشكلة "روح الزهر".
واوضحت ان الزهر يجمع وينقى ويفرد في يومين كاملين ثم يملأ في قالب الى نصفه بالزهر فيضاف اليه الماء ليغطي ثلثي الوعاء ثم يغلى هذا الماء مع الزهر لتتم عملية التبخير.
واضافت الدهماني ان الوعاء الثاني يغطى ويملأ بالماء البارد اللازم لعملية التكثيف "وكلما سخنَ يُبدل بآخر بارد لتستمر العملية".
ويشكل قطاع الزهر بولاية نابل اهمية اقتصادية مميزة اذ يعد زهر النارنج المصدر الرئيسي لزيت النيرولي الذي يتم تصديره نحو الاسواق الخارجية لاسيما مدينة (غراس) الفرنسية.
كما يوفر هذا القطاع الذي يحوي اكثر من 100 الف شجرة نارنج عائدات سنوية تصل الى نحو اربعة ملايين دولار حيث يحول اكثر من 60 في المائة من محاصيل الزهر عن طريق وحدات صناعية مختصة تتولى انتاج ماء الزهر واستخراج زيوت النيرولي بمعدل (600 لتر ماء) و(واحد كيلوغرام زيت) عن كل طن من الزهر.
ويتراوح سعر الكيلوغرام الواحد من زيت النيرولي المنتج بنابل والذي يتسم بجودة متميزة ما بين (3500 الى 4500 دولار) بالاسواق الخارجية.
ورغم ان التوقعات بتراجع انتاج هذا الموسم بنسبة 18 في المائة عن الموسم الماضي الا ان انتاج ماء الزهر يبقى من الانشطة الزراعية الواعدة نظرا لمشروعات تطوير صناعة العطورات بتونس.
وعزت السلطات هنا هذا التراجع في الانتاج الى حساسية شجرة النارنج التي تتميز بمعدلات انتاج غير منتظمة بحكم ارتباطها الوثيق بالعوامل المناخية والعناية الزراعية لاسيما على مستوى الري والتسميد.
وعن فوائد ماء الزهر في المجال العلاجي والصحي يؤكد كثير من الناس هنا ان ماء الزهر مفيد بالدرجة الاولى لتهدئة الاعصاب ومفيد للانسان على امتداد العام وفي جميع الفصول.
كما ان هناك ادوية يدخل في تركيبتها ماء الزهر لإضفاء النشاط والصحة لاسيما مرضى الجهاز العصبي ومرضى القلب وتصلب الشرايين.
ويقال ان هذا الماء يمد الجسم بالفيتامينات والاملاح اذا ما استعمل مع الوجبات عبر الخضار والسلطة كما فوائد اخرى في مجال التجميل وغسل الوجه وترطيب العينين.
ومع الاستعمالات العائلية في الطبخ والتعطير والمداواة يبقى للزهر جوانب اخرى لانتاج الزيوت الأساسية للعطور وخاصة النيرولي (زيت الزهر الأساسي) والمطلوبة في مجال صناعة العطور الرفيعة.
هكذا يدخل ماء الزهر بشخصية عطرة من بوابة البيت ليتسلل الى الاجساد قبل ان يتواجد في كل ركن من الاركان لاسيما المطبخ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 20/نيسان/2009 - 23/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م