تطور النزعة العدائية تجاه الفكر والوجود الشيعي

في ضوء النظرية الامريكية في تفجير المجتمعات

د. وليد سعيد البياتي

توطئة:

لست هنا بصدد وضع دراسة تاريخية تقليدية عن عداء أصحاب المنهج القبلي للفكر الشيعي، ولاتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، فهذا العداء قد ترسخت جذوره في المراحل الاولى للتاريخ الاسلامي، والتي تأسست للوقوف ضد علاقة الرسول الخاتم باخيه وأبن عمه الامام علي عليه السلام، لتي حددها الرسول الخاتم في حديثه الشريف: " ياعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لانبي من بعدي ".

هذا الحديث الذي مثل حكما إلهيا باعتبار عصمة الرسول الخاتم وانه: " وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى " النجم/2-3.

دراسة تحليلية لاهم الاحداث:

من هنا أدرك الخط القبلي المتمثل بالرافضين لامامة الامام علي عليه السلام خطورة هذا الامام على نهجهم الارتدادي، فعندما يقول ابو سفيان قولته الشهيرة بعد تولي عثمان للخلافة: " تلاقفوها بني امية فوالذي يحلف به ابو سفيان آمل ان تصير لفتيانكم " ، هذه الرؤية ليست استقراءا غيبيا لاحد قيادات الاتجاه القبلي، بل لانها منهجا توارثه الخط المعادي للرسالة ولاهل البيت ولمن تابعهم. فثمة خطة محكمة لاقصاء أهل البيت عليهم السلام عن ما اراده الله لهم، ألم يطرح اتباع المنهج القبلي مقولتهم الشهيرة: " لاتجتمع النبوة والخلافة في بيت بني عبد المطلب "، فهذه الرؤية ليست استفزازا تاريخيا ولكنها منهجا ارتداديا لعودة الاتجاه القبلي الجاهلي للسلطة، ويمكن من خلال استقراء تاريخي وعقلي تبيان مراحل هذه الخطة:

 أولا: مراحل عصر الرسالة:

المرحلة الاولى: إغتيال القيادة الاولى: وقد شهدت محاولات إغتيال الرسول الخاتم منذ أن كان في مكة، وبعد هجرته إلى المدينة المنورة.

المرحلة الثانية: مرحلة الحروب: وقد تخللتها محاولات إغتيال متعددة عبر خيانات الاطراف المتحالفة، ونقض المعاهدات، ومحاولات قتل اكبر عدد من المسلمين.

المرحلة الثالثة: بعد تعيين الوصي (امير المؤمنين علي عليه السلام في غدير خم): وقد شهدت هذه المرحلة، محاولة اغتيال الرسول الخاتم في قضية (العقبة) بعد عودته من حجة الوداع، والتاريخ يحفظ لنا اسماء اصحاب هذه المحاولة، التي اعلم الله بها رسولة عن طريق الوحي ثم نجاه من اعداءه.

ثانيا: مراحل عصر الامامة:

المرحلة الاولى: أغتيال القيادات الاولى(الائمة): بين تولي امير المؤمنين علي للامامة بعد وفاة الرسول الخاتم سنة 11 للهجرة) ممثلة بعدد من المحاولا اولها كان اقتحامهم لبيت السيد فاطمة الزهراء عليها السلام ومحاولة احراق البيت على من فيه وقد قال البعض لعمر: " أن فيه (في البيت) فاطمة " ، فقال (وإن). راجع أعلام النساء4/14، الامامة والسياسية لابن قتيبة 1/12، السقيفة والخلافة، عبدالفتاح بن مقصود/14.

وكان في الدار (علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وعمار بن ياسر وابو ذر الغفاري وسلمان المحمدي وعدد أخر من الصحابة فيهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله) وبين توليه للخلافة سنة (36 للهجرة) ثم مقتله عليه السلام في مسجد الكوفة سنة (40 للهجرة) إلى مقتل الامام الحسن بن علي سنة (50 للهجرة ) ثم مقتل الامام الحسين عليه السلام سنة (61 للهجرة).

المرحلة الثانية: أغتيال الشيعة: وهي مرحلة قادها معاوية بن ابي سفيان، فبعد ان وجدوا ان اغتيال الائمة قد زاد في ولاء الشيعة لهم وتحملهم الظلم والقهر من اجل أهل البيت عليهم السلام، نجد ان بني امية قد افرغوا جهدهم في ملاحقة الشيعة، حيث اخذوا بملاحقة اصحاب امير المؤمنين الامام علي عليه السلام أمثال: (صعصعة بن صوحان، حجر الكندي، ميثم التمار وغيرهم كثير)، والجزء الثاني من هذه المرحلة أي بعد كربلاء (61 للهجرة) وقاد هذه الحملة في هذه المرحلة يزيد في واقعة (اقتحام المدينة المنورة – واقعة الحرة) وهتك حرمتها وحرمة اتباع الامام علي والحسين فيها.

