نشرت صحيفة الشروق الجديد المصرية في عددها الصادر بتاريخ 11-3-2009
تقريرا عما أسمته (الخطة السرية لردع إيران بعد انسحاب أمريكا من
العراق) والدور الموكل لعزت إبراهيم الدوري (أبو الثلج العربي) حيث
أسهب التقرير في وصف مناقب أبي الثلج التي رشحته عربيا وأمريكيا للقيام
بدوره هذا ومن أهمها (أن الدوري محدود الذكاء وضعيف الشخصية لكنه تابع
أمين، ومنفذ جيد جدا).
ويبدو – حسب الجريدة - أن هذه هي المواصفات القياسية لرجال المرحلة
عربيا وأمريكيا!!.
يقول التقرير أيضا: تشارك فى هذه الصفقة أو المشروع الذى يرتكز على
إحياء العروبة كخط دفاع أول ضد الهيمنة الإيرانية الأطراف الدولية
والإقليمية الكبيرة، وفى مقدمتها الولايات المتحدة ومصر والسعودية
وتركيا، وستكون سوريا هى الوكيل المعتمد من هذه الأطراف لتنفيذ المشروع،
وستبدأ أولى مراحله بإعادة تشكيل حزب البعث العراقى، وتوحيده مع الجناح
السورى للبعث، بعد أن يحصل على الشرعية القانونية فى العراق. كما أن
إحياء فكرة القومية العربية أصبح هو الملاذ الأخير ضد الهيمنة
الإيرانية المؤكدة على العراق بعد انسحاب الأمريكيين، وعلى اعتبار
الفكرة القومية العربية هى العاصم من انشقاقات الشيعة المحتملة فى عدد
كبير من دول الخليج.
لهذا السبب عادت سوريا تحتل مكانا بارزا بعد فترة كانت من اسوأ
ماشهدته دمشق فى تاريخها السياسى، فتدفق المبعوثون الأمريكيون عليها
سرا وعلانية، وزارها وزير الخارجية السعودية، وامتدحها وزير الخارجية
المصرية، وأصبحت تركيا حليفا موثوقا لديها بعد أن هددتها من قبل
بالاجتياح، وهدأت حملة الإعلام اللبنانى ضدها، وعادت فرنسا تمسح جوخ
النظام السورى، وتفتح له الأبواب المغلقة فى أوروبا، وقال المصدر «أن
السوريين نجحوا فى إقناع الغرب والولايات المتحدة ـ على وجه الخصوص ـ
أن الاختراق الإيرانى نجح بسبب الفراغ الناجم عن تغييب الساحة العربية
عن عروبتها، وأن السوريين الآن هم الأقدر على إعادة تقديم العروبة فى
شكل يروق للغرب، ويفهمه المفكرون الغربيون.
أما المكاسب المتوقعة لدمشق فى المستقبل، فسوف تتوالى فى الجولان
ولبنان، فضلا عن الدور الذى يمكن أن تلعبه فى منطقة المشرق والهلال
الخصيب كرمانة ميزان بين إيران وتركيا وإسرائيل.
في نفس اليوم نشرت الجريدة خبرا عن مطالبة جناح عزة أبو الثلج
الدوري بإلغاء العملية السياسية في العراق ومحاكمة من أسماهم بالعملاء
والخونة كشرط لقبول المصالحة!!.
ولنا على هذا التقرير عدة ملاحظات.
أولا أن السوريين هم من علم الدنيا فن المساومة وعدم إفلات أي ورقة
تمكنهم من الحفاظ على مصالحهم وأهمها بكل تأكيد ورقة حزب البعث الصدامي
التي أمسكوا بها منذ اللحظة الأولى لسقوط صدام وهم يستضيفون بالفعل
ومنذ سنوات جناح يونس الأحمد الأثقل وزنا والمختلف مع جناح عزت الدوري.
ما هو الجديد إذا الذي يحمله وضع عزة أبي الثلج تحت تصرفهم؟!.
لا جديد.
الأمر الثاني أن السوريين لم يستضيفوا فلول البعث العراقي حبا في
سواد أعينهم بل توظيفا لهم في معركتهم ضد الوجود الأمريكي في العراق
حيث توالت الشكاوى الصادرة من داخل العراق من الدور الذي تقوم به سوريا
وأجهزتها في تمويل وتشجيع عمليات النسف والتفجير التي أدمت العراق
وحكومته التي يتصدرها الشيعة لعدة سنوات وهو اتهام (حال ثبوته) يتناقض
جذريا مع التهمة الأخرى الموجهة للنظام السوري باعتباره ركيزة هامة من
ركائز التمدد الشيعي في المنطقة حيث سقط نتيجة هذه العمليات عشرات
الألوف من الضحايا أغلبهم من الشيعة.
