البصرة هل هي عاصمة للثقافة حقا ؟!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: إنطلقت قبل ايام فعاليات ثقافية فنية في مدينة البصرة كونها عاصمة للثقافة العراقية هذا العام، ومع فقر الفقرات التي عُرضت في قاعة وقائع الافتتاح وما تبعها، إلاّ أن ثمة من راح ينتقد جوانب الاخفاق في التنظيم وافتقار المدينة المحتَفَل بها كعاصمة ثقافية الى قاعات العرض اللائقة والمسارح المناسبة او دور العرض السينمائية وما شابه ذلك من عناصر داعمة لمثل هذه التسميات المهمة.

وعلى الرغم من الرؤية المتفائلة لبعض المثقفين وثنائهم على الجهود المبذولة في احياء فعاليات هذا النشاط المتدوال، إلا أن البعض الآخر لمس وأكد على وجود الثغرات التي رافقت هذا العرس الثقافي الفقير كما وصفه أحد المعنيين .

غير أن هناك من رأى من المعنيين أيضا بأن الثقافة العراقية تمر الآن في طور تكويني جديد كما هو حال المجالات الأخرى التي يعيشها العراق شعبا وأرضا وأحداثا متنوعة في شتى المجالات، فهي مثلا تؤسس لمسارات ربما تكون جديدة مثلما حدث ذلك في المجال السياسي او الاقتصادي او الصحي وغيرها.

وعليه فإن هؤلاء المتفائلين يرون إن فعاليات البصرة كعاصمة للثقافة تجيء من باب التأسيس لتقاليد ثقافية جديدة ايضا، ويعتقد هؤلاء بأن ضمور هذه الانشطة وغياب الهيكلية المطلوبة لاستيعابها وتقديمها بما يليق بالعراق وحضارته وارثه الثقافي، هو امر متوقع او غير صادم كما يقولون.

فمثلما توجد الاخفاقات في أي جانب ذي طابع تفاعلي بسبب حدة وجسامة المتغيرات التي حدثت في الساحة العراقية الشاملة، فإن التلكؤ ذاته سيحدث في حقول الثقافة على تنوعها وكثرتها.

وتبقى خطوة التأسيس هي الفعل المهم في هذا الجانب، غير أن هذا لا يلغي بصورة تامة تلك السلبيات التي أسهمت بطريقة او أخرى في تعويق المسار الثقافي الصحيح، لأن الجهات المعنية لم تبذل ما يلزم في هذا الجانب من دعم مادي خلافا للجانب المعنوي الذي أعطته مستوى لابأس به من الاهمية كمعالجة المثقفين او متابعة احوالهم الشخصية وما شابه ذلك.

كما ان مراوحة وزارة الثقافة في مكانها لسنوات متتالية وتسليمها لأشخاص ليس لهم علاقة بالثقافة وفروعها، أدى الى حدوث المعوقات التي أخذت تشد ثقافتنا العراقية الى الوراء لسنوات، غير أن الثبات النوعي في رصد السلبيات ومعالجتها قلل من هذه المعوقات وحاول أن يؤسس لتقاليد جديدة تتوائم والواقع العراقي الجديد.

ومع ان المشكلة الرئيسة التي تعاني منها الثقافة لا تنحصر بفقدان الهيكلية او البنية التحتية كالمسارح والقاعات المتخصصة بالعروض وما شابه، لكن ضعف هذه البنية قاد الثقافة الى خانة الضمور او الضعف الملموس.

وعندما نتابع المهرجانات والفعاليات التي تقام في مدن المغرب على سبيل المثال لا الحصر سنكتشف مدى فاعلية وتأثير هذه البنية على خلق نمط من التقاليد المتنامية في هذا المجال، ومع أن الاقتصاد المغرب يعد من الاقتصاديات الضعيفة قياسا لاقتصادنا وثرواتنا الهائلة، إلاّ أننا نعاني من تخمة في الثروات وندرة في الهيكلية الثقافية، أما هم فيعانون من جوع وحاجة للمال لكنهم يتمتعون ببنية داعمة للثقافة وانشطتها المتنوعة.

لذلك نحن مع المتفائلين بتأسيس تقاليد ثقافية جديدة وداعمة في مثل هذه الانشطة، لكن التأكيد على رصد هيكلة البنية المذكورة وأهمية تطويرها ينبغي أن لا تغيب عن العقل الثقافي الاستراتيجي المخطِط، فثقافة بلا بنية وهيكلية واضحة ومدروسة، تشبه تماما مبدعا مهما يفتقر لمقر يزاول فيه أعماله وأنشطته الابداعية .

وأخيرا علينا ان نبتعد ما أمكننا ذلك، عن الأُطر الشكلية التي تتبجح بالثقافة والابداع وهي فارغة منهما او تعاني من حالة ضعف في افضل الاحوال.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/نيسان/2009 - 21/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م