تحديات العراق القادمة.. الاتفاق او الانزلاق من جديد

التركيز على بناء القوات الامنية وترك التسوية السياسية يثير التوجس

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: أثارت سلسلة تفجيرات واشتباكات بين ما يسمى بمجالس الصحوة وقوات الحكومة العراقية حالة من التوجس قبل الانتخابات العامة وانسحاب القوات الامريكية.

لكن مستوى العنف في العراق لا يزال منخفضا بشدة عن سنوات سابقة عندما كان ينحى في معظم الهجمات باللائمة على القاعدة او مليشيات شيعية لكن الغموض بشأن مصدر العنف في الاونة الاخيرة ادى الى وجود خليط مثير من نظريات المؤامرة والاتهامات.

ويرى كثيرون أن تركيزا أكثر مما ينبغي انصبَّ على اعداد قوات الامن العراقية بينما لم يحظ التوصل لتسوية سياسية بين الجماعات العرقية والطائفية بأي قدر يذكر من التركيز.

وقال سعد ابو حيدر الذي كان جالسا في متنزه ببغداد "الاحزاب السياسية هي السبب والحل لكن المواطنين العاديين الذين يحاولون كسب رزقهم هم الذين يدفعون الثمن."

ووقعت موجة تفجيرات في بغداد الاسبوع الماضي كان من بينها سبعة تفجيرات منسقة فيما يبدو قتل فيها 37 شخصا.

وفي مدينة الموصل بشمال العراق كان تفجير شاحنة ملغومة يوم الجمعة هو اكثر الهجمات دموية ضد القوات الامريكية فيما يزيد على العام. وقتل مفجر انتحاري يوم السبت 12 من أفراد قوات الصحوة السنية التي تدعمها الولايات المتحدة جنوبي بغداد وهم يصطفون للحصول على شيكات خاصة براوتبهم.

ووقعت التفجيرات في اعقاب اشتباكات بين احدى ميليشيات مجالس الصحوة التي شكلت لقتال القاعدة وبين القوات العراقية التي كانت تسعى لاعتقال احد قادة الميليشيا في بغداد. بحسب رويترز.

ويقول محللون ان هناك تركيزا خاطئا على استعداد قوات الامن العراقية لتولي المسؤولية من الجيش الامريكي الذي تغادر قواته المقاتلة العراق بحلول 31 اغسطس اب العام القادم في وقت يعتمد المستقبل السلمي للعراق بنفس القدر على جهود التوصل لاطار سياسي قابل للتطبيق والاستمرار.

وقال انتوني كوردسمان من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن "مستوى التقدم العسكري في العراق ادى احيانا الى اوهام خطيرة بشأن استقراره ومستوى العنف الذي سيتحمله الى ان يتمكن من الوصول الى مستوى اعلى كثيرا من التكيف السياسي."

وتلقي الحكومة باللائمة في العنف على حزب البعث الذي كان يتزعمه الرئيس السابق صدام حسين والذي احيا الاسبوع الماضي الذكرى الثانية والستين لتأسيسه في سوريا. واصدر عزة ابراهيم الدوري ابرز قادته الذين لا يزالون هاربين بيانا نادرا يحث فيه على مهاجمة القوات العراقية والامريكية. كما حلت الاسبوع الماضي ذكرى سقوط بغداد في ايدي القوات الامريكية الغازية قبل ست سنوات.

وقال عامل يدعى احمد السعدون "الامر يخص حزب البعث. انهم يحاولون اظهار انهم لا يزالون قوة في العراق."

وقالت الحكومة ان البعثيين واغلبهم سنة يلقون دعما من تنظيم القاعدة السني الذي يقول محللون ان من المحتمل أنه يستغل ايضا التوتر بين الحكومة والاكراد.

وحمل تفجير شاحنتين ملغومتين في الاونة الاخيرة في الموصل في الشمال حيث يتنازع الاكراد والعرب على بعض الاراضي بصمات القاعدة.

وفي بغداد يقول محللون ان بعض أفراد مجالس الصحوة التي شكلت عام 2006 بدعم امريكي لقتال القاعدة ربما يعيدون النظر في موقفهم بعد أن اعتقلت القوات العراقية بعض اعضائها وكثير منهم متمردون سابقون.

وقال ستيفن بيدل من مجلس العلاقات الخارجية وهو مركز ابحاث في واشنطن "ما نراه ربما يكون ردا سنيا أوليا على ما يعتبره بعض السنة تعزيزا للسلطة من جانب المالكي ينطوي على تهديد ودون ضمانات كافية لهم."كما يساور البعض القلق بشأن التنافس الداخلي بين الشيعة.