المعنى ألا أحد يمكن أن يزايد على السوريين في (براجماتياتهم) ولا
في تفضيل مصالحهم حتى على مصالح أصدقائهم بمن فيهم الإيرانيون!!.
المثير للدهشة في هذا التقرير أنه يضع على عاتق (عزت أبو الثلج
العربي القومي) الذي يقيم في العاصمة السعودية الرياض (حسب التقرير)
نفس المسئولية الموضوعة سابقا على عاتق صدام حسين التكريتي يوم أن كان
في قمة مجده وزهوه وقوته يوم أن كان حامي حمى البوابة الشرقية للأمة
العربية, بينما تبقى خيارات (أبي الثلج) محصورة بين مواصلة إرسال
المفخخات والانتحاريين من أجل تخريب العملية السياسية الجارية في
العراق بعد أن قطعت أشواطا بعيدة ووضع شروط للمصالحة من أجل الدخول في
العملية السياسية.
إحياء العروبة وتوحيد البعث!!
الغالب على الظن صحة نسبة بعض ما جاء في هذا التقرير إلى أوساط صنع
القرار الدولي التي تبحث عن مرتكز بديل يغنيها عن مواصلة استخدام هيعة
التبشير الشيعي في مواجهة ما يسمى بالخطر الإيراني خشية (من انشقاقات
الشيعة المحتملة فى عدد كبير من دول الخليج) حسب النص الوارد بعد أن
أدرك كبار المخططين خطورة مواصلة سياسة النفخ والتهييج المذهبي وآثارها
الارتدادية على وحدة وتماسك المجتمعات الخليجية الهشة من الأساس.
إنها إذا سياسة إعلان المواجهة بين العرب والفرس وهي المهمة التي
يزعم التقرير أنه سيجري إسنادها إلى النظام السوري ولا أظن أن هذا
النظام البراجماتي يمكن أن يرحب بهذه الدور الذي أصر على عكسه طيلة
العقود الثلاثة الماضية.
العرب بين الهجوم والدفاع
يبدو واضحا أن الاعتدال العربي قد فقد الكثير من قدرته على المبادرة
الهجومية ولم تعد الأمور كما كانت عشية شن عراق صدام حسين حربه على
إيران سنة 1980 فقد تغير العالم بأسره ونضبت أو تقلصت العوائد النفطية
التي كان من الممكن استخدامها في تمويل الحروب الكبرى ولم يبق لهم إلا
حروب الدعاية والإعلام.
من ناحية أخرى فالنظام السوري ومن خلال تحالفه مع إيران قد تمكن من
الصمود في مواجهة تلك الموجة العاتية الهادفة أولا إلى إسقاطه وثانيا
إلى إجباره على تغيير سياسته وفصم تحالفه مع إيران ويمكن لمن حضر مؤتمر
دعم القضية الفلسطينية الذي عقد في طهران الأسبوع الماضي ومن خلال
ملاحظة حجم الوفد السوري الذي جاء تاليا لحجم الوفد الفلسطيني وجلهم من
القوميين العرب ومن خلال ملاحظة حجم حضور التيار القومي أن يدرك أن هذا
التيار وبرغم المرارة التي ما زال البعض منهم يشعر بها لفقدان النظام
الصدامي أصبح يرى في إيران حليفا طبيعيا للعرب ولا يمكن أن يكون عدوا
لهم.
يبدو الآن واضحا استحالة جر التيار القومي العربي وخاصة بعد معركة
غزة ومن خلال اطلاعنا على ما يطرحه رموز هذا التيار الذين تواجد معظمهم
في طهران إلى معركة أخرى على شاكلة قادسية صدام الانتحارية التي دفع
الفلسطينيون أثمانا غالية بسببها.
لم يبق إذا لمحور الاعتدال العربي إلا أن يشهر سلاح (عزت أبو الثلج
العربي) الذي يسرح ويمرح الآن في بعض بلدان الخليج.
القصة في تقديرنا لا تعدو كونها مادة ألهبت خيال كاتب هذا السيناريو
أو الخطة الوهمية التي لا تقدم ولا تؤخر ولا يمكن لها أن تغني عن تحالف
عربي إيراني تركي فهو وحده القادر على الاستجابة لاستحقاقات المرحلة
المصيرية التي تواجهها شعوب المنطقة.
Arasem99@yahoo.com |