
- المرجع الشيرازي.. إن بعض الأشخاص
يبلغون درجة الصائم القائم بالتزامهم بالفرائض والواجبات فقط ودون أن
يكدّوا أو يتعبوا، وهم الذين يتحلّون بالخُلق الحسن
- لاشك أن الخُلق الحسن لاينحصر في
بِشر الوجه وطلاقته بل من مصاديقه الصبر والتحمّل والحلم وكظم الغيظ
والوفاء والصدق والعفو وماشابه ذلك من الفضائل
- اسعوا أن ترسّخوا في قلوبكم
الاعتقاد بردّ اﻷمور كلّها إلى الله عزّ وجلّ وإلى أهل البيت اﻷطهار
صلوات الله عليهم، وأن تقطعوا الطمع عمّا في أيدي الناس
شبكة النبأ: قال المرجع الديني آية
الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي، صمّموا على أن يكون خُلقكم
حسناً مع الجميع، ومن يصمم ينل التوفيق، والعكس بالعكس أيضاً. وإذا غفل
أحدكم أحياناً وتعامل ـ لاسمح الله ـ بخلق سيئ مع شخص ما فليستغفر الله
سبحانه، وكلما تكرّر ذلك منه فليستغفر ويصمّم على عدم تكراره، ورغِّبوا
الآخرين وشجّعوهم على أن يتحلّوا بالخلق الحسن، وبالأخص الأقربين إليكم،
ومن تربطكم به رابطة صداقة أو محبّة قوية.
جاء ذلك خلال زيارة قام بها جمع من المؤمنين والشباب من مدينة
أصفهان الى المرجع الشيرازي دام ظله، في بيته المكرّم بمدينة قم
المقدسة يوم الخميس الموافق للثالث عشر من شهر ربيع الثاني 1430 للهجرة،
واستمعوا إلى توجيهاته القيّمة التي استهلها سماحته بالحديث النبوي
الشريف: «إن العبد لينال بحسن خُلُقه درجة الصائم القائم»، وقال:
إن الناس في أداء الفرائض والواجبات على درجات، فبعض يتماهل في
أدائها، وبعض يلتزم بها بدقّة، وبعض يلتزم بها وببعض المستحبّات، وبعض
يلتزم بالفرائض والواجبات وأيضاً بالمستحبّات كلّها، وبعض يلتزم بشدّة
بذلك حيث يقضي دوماً الليل بالعبادة والنهار بالصيام، عدا الأيام
المحرّم فيها الصوم كعيد الفطر والأضحى. وهكذا إنسان تصفه الروايات
الشريفة بالصائم القائم، وينال من الله تعالى أجراً كبيراً، لأنه يقضي
عمره كلّه بالعبادة. وهذا مقام لا يستطيع أن يبلغه كل إنسان لما فيه من
الكد والتعب وبذل الجهود ورياضة النفس والغلبة على أهوائها وشهواتها.
وقال سماحته: حسب الحديث الشريف الذي ذكرته آنفاً عن مولانا رسول
الله صلى الله عليه وآله فإن بعض الأشخاص يبلغون درجة الصائم القائم
بالتزامهم بالفرائض والواجبات فقط ودون أن يكدوا أو يتعبوا، وهم الذين
يتحلّون بالخلق الحسن. أي يتعاملون بأخلاق حسنة مع آبائهم وأمهاتهم
وزوجاتهم وأولادهم وأقاربهم وأرحامهم وحتى مع الذين يسيئون الخُلق معهم.
وأوضح سماحته: لاشك أن الخُلق الحسن لاينحصر في بشر الوجه وطلاقته
بل من مصاديقه الصبر والتحمّل والحلم وكظم الغيظ والوفاء والصدق والعفو
وماشابه ذلك من الفضائل.
وأكّد دام ظله: أوصيكم بأمرين:
الأول: صمّموا على أن يكون خُلقكم حسناً مع الجميع، ومن يصمم ينل
التوفيق، والعكس بالعكس أيضاً. وإذا غفل أحدكم أحياناً وتعامل ـ لاسمح
الله ـ بخلق سيئ مع شخص ما فليستغفر الله سبحانه، وكلما تكرّر ذلك منه
فليستغفر ويصمّم على عدم تكراره.
الثاني: رغّبوا الآخرين وشجّعوهم على أن يتحلّوا بالخلق الحسن،
وبالأخص الأقربين إليكم، ومن تربطكم به رابطة صداقة أو محبّة قوية.
سماحة المرجع الشيرازي مؤكّداً: ردّوا أموركم إلى الله وإلى أهل
البيت واقطعوا الطمع
إذا قطع المرء طمعه عمّا في أيدي الناس، وردّ أمره إلى الله عزّ وجلّ
وأهل البيت اﻷطهار صلوات الله عليهم، فإن الله تعالى وأهل بتيه سيضمنان
له منافع وفوائد كثيرة، ويرزقه الله سبحانه من حيث لا يحتسب.
هذا ما أكّده المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق
الحسيني الشيرازي دام ظله في توجيهاته القيّمة التي ألقاها بجمع من
الفضلاء والمؤمنين القادمين من مدينة مشهد المقدسة لزيارة المرقد
الطاهر لمولاتنا فاطمة المعصومة سلام الله عليها في ذكرى استشهادها،
وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، يوم السبت الموافق للثامن من
شهر ربيع الثاني 1430 للهجرة.
