إيران في العراق: بين ضبط النفس المؤقت والتفكيك الدائم للشبكات بالوكالة

امريكا امام تحديات موازنة حالة الردع والدبلوماسية

 

شبكة النبأ: يبدو انه من السابق لأوانه القول بأن طهران قد خفضت من دعمها لـ(لمجموعات الخاصة) وعلى الأرجح، كما قال الجنرال الامريكي أوستن قبل حوالى شهر، تعطلت الهجمات المدعومة من إيران بسبب العمليات المشتركة بين القوات العراقية والقوات المتعددة الجنسيات، بالإضافة إلى دعوة السيد مقتدى الصدر لوقف العمليات العسكرية غير المصرح بها.

وبالمثل، فيما يتعلق بدعم الميليشيات، قال الجنرال اوديرنو، قائد القوات المتعددة الجنسيات في العراق، في اواخر العام الماضي، أن ايران تدير الأوضاع صعوداً وهبوطاً؛ وهذا يعني أنه ينبغي عدم الخلط بين ضبط النفس المؤقت والتفكيك الدائم للشبكات بالوكالة، التي أقامتها إيران منذ عشرات السنين.

وكتبَ مايكل نايتس، زميل مساعد في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج، مقالاً حول هذا الموضوع بعنوان" استمرارية حرب إيران بالوكالة في العراق" جاء فيه: في كانون الأول/ديسمبر 2008، وقبل وقت قصير من توليه منصبه، دعا الرئيس باراك أوباما إلى [الإنخراط في] "دبلوماسية صعبة ولكن مباشرة مع ايران”. وفي الوقت الذي تمضي فيه الإدارة الجديدة قدماً [في تنفيذ سياساتها]، يتعين عليها أن تدرك أن المفاوضات الأمريكية-الإيرانية ستجرى في الوقت الذي تقوم فيه إيران بقتل اميركيين في العراق وتزيد من دعمها لفصائل عراقية مسلحة. [وعلى هذا الأساس] يجب على إدارة أوباما أن تكون مستعدة، كسابقتها، لمواجهة التحدي في التفاوض تحت النار.

العمليات التي تم دعمها من قبل ايران عقب التغيير في العراق

ويربط الكاتب أفقاً واسعا من انواع التعامل فيقول، بالإضافة إلى الإستثمار الإقتصادي الكبير وبناء العلاقات بين أحزاب العراق السياسية، تقوم ايران ببسط نفوذها في العراق من خلال توفير التدريب، والمأوى، والمال، والمعدات للمسلحين العراقيين. لقد أدى تحليل وثائق استجواب غير سرية وغيرها من المعلومات المخابراتية التي تم نشرها من قبل "معهد دراسات الحرب" التابع لـ "مركز ويست بوينت لمكافحة الإرهاب"، و"نشرة الحرب الطويلة"، إلى الكشف علناً عن معلومات متفرقة كان يجمعها مهنيو الاستخبارات العسكرية لمدة تزيد عن خمس سنوات مفادها: أن ايران كانت تقوم بتطوير برنامج عمل سري في العراق دام عقود من الزمن، وهي عملية مرنة، وممولة تمويلاً جيداً، وغير محددة الزمن، تستخدم مجموعة واسعة من الوكلاء العراقيين.

يُدعى وكلاء إيران الأكثر تشدداً وشهرة في العراق "عصائب أهل الحق"، وكثيراً ما يشار إليهم بـ "المجموعات الخاصة"؛ وتتخصص هذه الخلايا في أنواع معينة من الهجمات "المعروفة باسمهم"، مثل استخدام الأسلحة أو مكوناتها المصنوعة في ايران، بما فيها القنابل التي توضع على جانب الطريق والتي يشار إليها بـ "المتفجرات الخارقة للدروع". وتكتسب ذخائر "المتفجرات الخارقة للدروع" أهمية خاصة نظراً لخطورتها؛ وعلى الرغم من استخدامها في 5-10 ٪ فقط من تفجيرات القنابل على جوانب الطرق، إلا أنها تسبب في حدوث 40 في المائة من الخسائر الامريكية.

تتكون معظم خلايا "المجموعات الخاصة" من أربعة إلى عشرة أشخاص، حيث تتجمع خلايا متعددة تحت رئاسة قادة إقليميين لهم خبرة طويلة في المخابرات الإيرانية. وهذه الخلايا هي شبه مستقلة، تقوم أحياناً بضرب أهداف محددة من قبل إيران (قواعد أمريكية أو [قتل] سياسيين ومسؤولي أمن عراقيين)، وأحياناً تقوم بأعمال هجومية حسب إرادتها، بما في ذلك اغتيالات لحسابها الخاص من أجل الربح!.

