الشيخ جلال معاش: الخطاب الديني لازال قاصرا وبحاجة ماسة للتجديد

المجتمعات الغربية بدأت تميز بين الفكر التكفيري وفكر أتباع آل البيت (ع) المعتدل

حوار: محمد حميد الصواف

 

- يجب ان لا يستخدم الدين كوسيلة للتنظيم او التحزب او الوصول للحكم والتسلط على الاخرين، فالدين والوطن للجميع ليس هناك افضلية بين احد وآخر.

- المجتمعات الغربية بدأت تميّز حقيقة المسلمين بين من يعتقدون بالافكار الضالة المغلقة ومن يؤمنون بالفكر الاسلامي المعتدل المستمد من تعاليم آل البيت عليهم السلام

- نحن بحاجة فعلية الى اعلام اسلامي مدروس قادر على ايصال الرسالة الاسلامية بشكل شفاف ومعتدل يبرز حقيقة اليسر في الدين لا العسر والتشدد والتطرف

 

شبكة النبأ: يجمع العديد من المراقبين ان الخطاب الديني الاسلامي عانى خلال العقود الماضية من تذبذب كبير ساهم في عكس صورة سلبية لدى المجتمعات غير المسلمة، خصوصا بعد تصاعد موجات التطرف والتكفير من جماعات العنف، تعززت بفتاوى ما انزل بها سلطان من ادعياء الفقه والعلم.

حيث غيّب الخطاب الاسلامي المعتدل المنبثق من اصل الاسلام الحنيف الداعي الى التسامح والانفتاح والتعايش السلمي مع غير المسلمين، ليسود الخطاب المنغلق المتشدد، بعد ان جيّر لمصالح جهوية وسياسية لا تكترث بحجم الضرر الذي لحق بالمسلمين.

شبكة النبأ المعلوماتية ناقشت تداعيات الخطاب الديني وأثره في الغرب مع الخطيب الحسيني سماحة الشيخ جلال معاش وكيل المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي في أوربا وكندا وتركيا، فكان الحوار التالي:

س: سماحة الشيخ كيف تجد الخطاب الديني وهل استطاع مواكبة العصر والتقدم السريع في مناحي الحياة المختلفة؟

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وال بيته الطيبين الطاهرين، اعتقد اننا يجب ان نقرأ الظروف المحيطة باي مادة في حال اردنا دراسة واقع ما، الخطاب الديني عانى من هجمة شرسة من عدة جهات على مر نصف قرن من الان، كما كان لتوظيفه في مصالح سياسية او فئوية امر بائس افضى الى لجوء الكثيرين الى البحث عن خطاب ينصف مطالبهم الى جانب الكثير من العوامل المساهمة في تغييب الخطاب المعتدل، وعليه فأنا أرى ان الخطاب الديني المعاصر لا يزال قاصرا وهو بحاجة ماسة للتجديد.

س: اذن هل نفسر ذلك بمطالبتك فصل الدين عن السياسة؟

لا اقصد ذلك... اعني اننا يجب علينا ان تبني دولة مدنية عصرية يكون الخطاب الديني المعتدل عاما وغير مجير لاغراض سياسية او جهات بعينها، اي لا يستخدم الدين كوسيلة للتنظيم او التحزب او الوصول للحكم والتسلط على الاخرين، فالدين والوطن للجميع ليس هناك افضلية بين احد.

يجب ان يكون هناك منهج اسلامي واضح بدون استثناءات لفئة او شخص وانا حقيقة تأثرت بقول احد العلماء عندما عاد من رحلة تبليغية الى الغرب (رأيت الاسلام -يقصد قانون الاسلام- ولم ارى المسلمين وفي بلاد الجزر -يعني بلاد الشرق- رأيت المسلمين ولم ارى الاسلام)، تمعن في دقة في العبارة (لم ارى الاسلام)، بلادنا الاسلامية تقتصر فقط على المظاهر الاسلامية الفارغة. فلا وجود حقيقي للقانون والتعاليم الاسلامية السمحاء.