وقال سماحته أيضاً: إن قطع الطمع عمّا في أيدي الناس ليس معناه أن
يجلس اﻹنسان في بيته دون سعي وعمل، بل عليه أن يسعى ويعمل دوماً ويعلم
ـ بإيمان راسخ ـ في الوقت نفسه أن كل اﻷسباب الظاهرية مردّها إلى مسبب
اﻷسباب الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى.
وأضاف سماحته: إن الله سبحانه جعل المعصومين اﻷربعة عشر صلوات الله
عليهم الوسيلة إليه في الدنيا واﻵخرة. فكل من يعتقد بذلك ويجعلهم صلوات
الله عليهم وسيلته إليه تعالى، ويتوسّل إلى الله بهم لقضاء حوائجه
المادية والمعنوية، فستحظى حياته براعيتهم صلوات الله عليهم. فالذين
يعيشون بجوار مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه عليهم بأن يعلموا
بأن المعصوم هو من جعل الله سبحانه في إرادته وبيده مقادير الكون
والوجود كلّه. وهذا ما نقرأه في زيارة الجامعة الكبيرة الشريفة: «إرادة
الربّ في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم».
وذكر سماحته قصّة بهذا الصدد، وقال: لقد ذهبت إلى مدينة مشهد
المقدسة سنة 1374 للهجرة وتشرّفت بالبقاء فيها لعدّة أشهر، وسمعت من
كبار السنّ ومن بعض الوجهاء قصص وحوادث وعبر كثيرة. ولا بأس بأن أذكر
لكم واحدة منها:
ذكروا أن طلاب إحدى مدارس العلوم الدينية في مشهد في شهر رمضان
المبارك كانوا يذهبون إلى المدن الإيرانية الأخرى لممارسة التبليغ، عدا
اثنين منهم حيث كانا يبقان في المدرسة لأسباب تخصّهما. فكان أحدهما
يذهب إلى المرقد الرضوي الطاهر في كل يوم في الساعة العاشرة صباحاً
ويبقى هناك إلى الساعة الثانية بعد الظهر، وكان يشغل نفسه بالزيارة
وبالصلاة وبالدعاء، وكان من الناحية المادية فقيراً جداً وفي الوقت
نفسه عفيفاً. وفي إحدى اﻷيام وقبل ذهابه للزيارة جيء له بمقدار من
اللحم من النذورات، فسرّ بذلك ووضعه في القدر، ووضع القدر على الموقد
وأشعل ناراً قليلة تحت القدر كي يطهى اللحم إلى حين رجوعه. وبعدها ذهب
إلى المرقد الرضوي وشعر حينها بأن نفسه اليوم راغبة بالعبادة أكثر من
باقي اﻷيام، وبقي في المرقد ساعتين أكثر من باقي اﻷيام. وعندما رجع إلى
المدرسة شاهد دخاناً يخرج من حجرته. وبعد فتحه الباب وجد أن كل ما كان
موجوداً في الحجرة من أثاث ووسائل وكتب وبساط قد احترق، فظنّ أن بقاؤه
في المرقد الرضوي الطاهر لساعتين أكثر هو سبب حدوث الحريق. فتألّم
كثيراً، وتوجّه بقلب منكسر إلى جهة المرقد الطاهر وبدأ يعاتب الإمام
بقوله: سيدي إن اعتقادي بكم لم يتغيّر، ولكن هل من الصحيح أن يُفنى كل
ما عندي ﻷني كنت ضيفاً عندكم ساعتين أكثر من اﻷيام الباقي؟
في تلك الليلة لم يجد ذلك الطالب شيئاً يأكله ولم يكن يملك شيئاً من
المال، وعندما رجع زميله وعرف باﻷمر دعاه إلى حجرته وأفطرا سوية. وفي
ليالي شهر رمضان المبارك في ذلك الزمان كان العلماء يعقدون جلسات
للمباحثات العلمية وللقاء بالطلاب. وفي تلك الليلة شاع خبر ذلك الطالب،
فتبرّع العلماء بمقدار من المال وأرسلوه إلى ذلك الطالب، واشترى به من
اﻷثاث والوسائل ما التهمتها النارفي حجرته، وبقي له مقداراً من المال
ما كان كافياً له ﻹعداد الفطور والسحور إلى آخر يوم من شهر رمضان
المبارك. وفي اليوم الثاني ذهب ذلك الطالب إلى المرقد الرضوي الطاهر
فخاطب اﻹمام سلام الله عليه وكان الخجل ينتابه: سيدي لم أكن أعلم بأنكم
أردتم أن تجدّدوا حياتي ومعيشتي..
وفي ختام حديثه أوصى دام ظله الحاضرين وباﻷخص الشباب بقوله: اسعوا
أن ترسّخوا في قلوبكم الاعتقاد بردّ اﻷمور كلّها إلى الله عزّ وجلّ
وإلى أهل البيت اﻷطهار صلوات الله عليهم، وأن تقطعوا الطمع عمّا في
أيدي الناس، وعلّموا ذلك للآخرين. فالكثير من الشباب في مدينة مشهد
بحاجة إلى تعلّم هذا الاعتقاد الذي يغيّر حياة الإنسان نحو اﻷحسن
واﻷفضل. واطلبوا من مولانا ثامن الحجج اﻷطهار الإمام الرضا صلوات الله
عليه ومن أخته مولاتنا فاطمة المعصومة سلام الله عليها أن يشفعا لكم
ويمنّان برعايتهما عليكم. |