الاتفاق أو الانزلاق نحو حرب أهلية في العراق

وفي حوار مع الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط فولكر بيرتيس مع الاذاعة الالمانية، قال فيه عند سؤاله عن امكانية العراق في تسلّم ملفاته السياسية والامنية خلال مدة انسحاب القوات الامريكية منه: أصبح الوضع الأمني في العراق أفضل، غير أن الإجابة عن السؤال فيما إذا كان الجدول الزمني للانسحاب واقعياً، لا يمكن اختصارها بنعم أو لا. فهناك ديناميكيات سياسية من شأنها أن تتأثر بالانسحاب المخطط له. وباراك أوباما قال بكل وضوح إن على العراقيين أن يتحملوا مسؤولية أكبر تجاه سياستهم ومصيرهم. وفي اللحظة التي يصبح فيها الأميركيون غير قادرين على عمل كل شيء ، سيكون العراقيون مضطرين إلى الاتفاق فيما بينهم، أو العودة إلى الانزلاق إلى أتون الحرب الأهلية إذا ساءت الأمور.

وقال بيرتيس: على العراقيين أن يهتموا بالجوانب الأمنية عموماً، لكن يجب عليهم بالدرجة الأولى أن يستمروا في العمل معاً على المستوى السياسي والشروط لذلك متوفرة. ومنذ دخول القوات الأمريكية إلى العراق وبناء نظام سياسي جديد فيه، كان الساسة العراقيون يميلون إلى القول: إذا لم نتمكن من الاتفاق فيما بيننا، فإن الأمريكيين سوف يدفعوننا إلى ذلك. لكن هذا الأمر انتهى الآن. وهذا هو المحور الأهم في رسالة أوباما: نريد أن تخرج من هذا البلد بأسرع وقت ممكن، وعلى العراقيين أنفسهم أن يتحملوا المسؤولية. وهذا لا يعني فقط في مجال الشرطة والجيش من أجل قمع المعارضة، ولكن تحمل المسؤولية يعني إيجاد حلول سياسية للمشكلات السياسية العالقة؛ على سبيل المثال حلول للجدل الدائر حول الدستور والنقاش على توزيع عائدات النفط ومسألة الفيدرالية.

واضاف بيرتيس عن مسالة بناء أجهزة الشرطة، وهل يجب ان تحفظ هذه الاجهزة الامن ام تستعمل لضرب المعارضة: هذه أيضا من المشكلات السياسية التي ينبغي على العراقيين أنفسهم أن يحلوها. حتى الآن كان من السهل القول إن الأمريكيين والبريطانيين وغيرهم جلبوا معهم هذه القوات ونحن لا نستطيع بكل سهولة إخراجها من البلد. لكن إذا كان العراقيون يريدون فعلا استعادة سيادتهم الحقيقية، فإن عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا سيتركون هذه المجموعات المرتزقة تعمل في البلاد خارج الوضع القانوني، أو أنهم، وربما تقول الحكومة العراقية، من يعمل في مجال الأمن هنا وليس لديه ارتباط بجيش ما، يتوجب عليه أن يتقدم بطلب ترخيص لحمل السلاح ويخضع حينها للقوانين العراقية. بحسب دويتشه فيله.

وتابع بيرتيس رؤيته عن ضرورة اشتراك الطوائف العراقية في الحكم قائلاً: إن هذه الطوائف والعرقيات مشاركة في الواقع في الحكومة العراقية، فهناك شيعة وسنة وأكراد وحتى بعض المسيحيين في الحكومة. ولكن الشيء الأهم هنا هو النظر إلى ما هو أبعد من المجموعات العرقية، فهناك اختلافات سياسية طائفية. وهذا ما سيمثل المشكلة لأكبر بالنسبة للعراقيين؛ أي صنع سياسة ناجحة مع وجود هذه الاختلافات. في نهاية العام ستجرى انتخابات برلمانية في العراق. وربما يكون هناك بعض الجنود الأميركيين الذين سيتم الاحتفاظ بهم كاحتياط للسيطرة على أي اضطرابات وأعمال عنف قد تحدث.

قتلى التصفيات الطائفية أعلى من ضحايا التفجيرات

ومن ناحية الوصف النوعي لاعمال العنف التي شهدها العراق خلال السنوات الماضية خلصت دراسة إلى أن السبب الرئيسي في موت المدنيين العراقيين هو أعمال القتل باتباع أسلوب الإعدامات وليس بسبب التفجيرات الانتحارية التي تستأثر باهتمام وسائل الإعلام.

