رعب مابعد الصدمة يتهدد مستقبل اطفال العراق

تحسن الامن النسبي سلطَ الضوء على معاناة الاطفال النفسية

 

شبكة النبأ: يتردد  التلميذ احمد جبار، البالغ من العمر عشر سنوات، كثيرا قبل الذهاب الى المدرسة بسبب اختطافه أوائل العام الماضي أثناء قطعه المسافة القصيرة التي تفصل عن بيته عن المدرسة.

وعانى احمد، وهو في الصف الثالث الابتدائي، بعد هذه الحادثة من اضطرابات نفسية حادة، وبرغم تحرير القوات الأمنية له من بين أيدي خاطفيه مرّ بأوقات قاسية، وصار منطويا على نفسه يواجه صعوبة في اختلاطه وتفاعله مع اقرانه من التلاميذ.

يصف أحمد بنفس منقطع عملية اختطافه لوكالة أصوات العراق بقوله “كنت أسير وحدي حاملا حقيبتي متوجها الى مدرستي القريبة من البيت. توقفت سيارة سوداء وسحبني رجل  بقوة الى داخل السيارة. غبت عن الوعي إثر ضربة”.

ويضيف بنظرة ذاهلة “عندما صحوت وجدت نفسي في غرفة مظلمة،  فتشوا جيوبي وحقيبتي واغلقوا فمي بشريط لاصق، ثم تعرضت بعد ذلك الى الصفعات والركلات دون ان يحدثني احد. وفي الليل بدأت أتبول على نفسي..”.

احمد ليس الوحيد الذي عانى من اضطرابات نفسية نتيجة العنف، الذي زادت معدلاته بشكل متزايد بعد عام 2003، فقد أظهر بحث أعد بدعم من منظمة الصحة العالمية لمركز الاسناد النفسي في مستشفى اليرموك، وهو المركز الوحيد في بغداد، بأن عدد المصابين باضطرابات نفسية من طلبة المدارس الابتدائية العراقية في عام 2005 بلغ 17%. وبين البحث بأن هذه النسبة انخفضت في عام 2007 الى 14% بعد التحسن النسبي في الأمن.

وقد تكون حالة احمد افضل كثيرا من بعض التلاميذ الذين تعرضوا في بعض الاحيان الى اعتداءات جنسية من قبل خاطفيهم.

مهند البالغ من العمر 12 عاما، من منطقة البياع غربي بغداد، تعرض للاختطاف عندما كان في الصف الخامس الابتدائي. يقول والده” امتنع ابني عن الذهاب الى المدرسة، بعد تعرضه الى الضرب والاعتداء الجنسي، وتطلب الامر معالجته خارج العراق عند اطباء اخصائيين بسبب اصابته بالنزف السريري”.

ويردف الأب “ما يخيفني فيه تعرضه لصدمة اجتماعية تؤثر عليه كرجل مستقبلا. والآن هو في الصف السادس الابتدائي يذهب ويعود الى مدرسته بصحبة والدته، ونادرا ما تفارق الكوابيس منامه”.

 تقول بتول حسين مديرة مدرسة السلام  الابتدائية المختلطة الواقعة في منطقة الدورة جنوبي بغداد لوكالة أصوات العراق إن “العشرات من الآباء والأمهات كانوا يقفون منتظرين ابناءهم  امام بوابة المدرسة وعلامات الخوف واضحة على وجوههم”. وأضافت “تبين بأن هذه الحالة قد زادت في العامين 2006 -2007″.

الاوضاع الأمنية تركت الكثير من الاضطرابات النفسية على التلاميذ، وكانت سببا لتركهم  المدرسة. وتقدم المديرة مثلا أحد التلاميذ اصيب بالصرع الهستيري وهو في التاسعة من عمره لأنه رأى عملية قتل والده على أيدي مجموعة مسلحة قامت بإحراق جثة الوالد في حديقة المنزل.

