تحديدات ترشيد استخدام الطاقة غير المباشرة في أمريكا

 

شبكة النبأ: بات من الواضح مدى أهمية الطاقة ومصادرها بالنسبة لدول العالم كافة، لاسيما الصناعية منها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في ظل عدم استقرار أسعار الطاقة ومحدودية مصادرها.

واعتماد دول العالم كافة بشكل مكثف على مصدرين فقط من مصادر الطاقة وهما النفط والغاز الطبيعي، على الرغم من الآثار السلبية العديدة التي تنتج عن استهلاك هذين المصدريين بيئيًّا، ومن أهمها ظاهرة الاحتباس الحراري، الأمر الذي دفع خبراء البيئة إلى تكثيف نداءاتهم بترشيد استخدام الطاقة وبصفة خاصة مصادرها الأحفورية.

وفي إطار ما يؤكد عليه المراقبون من أن الطلب الأمريكي المتزايد على الطاقة، وعدم تغير سياسة الإنتاج والاستهلاك الأمريكية لإيجاد مصادر طاقة بديلة، أو ترشيد النهج الاستهلاكي الحالي سيؤدى إلى ظهور آثار كارثية على مستويات المعيشة والاقتصاد، وكذلك أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وذلك على الرغم من انخفاض أسعار النفط حاليًّا، تأتي أهمية هذه الدراسة التي نشرها معهد "أمريكان إنتربرايز بعنوان" استخدام الطاقة غير المباشر في الولايات المتحدة. الواقع، واحتمالات الترشيد. للكاتبين كيفين جرين، وأبارنا مازر.

واقع استخدام الطاقة في الولايات المتحدة

دفعت أسعار الطاقة العالمية، والاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية، والآثار البيئية الناتجة عن استخدام مصادر الطاقة المختلفة، إلى الاهتمام بشكل أكبر بتخفيض وترشيد استخدام الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال تشجيع السياسيين، والوكالات الرسمية والاتحادية الأمريكيين على تخفيض استهلاك أهم مصادر الطاقة، مثل، الجازولين، وزيت التدفئة، والكهرباء، والغاز الطبيعي، وحثهم على الاتجاه إلى استخدام وسائل النقل، والإنارة، والتدفئة، الأقل استهلاكًا للطاقة. حتى شركات النفط الكبرى قد اتجهت إلى لصق إعلانات في شوارع العاصمة الأمريكية "واشنطن دي سي"" Washington D.C" تحث فيها المستهلكين على ترشيد استخدامهم للطاقة، وبما يقل عن مستويات إنتاجها، كما ذهب الخبراء في مجالات الحفاظ على البيئة إلى أبعد من ذلك، من خلال الدعوة إلى التحول إلى اللجوء لمصادر الطاقة البديلة من طاقة شمسية وطاقة الرياح، لاسيما في استخدامات الطاقة المنزلية، واستبدال السيارات بالدراجات كلما أمكن. بحسب موقع تقرير واشنطن.

غير أن واقع استخدام الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية يؤشر إلى صعوبة تغيير نهج هذا الاستخدام بالشكل الجذري المطلوب، وذلك اعتمادًا على نمط الحياة اليومي الاستهلاكي الذي تحتل فيه الطاقة المقام الأول، فقد اتجه الأمريكيون إلى توسيع مساحات منازلهم، واستبدال الحوائط التقليدية بالزجاجية العازلة، وهو ما يتطلب قدرًا أكبر في الإنارة والتدفئة، إلى جانب اختيارهم لأنواع سيارات تستهلك كمية أكبر من الطاقة، هذا إلى جانب التوسع في استخدام مصادر الطاقة في الصناعات والمشروعات اللازمة لنهضة المجتمع، والحفاظ على ريادته عالميًّا، وهو ما يدعو إلى ترشيد استخدام الطاقة الشخصي لصالح المجتمع.

تقديرات الطاقة غير المباشرة

لا توجد طريقة مثلى لقياس استخدامات الطاقة غير المباشرة، حيث يستخدم البعض الغاز المنزلي كمصدر مثالي للطاقة، غير أنه بعيد كليةً عن هذه المثالية، إذ توجد مصادر أخرى للطاقة أكثر كفاءة، وهنا يُطرح تساؤلٌ مهمٌّ مفاده: هل يمكن تحسين مستويات استخدام الطاقة لمزيد من الترشيد دون تحميل الأمريكيين أعباءً مضاعفةً إضافة إلى مطالبتهم بالتخلي عن أنماط الاستهلاك المرفهة ؟.