المرحلة الثالثة: وهي مرحلة ما بعد كربلاء سنة (61 للهجرة) وحتى الغيبة الكبرى سنة (329 للهجرة) وفيها تم إغتيال الائمة عليهم السلام وهم (على زين العابدين، محمد الباقر، جعفر الصادق، موسى بن جعفر، علي بن موسى الرضا، محمد الجواد، علي الهادي، والحسن العسكري)، حيث تناوب على اغتيالهم الامويين وبعدهم العباسيين، ويكفي مراجعة مقاتل الطالبيين ليقف الانسان على حجم الجرائم التي ارتكبت بحق أهل البيت عليهم السلام.

ولم يسلم الشيعة من الامر فقتل الشيع اصبح من ضرورات الحكم حتى أنه لاتجد من كانوا يسمون بالخلفاء إلا ولوثت ايديهم بقتل الشيعة وترويعهم، وتهجيرهم، ففر العديد منهم هربا من الظلم والقهر ووقع الكثير تحت سياط التعذيب، وفي سجون الحجاج بن يوسف الثقفي وامثاله من كبار طغاة العصور. وقد صدق الشهرستاني في الملل والنحل حين قال: ما سل السيف في قضية كما سل في الامامة ". راجع الملل والنحل للشهرستاني.

الحركة الوهابية يد بريطانيا وامريكا في قتل الشيعة:

  لم يعرف التاريخ الحديث والمعاصر حركة سياسية تلبست لباسا دينيا لقتل خصومها كما فعلت الحركة الوهابية التي أسستها ورعتها الحكومة البريطانية على يدي ضباط المخابرات البريطانية في ذلك الوقت من أمثال: (الكابتن شكسبير، وبرسي كوكس، وجون فيليبي). ويمكن اعتبار هؤلاء وخاصة الاخير من مؤسسي دولة ابن سعود/ راجع الوثائق البريطانية. فالحركة الوهابية التي تمثل أكر الحركات تحجرا في المفهوم الاسلامي، والاضيق أفقا، كما هي الابعد عن واقعية الشريعة السمحاء، قد شرع فقهائها نظرية قتل الشيعة، لتصبح اول تشريع اسلامي لقتل المسلمين تحت أية ذريعة ودون الاعتبار لمعايير شرعية جاءت بها الرسالة السمحاء في تحريم القتل وإكبار حرمة الانسان، فالاسلام الوهابي اسلام صنعته السياسة البريطانية في مطابخ مخابراتها ثم تسلمته المخابرات الامريكية التي استلمت ارث الامبراطورية البريطانية العجوز.

ففي الوقت الذي ظهرت فيه أراء لعدد من فلاسفة الغرب يعيدون فيها تقييمهم للفكر الاسلامي باعتباره فكرا خلاقا وذو رؤى مستقبلية، ويضعون شخصية الرسول الاعظم في موقع الصدارة كرجل فكر واصلاح اجتماعي وانساني وقد اخترت هنا نموذجين:

الفيلسوف الإنجليزي برناردشو يقول:

( إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد هذا النبي الذي وضع دينه دائما موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى الأديان على هضم جميع المدنيات، خالدا خلود الأبد، وإني أرى كثيرا من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (اوربا).

ويضيف: (إن رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجة للجهل أو التعصب، قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة، لقد كانوا يعتبرونه عدوا للمسيحية، لكنني اطلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبة خارقة، وتوصلت إلى أنه لم يكن عدوا للمسيحية، بل يجب أن يسمى منقذ البشرية، وفي رأيي أنه لو تولى أمر العالم اليوم، لوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها).

ويقول الخطيب والشاعر الفرنسي (لومارتين):

(إذ كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات، فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانيهم، ولكن هذا الرجل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويؤسس الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ، ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة.)

ويقول أيضا: (لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر من الله، كان طموحه موجها بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك، حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته صلى الله عليه وسلم وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع، بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله ، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث، فالشق الأول يبين صفة الله وهي الوحدانية، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة للحوادث)، لتحقيق الأول كان لابد من القضاء على الآلهة المدعاة من دون الله بالسيف، أما الثاني فقد تطلب ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة).

موقف الفلسفة الغربية الاستعمارية المعاصرة:

