شلتوت يفنِّد دعوى القرضاوي

باحث مصري: نعم.. أفتى شلتوت بجواز التعبُّد على المذهب الجعفري

 

شبكة النبأ: أكد باحث مصري اصدار إمام الأزهر الراحل الشيخ محمود شلتوت فتوى تجيز التعبد على المذهب الشيعي ردا على تشكيك الشيخ يوسف القرضاوي في وجود فتوى من هذا النوع.

وكان القرضاوي شكك قبل ايام في اصدار الراحل شلتوت فتوى تجيز التعبد على المذهب الشيعي وفقا لموقع اسلام اونلاين.

وتحدى القرضاوي الصحفي الذي سأله بشأن الفتوى بالقول "هات لي الفتوى دي في أي كتاب من كتبه.. أنا لم أر هذه الفتوى.. أي واحد منكم فليقول إني (أي السائل) شفتها في كتاب كذا أو مجلة كذا".

وفي استجابة لتحدى القرضاوي على ما يبدو قال الباحث الشرعي المصري (عصام تليمة) "لقد صدرت عن شلتوت فعلا فتوى بهذا الأمر" في اشارة لفتوى جواز التعبد على المذهب الشيعي.

جاء ذلك في مقالة للباحث تليمة، نشرها موقع اسلام اونلاين بعنوان "نعم.. أفتى شلتوت بجواز التعبد على المذهب الجعفري". ونصت فتوى الشيخ شلتوت "إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة". بحسب تقرير لشبكة راصد الإخبارية.

وأكد تليمة المقيم في دولة قطر نشرْ ثلاث مجلات معروفة نص الفتوى نهاية خمسينات القرن الماضي وهي مجلة رسالة الإسلام، مجلة الأزهر ومجلة المجتمع العربي.

وأرفق الباحث ضمن مقالته التي نشرها صورا ضوئية لنصوص الفتوى كما وردت في تلك المجلات. وشدد تليمة على قناعة الشيخ شلتوت بفتواه تلك وأنها "لم تكن مجرد فتوى خرجت وانتهى الأمر". مستدلاً بحوار مطول أجرته مجلة المجتمع العربي المصرية في أغسطس 1959 جاء فيه "فقه الشيعة مأخوذ ببعض أحكامه في كثير من القانون عندنا وكثير من علمائنا عمل ببعض أحكام العبادات عندهم.. فلا بأس من تطبيقه والأخذ به".

كما أورد الباحث في السياق نفسه ردود الأفعال على فتوى شلتوت سارداً أسماء المؤيدين للفتوى ومنهم الشيخ محمد الغزالي والدكتور محمد البهي والأستاذ محمود الشرقاوي والشيخ محمد تقي القمي وعميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر الشيخ محمد محمد المدني. وتابع في رده على القرضاوي بذكر عدد ممن عارض الفتوى في ذلك الحين من رجال الدين السنة.

وحول التشكيك في أصل الفتوى استنادا إلى أن القرضاوي جمع الكتب الأربعة الأساسية للشيخ شلتوت ولم يجد فيها اشارة لتلك الفتوى قال الباحث تليمة "ان كتب شلتوت طبعت قبل صدور هذه الفتوى".

 موضحا بأن تراث شلتوت لم يجمع كاملا رغم محاولة الأزهر متمثلة في تكليف القرضاوي والعسال بجمع ما أنتجه شلتوت من مقالات وبحوث في كتب.

وتابع يقول "هناك بحوث ومقالات وتصريحات مهمة جدا لشلتوت لم تجمع. جمع القرضاوي والعسال لم يكن متقصيا لكل تراث الرجل، فقد جمعوه من مظانه، ومع ذلك فاتهم بعض الشيء مما نشر".

وجاءت مقالة الباحث تليمة، رداً على تصريح للشيخ القرضاوي بعدم وجود فتوى لشلتوت تجيز التعبد على المذهب الجعفري خلال لقاء عقده على هامش دورة "علماء المستقبل" التي نظمها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الأسبوع الماضي في القاهرة.