س: كيف تجد نظرة المجتمعات الغربية للمسلمين وهل لا تزال احداث 11 ديسمبر تلقي بظلالها عليهم؟

بطبيعة الحال قلّت النظرة السلبية تجاه المسلمين وانحسر العداء الذي تفاقم بشكل رهيب عقب توالي الاحداث العالمية ذات الصلة بالمسلمين مثل احداث ديسمبر او ماجرى في العراق من اعمال خطف وذبح للاجانب التي كانت تصور بالفيديو وتبث على شبكات الانترنت، بعد ان تجلت الصورة لدى المجتمعات العربية وبدأوا يميزون بين الارهابيين والتكفيرين وبقية المسلمين.

ورغم سلبيات احداث سبتمبر كانت هناك بعض الايجابيات ايضا.. واورد لك بعض الامثلة لتقريب الصورة اكثر، بعد احداث 11 سبتمبر بايام نفذت من جميع الاسواق الامريكية نسخ القرآن الكريم من الاسواق والمكتبات، والسبب ان اغلب الامريكان ارادوا الاطلاع على حقيقة الدين الاسلامي واتباعه.

وحتى قبل تلك الاحداث كان المسلمين ينظر لهم بعين الاحتقار، بسبب الاعلام المتصهين المعادي للاسلام، والذي ساعد على نجاح بعض مبتغياته فتاوى ادعياء العلم والفقه، عندما اجازوا بفتاويهم سرقة غير المسلمين، حيث كانت تبث في الفضائيات مقاطع فيديو لبعض السلوكيات المشينة لافراد مسلمين ضللوا بتلك الفتاوى، اذكر انني كنت في كندا عندما بثت بعض الفضائيات مشاهد لامرأة محجبة وهي تسرق من احدى المحال او مشهد لرجل ملتحي وهو يسرق ايضا اعقبها اعترافهم في التحقيق على اجازة علمائهم للسرقة، ويدعون ان الدين الاسلامي اجاز ذلك اثناء التحقيق.

الآن تلمس ان المجتمعات الغربية بدات تميز حقيقة المسلمين بشكل حقيقي اكبر وتعزل المتطرفين والمتشددين، وبين من يعتقدون بالافكار الضالة المغلقة التي لاتؤمن بالتعايش السلمي بين البشر، ومن يؤمنون بالفكر الاسلامي المعتدل المستمد من تعاليم آل البيت عليهم السلام الداعية الى السلم واللاعنف.

س: هل ترى إن وسائل الاعلام الاسلامية نجحت في استقطاب انتباه المسلمين او غير المسلمين كما هو الحال مع وسائل الاعلام الليبرالية؟

الاعلام يرتبط ارتباطا مباشر بالخطاب الديني دون شك، وهو ايضا بحاجة الى التجديد والعصرنة، ولا اريد ان انكر التحسن الكبير في اداء وسائل الاعلام الاسلامية خلال السنوات القليلة الماضية خصوصا بعد تغيير النظام السابق في العراق وما صاحبة من انفتاح كبير وهامش متسع من الحرية، كانا صعب المنال في الماضي القريب، لكن يبقى اعلامنا قاصرا بشكل ملموس، فلا نجد اي اعمال درامية او سينمائية تلامس واقع الحياة اليومية للمسلم والمسلمة، بشكل يساهم في نشر ثقافة الدين الاسلامي الحنيف او سيرة الرسول وآل البيت عليهم افضل الصلوات، مما يعكس جانب مهمل للاسف رغم دوره الحيوي والضروري، فضلا عن قلة اعداد القنوات الاسلامية باللغات المتعددة بالنسبة الى عدد المسلمين حول العالم.

نحن بحاجة فعلية الى اعلام اسلامي مدروس قادر على ايصال الرسالة الاسلامية بشكل شفاف ومعتدل يبرز حقيقة اليسر في الدين لا العسر والتشدد والتطرف الذي انعكس علينا وبالاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/نيسان/2009 - 16/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م