وتشير بيانات وزارة التجارة الأمريكية، ـ مكتب التحليل الاقتصادي ـ إلى أنه عند حساب الطاقة التي يستخدمها الأمريكيون، لا يوضع في الحسبان الطاقة المستخدمة في استخدام السلع، ونقلها، على الرغم من أن مثل هذه الأنماط من استخدام الطاقة قد اِتضح أنه يبلغ تقريبًا 46% من المجموع الطاقة المستهلكة بشكل غير مباشر، من خلال إنتاج الأطعمة، والأدوية، وغيرها من السلع الضرورية. ويستهلك الجزء الأكبر من الاستخدام غير المباشر للطاقة من خلال خدمات العناية الصحية، والمواد الصيدلانية، ويأتي تحضير وإنتاج الأغذية في المرتبة الثانية، أما في المقام الأخير، فتأتي الأنشطة التعليمية والدينية.

وللتأكيد على ذلك ولمعرفة الطرائق غير المباشرة لاستخدام الطاقة في الولايات المتحدة استعانت الدراسة بجدول المدخلات والمخرجات الذي أعده مكتب التحليل الاقتصادي لعام 2006، وهو جدول ينقسم إلى شقين هما: جدول الصنع Make، وجدول الاستخدامUse ، ويهدف إلى حساب كل أشكال الطاقة التي استخدمت كسلع استهلاك وسيطة بالصناعات المختلفة، وتلك المستعملة كسلع نهائية من قبل المستهلكين.

استهلاك الطاقة غير المباشر

في إطار ما أوضحه الجدول من فارق بين الطاقة غير المباشرة المستخدمة في إنتاج الخدمات المختلفة في جدول الصنع، وبين استهلاكها بشكل مباشر في جدول الاستخدام، أشارت الدراسة إلى أن نسبة الطاقة غير المباشرة من إجمالي الطاقة المستهلكة في الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر كبيرة، تمثل ما يقرب من 46% من إجمالي هذه الطاقة، بينما تمثل الطاقة المباشرة ما نسبته 54%، وفي هذا الإطار يمكن مراجعة جدول (2) الذي يوضح أهم الأنشطة الاستهلاكية التي تستهلك الطاقة في صورتها غير المباشرة.

جدول: استخدام الطاقة غير المباشر حسب القطاعات بالنسبة المئوية.

استخدام الطاقة غير المباشر حسب القطاعات

27.5

رعاية صحية

23.7

الغذاء

12.0

النقل

9.9

الإسكان

5.8

الترفيه

3.7

الملابس والأحذية

3.4                    

الأعمال المالية

2.9

عمليات التجميل

2.8

الأنشطة الدينية

1.5

الأنشطة التعليمية

المصدر: الجدول من إعداد المؤلفين.

وكما هو موضح بالجدول تعد أنشطة الرعاية الصحية من أكبر القطاعات استهلاكًا للطاقة غير المباشرة، يليه قطاع الأغذية، ويستهلك هذان القطاعان معًا ما يزيد على نصف الاستهلاك الإجمالي من الطاقة غير المباشرة، وهو ما يؤكد على صحة ما ورد في عديدٍ من الأدبيات الاقتصادية، التي أشارت إلى أن الاستهلاك المباشر من الطاقة لا يعبر بشكل دقيق عن أنماط الاستهلاك الحقيقي من الطاقة، في حين شغلت قطاعات التجميل، والتعليم، المراكز الأخيرة في استهلاك الطاقة غير المباشر.

وقد ألقت الدراسة مزيدًا من الضوء على أهم أنماط استهلاك الطاقة غير المباشر لكل قطاع من القطاعات السابقة في الولايات المتحدة الأمريكية، على النحو التالي:

الرعاية الصحية: تنقسم خدمات الرعاية الصحية إلى عديدٍ من الأقسام، يأتي في مقدمتها، تحضير وتصنيع العقاقير والأدوية، حيث تستهلك ما يقرب من 47% من إجمالي الطاقة غير المباشرة التي تستهلكها خدمات الرعاية الصحية البالغة 27.5% كما أوضح الجدول (2)، في حين تأتي الخدمات التي يقدمها الأطباء، والخدمات التخصصية الأخرى في المرتبتين الثانية والثالثة بنسبتي 18.

