دَورُ الإعْلامِ في تَرسِيخِ مَفَاهِيمِ حقوقِ الإنسانْ

محمّد جواد سنبه

في البداية  لابدَّ من الاشارة، إلى أنّ هناك  تلازماً، بيّن  ثلاثة  مفاهيم  هي: الديمقراطية، والاعلام، وحقوق الإنسان. فلا يمكن  تصوّر ايِّ وجودٍ للتطبيق العملي، لكلٍّ من الإعلامِ  وحقوق  الانسان، بدون  وجود  بيئة  ديمقراطية، يعيش  المجتمع  في ظلِّ بحبوحَتِها، كما لا يمكن  تصوّر  أيَّ انتعاشٍ للديمقراطية، بدونِ وجود  مساحة دستوريّة، تكفلُ حريّةَ النشاطات الإعلاميّة، وكذلك لا يمكنُ تخيلُ وجود أيِّ نشاط في مجال حقوقِ الإنسان، بغياب التطبيقِ الديمقراطي.

وعلى أساس هذا التلازم بينَ عناصر هذه المصفوفة من المفاهيم، أعني الديمقراطيةَ والاعلامَ وحقوقَ الإنسانِ، يجبُ أنْ نسلطَ الضوءَ على العلاقة الترابطية، بينَ الإعلام وحقوق الانسان، بعدما اصبح النظام السياسي للعراق، نظاماً ديمقراطياً أُقرَ في دستورِ عامِ 2005. فلابدّ أنْ نبحثَ الآنَ في محورين:

الأوّلُ: التركيز على السبل التي تنهض بمبادئ حقوقِ الإنسان، من خلال تدخل النشاط  الفعّال، لوسائل الإعلام الوطنيّة، في التثقيف على أهميّة احترام حقوق الإنسان، ليسَ باعتبارِها نمطاً من انماط الحداثة أوالمدنيّة، وإنمّا باعتبارِها قيماً نبيلةً، ومثلاً رفيعةً، تحتمُ على الخُلُقِ الإنساني السليم احترامَها، فمن خلالِ احترام حقوق الإنسان، تحترمُ آدميتُنا، وتصانُ كراماتُنا وينهضُ مجتمَعُنا، ليضَعَ بصماتهِ على صفحة الرقي الحضاريّ، والتطوّرِ المدنيّ.             

أمّا المحورُ الثاني: فينبغي قيامُ المنظماتِ الراعية لحقوق الإنسان، بتسليط الضوء على أهميّة مبادئ حقوق الإنسان، وممارستِها في المجتمع عمودياً وافقياً. عمودياً أنْ تُشرَكَ الأسرةُ والمدرسة ابتداءً، وصعوداً إلى الجامعـة، وكذلك إشراكُ مؤسساتِ الدّولة المختلفة، في إرساء دعائم تلك الحقوق، في جميع الممارسات اليوميّة، سواءاً على مستوى العاملين في تلك المؤسسات، أوعلى مستوى المتعاملينَ معها، من المواطنين العراقيين.

أمّا المستوى الأفقي، فيشمل إشاعةَ ثقافةِ فهم وممارسة حقوق الانسان، بين شرائح المجتمع المختلفة، حتى نكسر طوق احتكار فهم هذه الحقوق، على مستوى النخب المتعلمة والناضجة ثقافياً، أي بمعنى اشاعة مفاهيم احترام حقوق الإنسان، على المستوى الشعبي من خلال تعامل الأفراد معها.