واضاف تليمة، لي وقفات وملاحظات مع تصريح شيخنا القرضاوي حول نفيه وجود فتوى لشلتوت بجواز التعبد على المذهب الجعفري، بغض النظر عن موقفنا من فتوى شلتوت، فليس مقالي هنا نقاشا لرأي شلتوت صحة أو خطأ، بل مقالي لإثبات أو نفي صدور فتوى عن شلتوت بهذا القول.

 أولا: لقد صدرت عن شلتوت فعلا فتوى بهذا الأمر، فالفتوى موجودة بنصها في مجلة (رسالة الإسلام) التي كانت تصدر عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة، وقد جعلت عنوانها: (فتوى تاريخية)، ومهدت للفتوى بهذه الكلمة: (تفسح (كلمة التحرير) صدر هذا العدد للحديث التاريخي الخطير الشأن الذي أدلى به السيد صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر، مد الله في عمره، وأدام نفع الأمة الإسلامية بعلمه وفضله وصالح سعيه).

وبعد بيان من الشيخ شلتوت حول منهج كلية الشريعة في جامعة الأزهر الجديد، جاءت فتواه بهذه الصيغة:

(قيل لفضيلته: إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح: أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة، وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية، ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه؛ فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مثلا؟

فأجاب فضيلته:

1 ـ إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتبّاع مذهب معين، بل نقول: إن لكل مسلم الحق في أن يقلِّد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحاً، والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة، ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره ـ أي مذهب كان ـ ولا حرج عليه في شيء من ذلك.

2 ـ إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبُّد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة.

فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم، والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات)[1 ] . انتهى نص كلام شلتوت.

وفي الحقيقة إن نص هذه الفتوى كان تصريحا من الشيخ شلتوت في البداية، وذلك بعد أن صرح شلتوت في بداية عام 1959م لجريدة (الحياة) بعزمه على التقريب بين المذاهب، والمباشرة بتدريس الفقه الشيعي في كلية الشريعة ضمن برامجها الجديده. مما جعل مندوب جريدة (الشعب) السيد محمود سليمة يسأل هذا السؤال وجيب شلتوت، وهو منا نقلته مجلة (رسالة الإسلام) بعنوان: فتوى تاريخية، وقامت مجلة (الأزهر) بنشره بعنوان: (بين السنة والشيعة) وقد نشرت الحوار كاملا.

ثانيا: من الواضح أن شلتوت كان مقتنعا بفتواه، ولم تكن مجرد فتوى خرجت وانتهى الأمر، فبعدها بفترة وجيزة نشرت مجلة (المجتمع العربي)[2 ]  حوارا مطولا مع شلتوت، وقد أعادت مجلة (الأزهر) نشر الحوار بالكامل أيضا، وجاء فيه هذا السؤال: هل يعني تدريس مذهب الشيعة في الأزهر أنه جائز التطبيق، أم أنه يدرس لمجرد العلم والتحصيل وزيادة معارف رجل الدين؟

فأجاب شلتوت: لسنا حريصين على أن تكون دراستنا في الأزهر لمجرد العلم والتحصيل، إنما نحن ندرس للاستيعاب والفهم، ثم التطبيق والعمل بكل ما يمكن العمل به، وفِقه الشيعة مأخوذ ببعض أحكامه في كثير من القانون عندنا، وكثير من علمائنا عمل ببعض أحكام العبادات عندهم، ونحن إنما نرجع إلى الكتاب والسنة، فمتى لم يخالف الرأي أصلا من الأصول الإسلامية الصحيحة، ولم يتعارض مع نص شرعي، فلا بأس من تطبيقه، والأخذ به، وذك هو التقريب المنشود، والتيسير المرجو.[3 ]

ولم تقف ردود الأفعال حول فتوى شلتوت عند هذ الحد، بل تفاعل معها تأييدا ونقدا، عدد من العلماء والمشايخ، فممن أيدوا: الدكتور محمد البهي الذي كتب ـ مؤيدا لتوجه الفتوى وشلتوت ـ مقالا بعنوان: (مع المذاهب الإسلامية)[4]  ، وفي نفس العدد كتب الأستاذ محمود الشرقاوي مقالا بعنوان: (الأزهر ومذاهب الفقه الإسلامي)[5 ].