لقد اقلقت هذه الرؤية المتقدمة للاسلام افكار منظري السياسة الاستعمارية في عصر الكولينيالية وما بعدها، حيث ان الفكر الاسلامي يقف على النقيض من التوجه الاستعماري، ففي الوقت الذي أكتشف فيه معظم فلاسفة الغرب عبقرية الفكر الاسلامي والنظرة المستقبلية للرسول الخاتم (صلوات الله عليه وآله)، ليس باعتباره قائدا لامة ولكن باعتباره يمثل مستقبل البشرية، في ذاك الوقت كانت هذه النظرة الايجابية تمثل موقفا سلبيا لدى واضعي الفلسفة الاستعمارية، فظهرت رؤية جديدة قادتها الاستخبارات البريطانية تدعو إلى نقض التاريخ الاسلامي وتدمير المجتمع الاسلامي عبر تقديم فكر اسلامي هامشي، فكانت فكرة نظرية جمع الاسلامي السلبي ممثلا بمحمد بن عبد الوهاب والاتجاه العشائري ممثلا بعبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود، أن مذكرات كل (المس بيل، وبيرسي كوكس، وجون فيلبي) تشير إلى هذه الرؤية، ولاننسى بالتأكيد ذلك الجاسوس العريق (لورنس) حيث اشار اكثر من مرة إلى إمكانية إستغلال الاسلام السلبي لضرب الاسلام الرسالي وتحطيم القيم والمفاهيم الاسلامية الاصيلة، ولاشك ان ظهور الحركة الوهابية واكب ظهور افكار تأسيس وطن قومي لليهود، مما ادى بالتالي إلى تعاون مباشر رعته المخابرات البريطانية.

من هنا يذكر حاييم وايزمن (اول رئيس لاسرائيل) في مذكراته:

" إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الاول، والمشروع الثاني من بعده إنشاء الكيان الصهيوني بواسطته، ويضيف نقلا عن (تشرتشل) الرئيس الاسبق للحكومة البريطانية في حديث له في 11/3/1932 مع وايزمان: إني وضعت مشروعا لكم ينفذ بعد نهاية الحرب (الحرب العالمية الثانية) يبدأ بان ارى ابن سعود سيدا على الشرق الاوسط وكبير كبرائه على شرط ان يتفق معكم أولا، ومتى قام هذا المشروع عليكم أن تأخذوا منه ما أمكن وسنساعدكم على ذلك ... ".

من هنا يمكن أن نفهم عداء آل سعود للشيعة وللفكر الشيعي عموما، و للشخصيات والحركات الشيعية خصوصا، من هنا ايضا نفهم عداء النظام السعودي لحزب الله، فهذا العداء يبنى على شقين، الاول هو ان حزب الله يمثل القوى العسكرية الاسلامية المعادية لاسرائيل صديقة آل سعود، والثاني انه يمثل الاتجاه الفكري الصامد ضد التغيرات والمرتكز على اصالة الرسالة السماوية والذي يقف على النقيض من الاسلام السلبي لابن سعود وللحركة الوهابية.

تفجير المجتمعات:

تمثل هذه الرؤية الجزء الثاني أو المرحلة اللاحقة من (نظرية الفوضى الخلاقة)، فالفلسفة الامريكية المعاصرة في السياسة الخارجية والتي يقودها اليمين المتطرف تعمل على الانتقال لهذه المرحلة في عهد الرئيس باراك اوباما الذي سيجد نفسه منساقا للخضوع لها، فالادارة الامريكية لا تريد التراجع عن سياساتها الخارجية حتى وأن اضطرت لبعض التعديلات، ففرض مناهج الديمقراطية الغربية في مجتمعات تتمثل بها قيما أخرى كالاسلام مثلا سيؤدي إلى محاولة اخضاع الفكر الاسلامي لمفاهيم الديمقراطية الغربية وليس العكس، حيث لايقبل منظروا الفلسفة الغربية أخضاع آرائهم للفكر الاسلامي، من هنا تحتاج الفلسفة الاستعمارية إلى ايجاد بنى تحتية لنموها في هذه المجتمعات، وهذه البنى تقوم على نشر الاسلامي السلبي ممثلا بالحركة الوهابية.

هذه المرحلة بدأت تشهد تطورا دراماتيكيا ضد الفكر الشيعي والشيعة عامة في عدد من البلدان التي لم تطرح هذه الفكرة سابقا، كما في الجزائر وتونس والمغرب، ففي الجزائر توقفنا طويلا امام المذابح التي قادتها الاستخبارات الفرنسية عبر تحريك الاسلام السلفي (الاسلام السلبي) في التسعينات من القرن الماضي، وفي المغرب وتونس استطاع المال السعودي استصدار رسائل عبر القيادات هناك ضد الشيعة كما حدث في مصر والاردن سابقا، في المقابل تسعى السلطات السعودية إلى ابعاد التهمة عنها على الرغم من أن ( 17 شخصا من أصل 19 ممن قام بتفجيرات 11/9 في نيويورك هم من اصول سعودية ).

إن نظرية تفجير المجتمعات هي في الاصل نظرية تدمير الفكر الشيعي وإن بدا ظاهرها انها ضد الفكر الاسلامي ككل، فعودة العداء ضد الشيعة بهذا الزخم الكبير وهذا الاندفاع اللامعقول ليست عودة عبثية وانما هي نظرية تم التخطيط لها منذ قبل اواسط القرن الثاني، وسنعود لبحث القضية في دراسة تحليلية معمقة تكشف الكثير من الحقائق.

* رئيس ومؤسس الاتحاد الشيعي العالمي (أتشيع)

المملكة المتحدة – لندن

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 1/نيسان/2009 - 4/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م