وفي بعض الحالات، لا سيما اختطاف وقتل خمسة جنود اميركيين في كربلاء في كانون الثاني/يناير 2007، أظهر هؤلاء "الوكلاء" نزعة مخاطرة ملحوظة في تعاملهم مع الولايات المتحدة. كما أن استخدام أسلحة جديدة إيرانية الصنع كان ظاهراً للعيان، وعكس تجاهلاً واضحاً للإنكار المقبول الذي كان في الماضي جانباً هاماً من جوانب الأعمال التي كانت "[تدار] بالوكالة عن إيران" وضد الولايات المتحدة.

تجدد الهجمات التي تدعمها ايران؟

وتابع الكاتب، منذ عام 2007، تعاني "المجموعات الخاصة" من اختلالات كبيرة حيث فقدت العديد من قادتها، ومخابئ أسلحتها، وملاذاتها الآمنة. ومع ذلك، وبحلول نهاية عام 2008، بدأت في العودة من ملاذاتها الآمنة في إيران من أجل استئناف عملياتها في العراق. وفي 4 شباط/فبراير 2009، قال الفريق لويد اوستن [الرجل الثاني في قيادة القوات الاميركية في العراق] "نحن نعلم أن بعض العناصر التي كانت تعمل مع المتطرفين الشيعة قد غادرت البلاد، وذهبت إلى ايران، وعادت، وقد قمنا بالقبض على... بعض هذه العناصر".

تعاني التقارير الصحفية حول ظهور "المجموعات الخاصة" مجدداً، من الكثير من التخلف. وفي كانون الأول/ديسمبر 2008، قال الفريق توماس ميتز، الذي يشرف على "برنامج وزارة الدفاع الأميركية لمكافحة الهجمات بقنابل مزروعة على جوانب الطرق"، أن استخدام "المتفجرات الخارقة للدروع" قد انخفض بشكل ملحوظ من 60-80 عملية شهرياً في أوائل عام 2008، إلى 12-20 بحلول شهر تموز/يوليو 2008.

ولكن بيان الفريق ميتز لم يعكس بأن استخدام "المتفجرات المخترقة للدروع" قد ازداد في مواقع رئيسية في أواخر عام 2008. وبحلول كانون الثاني/يناير 2009، جرت محاولات للقيام بستة عشر عملاً هجومياً بـ"المتفجرات المخترقة للدروع" في شرق بغداد وحدها، مقارنة مع ثمانية عشر عملاً هجومياً في نيسان/أبريل 2008 في ذروة المعركة [للسيطرة] على مدينة الصدر.

وبالمثل، في الربع الأخير من عام 2008، تم تنفيذ أربعة عشر عملاً هجومياً بـ"المتفجرات المخترقة للدروع" ضد القوات الامريكية في محافظة ميسان، وهي مفترق الطرق عبر الحدود العراقية-الايرانية لنقل الرجال والعتاد "للمجموعات الخاصة". كما تستمر الخلايا المتطورة والمختصة بـ"المتفجرات المخترقة للدروع"، في العمل حتى في [محافظات] البصرة وكركوك، وهذه الأخيرة هي خليط من الشيعة والتركمان والعرب.

وإلى جانب [ضلوعها في زرع] "المتفجرات المخترقة للدروع"، يمكن بوضوح ملاحظة يد إيران في الهجمات الصاروخية في جميع انحاء العراق. فإذا ننظر [على سبيل المثال] في إحدى الصفحات من كتاب لحزب الله اللبناني، نرى قيام "الجماعات المدعومة من إيران في العراق" بالتخصص في مجال استخدام صواريخ بعيدة المدى للقيام بهجمات على قواعد الائتلاف.

ولم يكن دعم طهران خفي: فقد زودت إيران صواريخ ضخمة من نوع Fajr-3 من عيار 240 ملم، تم التعرف إليها بصورة إيجابية من قبل الأخصائيين التقنيين "للقوات المتعددة الجنسيات" كصواريخ حديثة الصنع، وليس صورايخ BM-24 قديمة من عيار 240 ملم من عهد [الرئيس العراقي السابق] صدام حسين. وفي الأشهر الستة الأخيرة، تم إطلاق صواريخFajr-3 الإيرانية مرتين على المنشآت البريطانية في محطة البصرة الجوية، ومرة واحدة على المنشآت الامريكية في محافظة ميسان.

ومنذ ظهورها عام 2006، أسفر قذف الصواريخ الثقيلة من عيار 240 ملم عن مقتل أربعة من جنود التحالف وجرح واحداً وستين آخرين. كما تم العثور على مخابئ أسلحة تابعة "للمجموعات الخاصة" تحتوي على متفجرات من نوعMJ-1 وعبوات مزودة بوقود الصواريخ، جميعها إيرانية الصنع مع تواريخ الصنع مطبوعة عليها، تعود الأخيرة منها إلى عام 2008.