أما مجلة رسالة الإسلام، فقد كتب في العدد التالي للفتوى العدد الشيخ محمد تقي القمي السكرتير العام لجماعة التقريب مقالا بعنوان: (قصة التقريب)، يشيد بالفتوى، وبجهود شلتوت في التقريب[6] ، وتلاه في نفس العدد الشيخ محمد محمد المدني رئيس تحرير مجلة (رسالة الإسلام) وعميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر، بمقال بعنوان: (رجة البعث في كلية الشريعة) يؤيد فيه فتوى شلتوت، ويسهب في الرد على المخالفين للفتوى[7] ، وفي نفس العدد نشر الشيخ محمد الغزالي مقالا بعنوان: (على أوائل الطريق) [8 ] وقد ناقش المخالفين لفتوى شلتوت، ودافع عن الفتوى، بطريقة الحوار الساخر المعهودة من الشيخ الغزالي رحمه الله.

على أن هذه الفتوى لم تنل إجماعا من الأزهريين كما ذكرت، بل لم تنل أغلبية كذلك، إنما نالت موافقة أعضاء جماعة التقريب، باستثناء من كان في الجماعة وخرج، كالشيخ عبد اللطيف السبكي رئيس لجنة الفتوى وشيخ الحنابلة بالأزهر، الذي كتب مقالا شديد اللهجة في التقريب بين السنة والشيعة، وبأنه وهم لا حقيقة له، وأنه من طرف واحد السنة فقط[9]، وذلك قبل صدور فتوى شلتوت بسنوات، وكتب معه مهاجما الفكرة، الشيخ محمد عرفة، والأستاذ محب الدين الخطيب.[10 ]

ثالثا: على أني أتفهم نفي القرضاوي والعسال للفتوى، وأنها ليست في تراث شلتوت، وهما أخبر الناس بتراثه، فقد قاما بجمعه، وتبويبه، وإخراجه، فهما مصيبان في أن الفتوى ليست في تراث شلتوت المجموع في كتبه الأربعة: الإسلام عقيدة وشريعة ـ الفتاوى ـ التفسير ـ من توجيهات الإسلام.

وعلّة أنهما لم يجدا الفتوى في الكتب السابقة لشلتوت، وهي تمثل كتبه الرئيسة: أن كتب شلتوت طبعت قبل صدور هذه الفتوى، فبالتتبع لكتب شلتوت وتاريخ الطبع، نجدها كلها نشرت أو جمعت وأعدت للطبع قبل صدور فتواه موضوع المقال، فكتاب (الإسلام عقيدة وشريعة) صدر في شهر نوفمبر سنة 1959م، ويتضح ذلك من حوار دار بين شلتوت وطه حسين بحضور مستشرق، وقد أهداه شلتوت نسخة، وقال له: من حسن الحظ أنكم تزوروني اليوم وقد انتهت المطبعة من طبع كتابي (الإسلام عقيدة وشريعة)[11]  ، أما كتاب (الفتاوى) فقد طبع إما معه في نفس الشهر، أو في شهر ديسمبر، فقد كتب الدكتور محمد البهي تعريفا بالكتاب في مجلة الأزهر، في عدد شهر يناير سنة 1960م[12 ] . ومعنى هذا أن الكتاب صدر في شهر ديسمبر 1959م. أما كتاب (من توجيهات الإسلام) فقد صدر أيضا في نهاية عام 1959م.

