من المسؤول؟

محمد علي جواد تقي

بالرغم من إنها مهمة وأساس في ثقافة كل مجتمع ناهض وطموح، إلا ان (المسؤولية) باتت مفردة فضفاضة ، مترهلة لاتثبت على حال أو وضع ما لتقومه وتعيده الى الطريق الصحيح، فظلت أوضاعنا الاجتماعية والثقافية والسياسية وحتى الإنسانية، دون إطار أو معيار يحدد مسؤولية الإنسان أو الفرد داخل المجتمع، وفي مجتمعنا العراقي بات الحديث عن (المسؤولية) ضرباً في المثالية أو تكريساً للشعاراتية، لذا كل خطأ جائز، وكل اختلاس متوقع، وأي تسيّب طبيعي و... والسبب يعزوه الناس الى أن جميع (المسؤولين) منتفعين، فما بالنا نفكر بـ(المسؤولية) ولم نحصل على شئ؟!

واذا أضفنا الوضع العقائدي في المجتمع وخلوه من (المسؤولية)، نكون أمام آفاق غير سعيدة لمستقبل الشعب العراقي، نظراً لأن العقيدة هي المادة الأساس القادرة على هداية الفكر الى الصلاح والسعادة، وربما يكون من حق الناس في الوقت ألا يفكروا بهذا الفراغ إزاء القضية العقائدية ومستوى التديّن لاسيما في المدن المقدسة، نظراً للوضع المعيشي والخدماتي وجدار الثقة المتآكل بينهم وبين عموم المسؤولين في الدولة، ولعل الحديث الشريف يؤكد هذه المقولة الى حدٍ كبير: (من لامعاش له لا معاد له)، لكن هذا لا يلغي بأي حال من الأحوال الحقيقة الساطعة لمحورية الدين في حياة الانسان، وهذا ما يخشاه الحكام في كل زمان ومكان، ومثالنا القريب نظام صدام البائد الذي حارب الدين والمتدينين، تارةً، وسعى لتهميشهم وتحييدهم تارةً أخرى، والسبب كان واضحاً، أن الدين يدعو الانسان للتولي والتبرؤ قبل أن يسمو به الى العلا والرقي والسعادة، ونبذ جميع الولاءات الأرضية والدنيوية، ومنها الولاء للسلطان الخارجي وهو الحاكم، والسلطان الداخلي وهو الشهوة بمختلف أشكالها، لكن أين المحصلة النهائية لذلك الصراع المرير؟

المحصلة واضحة للعيان، فقد دفع الطرفان ثمن هذه المواجهة المكشوفة، نظام صدام من جهة وأبناء الشعب العراقي من جهة أخرى، فصدام دفع حياته السياسية ثمناً للمواجهة الخاسرة مع قيم ومبادئ الشعب العراقي وإرثه الحضاري الممتد الى أربعة عشر قرناً من الزمان، أما الشعب العراقي فقد دفع ثمناً باهضاً بملايين الضحايا بسبب بقاء صدام في السلطة وخوضه تلك الحرب الخاسرة والعبثية.

وفي إحدى مؤلفاته يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (حفظه الله)، (إن الحركة الاسلامية إضطرت خلال سني السبعينات لتقديم التضحيات الجسام واسترخاص الدماء لملء الفراغ الديني والعقائدي الموجود في المجتمع)، وإلا لما كان أبناء الحركة الاسلامية مشغولون في خوض المواجهة المكشوفة والعنيفة مع نظام صدام، ولكان المسار – آنذاك- قد اتخذ طابعاً ثقافياً واجتماعياً مثمراً.

وبعد كل ذلك هل نفهم المسؤولية أزاء الدين والعقيدة في مجتمعنا المسلم على شاكلة المسؤولية التي طالما تحدث عنها البعض فيما يتعلق بـ(العملية السياسية) أو التجربة الديمقراطية أو القضايا الأخرى المختلفة، وإن كانت كلها مهمة وبحاجة الى تحمل المسؤولية الجماعية؟ والمثير في أمر التجربة الديمقراطية ما بلغني من إحدى النسوة في كربلاء المقدسة أن بعض النسوة في إحدى مجالس التعزية على مصاب الإمام الحسين (عليه السلام)، كن يرددن الدعوات بضرورة المشاركة في انتخابات مجالس المحفاظات الذي جرى مؤخراً، وعدم التهاون والاختباء برداء اليأس، وإلا (سيأتي أناس يخلعون العباءات من رؤوسكنّ)!

إنه تحذير عنيف وفاعل لدفع الناس الى صناديق الاقتراع ، بصرف النظر عن انتماء تلك النسوة ودوافعهن، فالمحصلة العامة ايجابية، لكنها متأخرة ومحكومة بالظرف الزماني الخاص، فيما ارتداء العباءة واحترام قدسية الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وتفهّم القيم الدينة والاخلاقية لا يرتبط بزمان أو مكان، مثل المال الذي يجب أن يكون تحت يد الرجل باستمرار وإلا إختل وضعه بشكل عام، وإذن؛ الحفاظ على القيم الدينية، مسؤولية الجميع دون استثناء. لكن كيف ذلك؟ وهل نكون من الذين يُكرهون في الدين؟!

لايغيب عن أذهاننا قول البارئ عزّ وجلّ "لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لاانفصام لها والله واسع عليم"، فهنالك رُشد وهنالك غيّ، كما هنالك طاغوت وهنالك الله تبارك وتعالى، فالطاغوت الشخصي جربه الناس طيلة عقود من الزمن، واليوم أمام تجربة طاغوت النفس في كل يشهده الواقع من اسقاطات ومنزلقات كارثية في السياسة والاقتصاد والمجتمع، وأمامنا الله تبارك وتعالى، الذي قال الكثير أنهم (عملوا في سبيل الله) سعياً للاطاحة بذلك الطاغوت، فيما تأكد للناس بان هذا الطاغوت أكثر ما حارب وقارع حتى الموت هو الدين.

وعليه فان مسؤولية الحكومة الحالية في الدفاع عن القيم الدينية تعود الى التضحيات الجسام التي قدمها ابناء الحركة الاسلامية في الحقبة الماضية وفي أجزاء كبيرة من الوطن، أما الناس فان مسؤوليتهم ناشئة من التجربة المريرة الماضية التي أوجدت نظاماً لادينياً بسبب التهاون في الدين، أما من لا دين لهم ولا يؤمنون بالمعاد فننصحهم بأن (يكونوا أحراراً في دنياهم) كما قال معلّم الانسانية الإمام الحسين (عليه السلام)، ويحترموا الدين والمتدينين، ولا نظنهم يقبلون أن يكونوا عبيداً لطلبوا من الآخرين أن يكونوا عبيداً مثلهم. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 1/نيسان/2009 - 4/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م