وفي الواقع، أصبح تهديد الصواريخ الذي ظهر مجدداً، واضحاً في "معتقل معسكر بوكا" بالقرب من ميناء أم قصر ومحطة البصرة الجوية (هذه الأخيرة تعرضت لإطلاق الصواريخ في 9 و 11 آذار/مارس). وفي الشهر الأول من عام 2009، تم إطلاق سبع عشرة قذيفة صاروخية، وذلك باستخدام عبوات مزودة بوقود الصورايخ ومتفجرات جديدة أُطلقت على القاعدة الامريكية الرئيسية في محافظة ميسان.

التأثير على التعاطي الأمريكي-الإيراني

واضاف كاتب المقال، سيكون من السابق لأوانه القول بأن طهران قد خفضت من دعمها "للمجموعات الخاصة". وعلى الأرجح، كما قال الفريق أوستن في شباط/فبراير، تعطلت الهجمات المدعومة من إيران بسبب العمليات المشتركة بين القوات العراقية و"القوات المتعددة الجنسيات" بالإضافة إلى دعوة مقتدى الصدر لوقف العمليات العسكرية غير المصرح بها. وبالمثل، فيما يتعلق بدعم الميليشيات، قال الجنرال رَي اوديرنو، قائد "القوات المتعددة الجنسيات" في العراق، في تشرين الأول/أكتوبر 2008، بأن ايران "تدير [الأوضاع] صعوداً وهبوطاً"؛ وهذا يعني أنه ينبغي عدم الخلط بين ضبط النفس المؤقت والتفكيك الدائم "للشبكات بالوكالة"، التي أقامتها إيران منذ عشرات السنين.

وفي الواقع، يمكن القول أن علاقة ايران مع "وكلاء" كهؤلاء هي أقرب من أي وقت مضى. فعلى سبيل المثال، سيزداد انفصال "عصائب أهل الحق" عن التيار الصدري الرئيسي مع محاولة زعيم التيار مقتدى الصدر تحويل الجزء الأكبر من "جيش المهدي" – وهي قوة شيعية شبه عسكرية موالية له - إلى حركة خدمات اجتماعية، ومع تشكيل التحالف السياسي الحديث التولد بين التيار الصدري الرئيسي ورئيس الوزراء نوري المالكي في أعقاب انتخابات المحافظات. علاوة على ذلك، فرضت الانتخابات الأخيرة عقاباً صارماً على المجلس الاعلى الإسلامي في العراق (ISCI)، الحليف السياسي الرئيسي لإيران، بسبب ما يُعتقد عن علاقاته [الوثيقة] مع ايران. وقد يعوض الدعم السري لجماعات مسلحة عن فقدان النفوذ السياسي.

لا بد من إدخال عامل الحرب الجارية ضد الولايات المتحدة والتي تدعمها إيران بالوكالة، في التخطيط لحالات الطوارئ المتعلق بأي حوار بين الولايات المتحدة وإيران. إن نزعة المخاطرة التي يتخذها "وكلاء ايران" واستخدامهم للمواد الإيرانية الصنع بصورة سافرة، يخلق خطراً دائمياً يتمثل في [تخطيط وتنظيم] حوادث اضطراب تؤثر على الوضع السياسي. وفي الواقع، قد يتعمد المتشددين من أعضاء "الحرس الثوري الإسلامي"، على استخدام مثل هذه الأساليب المفسدة إذا تم المضي قدماً في الحوار بين إيران والولايات المتحدة.

يمكن للولايات المتحدة ان تستفيد من الكثير من التجارب الحديثة للتفاوض تحت النار، ولكن تجربة بريطانيا مع إيران بعد عام 2003، تتحمل بصورة خاصة تمحيص دقيق. فكونها عضواً بارزاً في في فريق التفاوض التابع للاتحاد الأوروبي حول برنامج إيران النووي، كان على المملكة المتحدة مواصلة الحوار البناء حتى في الوقت الذي كانت تقوم فيه "القذائف الخارقة للدروع" والصواريخ الإيرانية بقتل قوات بريطانية جنباً إلى جنب مع قيام قوات حكومية إيرانية بخطف مواطنين بريطانيين. وفي مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية أجراها في شباط/ فبراير 2009، قال السير جون سويرز سفير بريطانيا لدى الامم المتحدة، بأن "الإيرانيين أرادوا أن يكونوا قادرين على التوصل الى اتفاق بحيث يوقفوا قتل قواتنا في العراق مقابل السماح لهم بالمضي قدماً في برنامجهم النووي".

واختتم الكاتب بالقول، من الجدير بالملاحظة أنه في الوقت الذي تبدأ فيه الولايات المتحدة بالتعاطي مع إيران، ستكون الإستفزازات والتهديدات شيئ عادي. إن تحقيق التوازن الصحيح – الإبقاء على حالة الردع أو إعادة إحيائها، مع الحفاظ على العمليات الدبلوماسية-- لن يكون سهلاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/آذار/2009 - 3/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م