أما تفسير شلتوت فلم يصدره الأزهر كما أصدر كتب شلتوت الثلاث، وذلك بسبب نفاد الرصيد المالي في الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر لعام 1959م، فطبعته دار القلم والتي صارت دار الشروق فيما بعد، وصدرت الطبعة الأولى منه مطلع سنة 1960م، ومعنى هذا أن كل كتب شلتوت التي قام القرضاوي والعسال بجمعها، جمعت قبل صدور الفتوى أيضا.

رابعا: كما أن تراث شلتوت لم يجمع جمعا كاملا، رغم محاولة الأزهر متمثلة في تكليف القرضاوي والعسال بجمع ما أنتجه شلتوت من مقالات وبحوث في كتب، وهو أيضا ما يبرر ما صرح به الشيخ القرضاوي، فالقرضاوي والعسال كلاهما سافر إلى قطر، في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وقد صدرت كل كتب شلتوت بين عامي: 1959م، و1960م، وسافر القرضاوي إلى قطر عام 1961م، وسافر العسال قبله بعام (1960م)[13 ]  ، بينما توفي شلتوت في ديسمبر 1963م، وفي هذه الفترة كانت هناك بحوث ومقالات وتصريحات مهمة جدا لشلتوت ولم تجمع بعد، وقد قابلت كثيرا من المقالات والمقابلات والفتاوى المهمة لشلتوت لم أرها فيما جمع من كتب، كما أن جمع القرضاوي والعسال لم يكن متقصيا لكل تراث الرجل، فقد جمعوه من مظانه، ومع ذلك فاتهم بعض الشيء مما نشر، ومن بين هؤلاء مقالات لشلتوت في مجلات وجرائد الإخوان المسلمين، وفي المجلات المستأجرة للإخوان كالمباحث القضائية التي كتب فيها شلتوت عدة مقالات.

.....................................................................................

[1]انظر: مجلة (رسالة الإسلام) الفصلية، العدد الثالث من السنة الحادية عشرة الصادر في محرم 1379هـ ـ يوليو 1959م. ص: 228،227.

[2]انظر: مجلة المجتمع العربي العدد الثاني والثلاثون الصادر في شهر أغسطس 1959م.

[3]انظر: مجلة الأزهر العدد الثالث المجلد الحادي والثلاثون الصادر في ربيع الأول 1379هـ ـ سبتمبر 1959م. ص: 362.

[4]انظر: مجلة الأزهر العدد الثاني من المجلد الحادي والثلاثين، الصادر في غرة صفر سنة 1972هـ ـ أغسطس سنة 1959م ص:137-141.

[5]انظر: المصدر السابق ص: 142-146.

[6]انظر: مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م ص: 348-359.

[7]انظر: مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م ص: 373-388. ومجلة (الأزهر) العدد السادس من المجلد الحادي والثلاثين الصادر في جمادى الآخرة 1379هـ ـ ديسمبر 1959م. ص: 526-536.

[8]انظر: مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م ص: 412-416

[9]انظر: مقال (طوائف بهائية وكباشية ثم جماعة التقريب) للشيخ عبد اللطيف السبكي، المنشور في مجلة (الأزهر) في العدد الثالث من السنة الرابعة والعشرين، الصادر في ربيع الأول 1372هـ ـ 19 من نوفمبر 1952م.

[10]كتب محب الدين الخطيب عدة مقالات في مجلة الأزهر، يهاجم فكرة التقريب بين السنة والشيعة، بل وله كتاب (الخطوط العريضة) فيه نقاش لأفكار الشيعة ومعتقداتهم.

[11]انظر: مجلة الأزهر العددان الرابع والخامس من المجلد الحادي والثلاثين الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ نوفمبر 1959م ص: 496.

[12]انظر: مجلة الأزهر العدد السابع من المجلد الحادي والثلاثين الصادر في رجب 1379هـ ـ يناير 1960م ص: 756-759.

[13]انظر: مذكرات القرضاوي (ابن القرية و الكتاب) (2/317).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 19/نيسان/2009 - 22/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م