“هذه الحادثة وغيرها أثرت الى حد كبير على درجة استيعاب الطلاب”. وتردف المديرة ”نحن لانمتلك الامكانية لمعالجة الاضطرابات النفسية للتلاميذ الذين فقدوا اولياء امورهم”.

 في العام 2008 قدمت ادارات الكثير من المدارس هدايا مادية بسيطة لعدد من الطلاب الايتام، تقول بتول حسين ” الكثير من الطلبة كان يرفض تسجيل اسمه امام زملائه لكنهم جاءوا فيما بعد خلسة الى الادارة لتسلم الهدية”.

تضم مدرسة الجزائر الابتدائية المختلطة في منطقة العطيفية شمالي بغداد 300 طالب، هؤلاء الطلاب شهدوا عام 2007 تفجيرا قرب مدرستهم أعقبه اطلاق عيارات نارية كثيفة.

يقول المعلم فاضل محمد حسين “الخوف عامل مشترك بين جميع طلاب المدرسة على اختلاف أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية”.

ويضيف “أصيب التلاميذ من الصف الاول الى السادس الابتدائي بحالة رعب، غالبيتهم يبكون والبعض الاخر اصيب بالتبول اللارادي إضافة الى التقيؤ والشعور بالمغص والصراخ اثناء الدرس. ولحد الآن يعاني التلاميذ من ضعف التركيز، وقلة الفهم للدروس”.

أحيانا يجد المعلم فرصة للتحدث مع التلاميذ  اثناء الدرس، يقول المعلم حسين “غالبية الذكور يريدون ان يكونوا عسكريين في المستقبل. وحين نسألهم عن السبب يقولون ببساطة: حتى لايقتلنا الاشرار. أما الفتيات فيردن ان يصبحن  طبيبات لمعالجة الجرحى”.

ويرى إبراهيم الجوراني مدير الاشراف التربوي في مديرية تربية الرصافة الثانية أن الاضطربات النفسية تتركز بشكل كبير عند  تلاميذ المرحلة الابتدائية. ويعزو ذلك إلى اعمارهم الصغيرة ودرجة تأثرهم بالواقع الاجتماعي والأمني.

ويعتقد الجوراني أن نسبة 14% تعد ضئيلة امام معاناة تلاميذ بعض المدارس التي قد تصل النسبة فيها الى 50%.

ويؤكد الجوراني على أهمية الطب النفسي والبحث الاجتماعي في المرحلة الابتدائية “دور المعلم هو شرح المادة العلمية وليس التحدث مع  التلاميذ”. أما معالجة الاضطربات النفسية عند التلاميذ ولكافة المراحل الدراسية “فتحتاج لاختصاص آخر لأن الصدمة النفسية اذا لم تعالج سوف تبقى ملازمة للانسان طوال حياته”، ولذلك يرى الجوراني أنه بعد نجاح مركز الاسناد للطب النفسي سوف تفتتح مراكز اخرى بالتعاون مع وزارة التربية .

ويقول الدكتور ياسر الشمري المختص بعلم النفس أن الاضطربات النفسية التي تصيب الاطفال “تبدأ من عمر 6 - 7 سنوات، وهو سن الدخول الى المدرسة”.

لكن الطلبة في العراق من الجنسين يعانون كما يرى الجواري من صدمات نفسية، بسبب الانفجارات والقتل والخطف، لذلك يتردد الكثير من الاطفال عن الذهاب الى المدرسة “خوفا من الموت” ويقدم مثلا طالب عمره 6 او 12 عاما يرى زملاءه  يموتون في انفجار عبوة ناسفة زرعت قرب جدار المدرسة او سقوط قذيفة هاون على احد الصفوف ليهرع الطلاب خائفين من رؤية هذه الاحداث.

ويخلص أحد المعلمين الى أن “وزارة التربية غير قادرة على تقديم الرعاية النفسية لأطفال تشبعوا وتسممت مخيلتهم بالعنف الذي مسهم جسديا وروحيا”.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 8/نيسان/2009 - 11/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م