شبكة النبأ: تشكل الثقافة دعامة
لامناص من الاستناد إليها في البناء الانساني على وجه العموم، فتصبح
بذلك أحد النشاطات الحياتية المهمة في حياة لشعوب كافة، غير أنها تتأثر
حتما بالنشاطات الإنسانية المتنوعة التي تتوزع على الجانبين النظري
والتطبيقي، ولعل الهوة الفاصلة بين التنظير والتطبيق هي المشكلة الكبرى
التي تجعل من الثقافة شكلا خاليا من الجوهر وهذه هي الطامة الكبرى.
إن ما يميز الثقافة عن غيرها من النشاطات هو حضورها الحاد في عموم
العلاقات والمجالات الحياتية ودورها الهام في تقويم وتصحيح وتطوير حياة
الانسان، وما تعتور حياتنا الآن من متغيرات ومعطيات متضارية ومفاجآت
غير محسوبة القت ولا تزال تلقي بمساوئها على راهن الثقافة العراقية حتى
تكاد تعطل جوهرها.
إن هذا القول لاينطوي على أهداف مسبقة تبغي الاساءة او غمط الحقوق،
ولكن واقع الحال يتيح لنا أن نؤشر مواقع الخلل في الأنشطة الثقافية
التي تنزع الى النشاط الشكلي اكثر من نزوعها الى الجوهر، وما هو مؤسف
في هذا الجانب يجعلنا نستذكر بألم ما وصلت اليه ثقافتنا من تردي.
والمشكلة التي تظل تتجدد بصورة مؤلمة هو نظر من يهمه الامر الى
الثقافة كونها نشاط شكلي يعتمد الكلام اكثر من اعتماده الفعل، فأنت
تستمع الى الكلمات الجميلة المنمقة حول وجوب مسايرة العصر وما شاكل ذلك،
وتلمس نبرة النصح في الكلمات لكنك عندما ترصد الاعمال ستجدها تختلف عن
القول تماما بل صورة معاكسة لتلك الاقوال، وكأن الثقافة شكل من اشكال
الكلام لا أكثر.
لقد اكد المختصون في هذا المجال من مصلحين ومفكرين وفلاسفة على ان
الثقافة هي نمط حياتي متكامل لمجتمع ما، وليست صورة مجتزأة تخص الادب
لوحده، بمعنى ان المثقف هو ليس الشاعر او الأديب فقط، ولاهو الطبيب فقط
ولا هو المفكر او الرجل الاصلاحي فقط، بل المثقف هو ذلك الانسان الذي
تتحول الثقافة في حياته الى نمط سلوكي واعٍ ومتطور تتقدمه إنسانية
الموقف والتعامل مع الآخرين.
واذا حاولنا أن نطبق هذا الرأي على واقع الثقافة في العراق سنشعر
بالأسى، لأن ثقافتنا رغم جذورها الراسخة في اعماق التاريخ، إلاّ أنها
لازالت تعاني من السطحية وحصر هذا المفهوم في شخوص بعينها، فيُقال إن
ان هذا الشخص مثقف لأنه يكتب الشعر مثلا، او انه يتمتع بثروة مالية
كبيرة، في حين أن الثقافة لاتعني ذلك قط.
إن من يبحث في الثقافة العراقية سيجد أنها واسعة وذات نكهة تكاد
تتصف بالألق الذاتي الأصيل الذي يجعلها محط أنظار الثقافات الآخرى..
نعم فكل من يسوح في بطون وجنبات هذه الثقافة، سينظر لها بعين التقدير
لحيويتها وقدرتها على التجدد، ذلك لأن المصلحين والمفكرين الذين ينتمون
لهذه الثقافة كانوا ولا زالوا يقفون في الصف الأول بين المثقفين
العالميين وهذا الموقع ليس وليد الراهن بالطبع إذ أن جذور الثقافة
العراقية وانتمائها للنزعة الإنسانية يجعلها تمتد عميقا في تربة
الثقافة الإنسانية على وجه العموم، غير أن هذه الامتيازات لن تلغي أبدا
انتكاسات الثقافة العراقية المتأثرة بالتراجعات التي المت بالنشاطات
الحياتية الآخرى ويقف في المقدمة منها فوضى الحياة العراقية برمتها.
ولعل الخلل الأكثر حضورا هو الطابع الشكلي الذي يقوض الجوهر ويعتمد
المظهر عبر التنظر او الكلام الذي لايتجاوز حدود الكلام الى التطبيق
كما أسلفنا، الامر الذي يستدعي معالجات دائمة ومتواصلة للتخلص من
النزعة الشكلية للثقافة خاصة اذا ما رصدنا حالة الفوضى التي تغلغلت في
ميادين الحياة العراقية.
فليس غريبا إن نقول بأن ثقافتنا تعاني الأمرين على يد الفوضي
الإدارية للمؤسسات الأهلية أو ذات الطابع الرسمي على حد سواء.. إذ ليس
هناك من التزم بوعده من المثقفين الذين تبوأوا المراكز القيادية
للثقافة العراقية بل ثمة البحث الدائم عن المنافع الفردية والثللية في
آن.
وليس هناك من قدم منهم رؤى او خطط نظرية قابلة للتطبيق على ارض
الواقع من أجل تحويل الثقافة الى منظومة سلوك شاملة، وإذا كنا نعيب على
من تلكأ بدوره من المثقفين إبان حكم النظام السابق فإننا لن نجافي
الحقيقة إذا قلنا أن اللهاث وراء الامتيازات الشخصية لقادة المثقفين
الجدد يقرب المؤسسات الثقافية الجديدة من حافة الشكلية الفارغة من
المحتوى والفعل في آن.
لذلك مطلوب من المعنيين في هذا المجال هو تحويل الثقافة الى سلوك
شامل ومتطور ونشره في عموم شرائح المجتمع وبخلاف ذلك تبقى ثقافتنا
انتقائية شكلية خاملة كمن ينظر الى العصر بل الى الحياة بعين واحدة.
|