وتطرقت الدراسة التي نشرتها مجلة "نيو إنجلاند جورنال أوف ميدسين" الطبية إلى الطابع الطائفي للنزاع في العراق إذ إن فرق الموت المنتمية إلى طائفة معينة تطوف الشوارع بحثا عن أعضاء من الطائفة الأخرى. وتشير الدراسة إلى أن تقديرات عدد المدنيين الذين قتلوا على يد طائفة منافسة متفاوتة على نطاق واسع.

وتعتمد الدراسة على البيانات التي وفرتها منظمة إحصاء القتلى، وهي مجموعة خاصة تستخدم من بين ما تستخدم التقارير الإعلامية بما في ذلك تقارير وكالة أسوشييتد برس.

ورغم أن مؤلفي الدراسة يسلمون بأن البيانات المتاحة غير شاملة، فإنها تقدم مؤشرا يمكن الاعتماد عليه لقياس كيفية موت العراقيين خلال السنوات الست الماضية من عمر النزاع.

وتقدم الدراسة أدلة إضافية على عمليات التطهير الطائفي الوحشية وما تستتبعه من أعمال عنف انتقامي وقد دفعت العراق إلى حافة الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة قبل أن تخف وطأتها قبل سنة ونصف.

ويرى أحد مؤلفي الدراسة، مايكل سباجات، أن العديد من عمليات القتل يسبقها التعذيب في محاولة لإجلاء السكان من منازلهم في الأحياء المحسوبة على طائفة معينة على أمل بث الرعب في القلوب.

وتشمل الدراسة الفترة الممتدة من 20 مارس/آذار 2003 إلى 19 مارس 2008 والتي قتل خلالها 91 ألف و 358 شخصا حسب منظمة إحصاء القتلى في العراق.

ورغم أن عدد القتلى المدنيين مسألة تثير خلافات كثيرة بين المعنيين بالأمر، فإن التقارير التي تقدمها المنظمة التي تتخذ من لندن مقرا لها تقدم إحصاءات في حدها الأدنى لكنها تحظى بالمصداقية. وتستخدم المنظمة، بالإضافة إلى التقارير الإعلامية، الأرقام التي تقدمها المشارح والمستشفيات منذ بدء الحرب.

لكن المؤلفين ركزوا على حالات موت 60 ألف و 481 شخصا ارتبط موتهم بحوادث معينة ليس منها مقتل عراقيين خلال أعمال العنف التي رافقت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق ومحاصرة مدينة الفلوجة خلال اعتصام مقاتلين بها.

وخلصت الدراسة إلى أن 19 ألف و 706 ضحايا أي 33 في المئة من الضحايا تعرضوا للاختطاف والقتل باتباع أسلوب الإعدامات. وحملت أجسام نحو ثلت هؤلاء آثار التعذيب مثل الكدمات والحفر في مناطق معينة من الجسد والحروق.

وفي المقابل، ترى الدراسة أن 16 ألف و 922 شخصا أي 27 في المئة من القتلى المدنيين قتلوا جراء عمليات تفجيرية، ومعظمهم لقوا حتفهم في هجمات انتحارية.

ورغم أن الدراسة لم تحمل جهة معينة مسؤولية القتل، فإن الاعتقاد السائد أن فرق الموت التابعة للميليشيات الشيعية تقف وراء العديد من عمليات القتل التي قتل أصحابها رميا بالرصاص، والتي كانت شوارع بغداد والمدن الأخرى تغص بالعشرات منهم. وغالبا ما كانت تُجرد من بطاقات الهوية.

ولجأت فرق الموت إلى تصفية خصومها انتقاما لقتل مدنيين شيعة على يد تنظيم القاعدة ومتشددين سنة آخرين في عمليات تفجيرية وانتاحرية وهجمات أخرى.

ويقول مؤلفو الدراسة إن من الوارد أن يكون عدد الذين قتلوا على طريقة الإعدامات أعلى من الأرقام المتوافرة لأنها لا تشمل الأرقام التي توفرها مشارح العراق.

ولم تشمل الدراسة إحصائيات المشارح لأنها -أي الدراسة- لم تستطع تحديد الطرق المتبعة في قتل بعض الأشخاص.وكذلك لم يحاول المؤلفون التكهن بعدد القتلى في صفوف المفقودين.

وتذهب الدراسة إلى أن عدد القتلى الطائفيين في انخفاض بفضل زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق ووقف إطلاق النار الذي دعا إليه السيد مقتدى الصدر في شهر أغسطس/آب 2007.

ويحذر المؤلفون من أن الأرقام الواردة قد لا تعكس العدد الفعلي لعدد القتلى لأن الإعلام قد يميل إلى إحصاء عدد القتلى في صفوف النساء والشباب أكثر من إحصاء الكبار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 19/نيسان/2009 - 22/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م