52%، 12.36%، على التوالي، وتأتي بعد ذلك من حيث ترتيب الاستهلاك، المستشفيات العامة، وخدمات التمريض.

جزء كبير من هذه الطاقة المستهلكة في خدمات الرعاية الصحية بشكل عام يستخدم بشكل جيد، غير أن هذا لا ينفي أنه يتم إهدار جزء من الطاقة بشكل غير كفء، من خلال الاستخدام المفرط لماكينات توليد الطاقة اللازمة لتشغيل الأجهزة الطبية، أو إنتاج كميات أكبر من الأدوية المخدرة التي يمكن أن تستخدم في غير أغراضها الطبية، فيما تشير بعض الإحصاءات إلى أن قيمة الأدوية المخدرة غير مستخدمة في أغراض طبية قد ترتفع إلى 378 مليون دولار.

الغذاء: يتضمن استهلاك قطاع المواد الغذائية للطاقة وبشكل أولي محال بيع المواد الغذائية، وتحضير الوجبات في المطاعم، وبمقارنة أكثر المواد الغذائية استهلاكًا للطاقة عند الطهي يلاحظ أن الحبوب هي الأكثر استهلاكًا للطاقة، حيث تستهلك ما بنسبة 19.4%، يليها منتجات اللحوم بنسبة 15.3%، ثم الثمار والخضروات المحفوظة بنسبة 14%، وفي هذا الإطار ترى الدراسة ضرورة العمل على نشر ثقافة الغذاء الصحي، والاتجاه إلى الاعتماد على الخضر كمصدر أساسي للغذاء، وزيادة الاستهلاك النباتي، وكذلك الاتجاه إلى زراعة الخضروات في المنازل.

النقل: يستهلك النقل الجوي ما يقرب من 34% من إجمالي الطاقة غير المباشرة التي تستهلكها وسائل النقل، ثم خدمات تصليح، وتنظيف، حماية السيارات بنسبة تقرب من 19%.

الإسكان: يشكل الإسكان وخدماته ما يقرب من 10% من إجمالي استهلاك الطاقة غير المباشرة، وذلك بما يحويه المسكن من أثاث، وأجهزة كهربائية، وأدوات، فيما تحتل عمليات التنظيف، والصيانة المرتبة الثانية من الأنشطة المنزلية المستهلكة للطاقة غير المباشرة.

إمكانية ترشيد استخدام الطاقة غير المباشرة

وعقب رصد الدراسة أهم الأنشطة الحياتية المستهلكة للطاقة غير المباشرة، وفي محاولة للإجابة على تساؤل حول مقدرة المجتمع الأمريكي على ترشيد استخدامه للطاقة، والرضا بتغيير أنماط الاستهلاك الحالي، أشار الكاتبان إلى أنه لعديدٍ من الأسباب يحتاج الأمريكيون إلى تخفيض استهلاك الطاقة، وأول هذه الأسباب الاهتمام بالبيئة، واحتواء ما لحق بها من آثار سلبية ناتجة عن استخدام الطاقة المفرط، بالإضافة إلى الرغبة في تخفيض الاعتماد الخارجي على مصادر الطاقة، وكذلك الإسهام في تخفيف آثار الأزمة الاقتصادية، وربما الإسهام في حلها، غير أن الفاصل في هذا الأمر ـ ترشيد استهلاك الطاقة ـ يكمن في صعوبة تغيير وسائط وأدوات العيش المستهلكة للطاقة مثل العربات الفارهة والمنازل الكبيرة، وغيرها من وسائل الرفاهية التي بات من الصعب التخلي عنها حاليًّا. لكنَّ ثمةَ مخرجًا آخرَ من هذه العقبة، يتمثل في تقليل المشتريات الطبية الاختيارية، و النفايات الصيدلانية، وكذلك تقليل اللجوء للنقل الجوي قدر الإمكان، بالإضافة إلى الاتجاه إلى استبدال الأغذية التي تستهلك قدرًا أكبر من الطاقة مثل الحبوب واللحوم، بتلك الموفرة بشكل أكبر للطاقة مثل الدواجن والخضروات الطازجة، والفاكهة، فبهذه الآليات فقط يستطيع المواطن الأمريكي، ترشيد استخدامه للطاقة غير المباشرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 19/نيسان/2009 - 22/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م