وبودي أنْ أسوقَ مثالاً واحداً، اُترجمُ فيه كيفيّةَ تنشيط جهود وسائلِ الإعلام، لتعضيد مبادئ وقيم حقوق الإنسان في المجتمع، من خلال تسليط الضوء، على مشاكل يوميّةٍ مستمرةٍ، تضغطُ باستمرارٍ على الإنسان العراقيّ، فتنكِدُ عيشتَهُ وتنغصُ حياتَهُ، وبذلك تُنتهَكُ حقُوقُهُ عدةِ مراتٍ يومياً. فالفسادُ الاداري، والرَشوةُ، واختلاسُ المال العامِّ عن طريق التحايل والغِشّ، والتبذيرُ في انفاق المال العامِّ، بسببِ عدم الحكمة، وعدمُ وضع الشخصِ المناسبِ في المكان المناسب،  وسوءُ الأبنيةِ المدرسيّة، وتردي الخدماتِ البلديّةِ، وتزايدُ ظاهرةِ التسوّل، والبطالةُ، وتفشي الفَقر وازديادُ نسبة الأميّة بين الأطفال، وتشغيلهُم في اعمالٍ مرهقةٍ، وعزوفُهُم عن مواصلة الدّراسة، وتفشي ظاهرة الإدمان على المخدرات، وتدهورُ الرعايةِ الصحية والبيئيّة، وغير ذلك الكثير من السَلبيات المدمرة.

وسيطولُ بنا المقامُ إذا أردنا استقصاءَها إلى النهاية. أليست هذه المفرداتُ تشكلُ خرقاً لحقوق الانسان؟. أليست هذه المفرداتُ تشكلُ خاماتٍ ثقيلةً، لمواضيعَ إعلاميّةٍ، من الممكن تناولُها، على مستوى التحقيقِ والدراسة، واستبيانِ الآراء، لتكونَ المشكلةُ والحلُ، أمامَ أنظارِ صاحبِ القرار أولاً باوّل؟. فإذا تمَّ توجيهُ الأنظارِ إلى هذه القضايا، فبالتأكيد سيتمُّ علاجُها، وبالنتيجةِ سيصونُ الإعلامُ، حقوقَ الإنسانِ من الإنتهاك، وبالتالي ستُحتَرمُ عملياً، تلك الحقوق، وفي النهاية، سيُحترَمُ الإعلامُ أيضاً، لأنّهُ أدى واجباً وطنياً للمجتمع.

من ناحيةٍ ثانيةٍ. أتصوّرُ بأنّنا بحاجة، لتثويرِ حملةٍ وطنيةٍ شاملةٍ، متعددةِ المستوياتِ ومختلفةِ الاتجاهاتِ، تتبناها الأجهزةُ المختصّةُ، في الدّولة العراقيّة، وترعاها المؤسساتُ المدنيّةُ والعلميّةُ والبحثيّةُ المختصّةُ، من أجلِ رفعِ الوعي المجتمعي، لفهمِ مفرداتِ حقوقِ الإنسان، وما على الإنسانِ العراقي، منْ واجباتٍ وما له من حقوق.

وخاتمةُ المطافِ: فلا حقوقَ إنسانٍ بدونِ إعلامٍ، ولا إعلامَ بدونِ حقوقِ إنسانٍ، ولا لكليهما وجود، بدونِ النظامِ الدّيمقراطي الذي يرعاهما. وإذا كانت المهمّةُ الأساسيّةُ، لدوّلةِ العراق الدّيمقراطية، هي تحقيقُ العدالةِ، وضمانُ حقوقِ مواطنيها، فإنَّ الإعلامَ يستمدُ سلطتَهُ، من التدابيرِ والإجراءاتِ التي تتخذُها الدّولةُ، في مجالِ ضمانِ تلكَ الحقـوق. ويجبُ أنْ نقيّمَ العلاقةَ التواصليّةَ الايجابيةَ، بين حقوقِ الانسانِ والإعلام، كي نضعَ الأمورَ في نصابها الصحيح، لنُمَكِّنَ عراقَنا الحبيبِ، من اختزالِ الزمنِ وتوظيفهِ، لصالحِ تنميتهِ وتطوّرهِ وازدهاره، والله تعالى من وراء القصد.

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/نيسان/2009 - 9/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م