تعدد الاحزاب خط احمر

الاحزاب التي تضحي بالتعددية هي ايضا ضحية

شبكة النبأ/ كتب المحلل السياسي

شبكة النبأ: أفرزت المتغيرات السياسية التي استجدّت في الساحة العراقية بعد سقوط النظام السابق جملة من السلوكيات السياسية الجديدة، وقدّمَت نفسها كبديل أكثر صلاحية مما كان سائدا في ساحة العراق السياسية إبّان النظام السابق.

ولعل العامل الإستفزازي الأكثر وضوحا الذي تشكلت ضده هذه السلوكيات هو شمولية الرأي والطابع الدكتاتوري الذي وسم حقبة العقود السابقة التي تحكمت بشؤون العراق والعراقيين، وقد تولدت وتنامت السلوكيات المضادة لذلك المنهج الشمولي إستنادا الى الرفض القاطع لذلك المنهج الذي كان قائما على الاقصاء والتهميش ومن ثم الانفراد بصنع القرارات وتنفيذها ايضا وحصر ذلك في شخصنة الدولة، ما أدى الى اخطاء سياسية قاتلة حدثت كإفرازٍ متوقع لسياسة التحجيم والتكميم وتسلط الرأي المنفرد في ادارة شؤون البلاد.  

والآن وقد ولّى النظام الشمولي ولفظ أنفاسه وأصبح منسوبا الى (خبر كان)، وحلّ محله الانفتاح السياسي وحرية الرأي وتعدد الاحزاب وممارسة الأنشطة السياسية بحرية لاتقيدها سوى المصلحة الوطنية، أصبح لزاما على من يهمه الأمر في ظل هذه الاجواء المنفتحة أن يعمل بقوة وصدق على ترسيخ مبادئ واضحة لطبيعة العمل السياسي في العراق الجديد.

ومن ضمن هذه المبادئ المتعلقة بممارسة الانشطة السياسية وأهمها هو الايمان بمبدأ التعددية الحزبية، والعمل على ترسيخه وفق أطر وبنود إجرائية (مدسترة) لاتقبل الضمور او التغيير او التراجع، فلقد دفع العراقيون كثيرا من الدماء والارواح من اجل القضاء على الرأي الشمولي المتمثل بشخصنة السلطات المتعددة للدولة وحصرها بيد القائد الأوحد ومن ثم ترسيخها وتقويتها لمبدأ الحزب الواحد الذي ذوَّب جميع الاحزاب العراقية في نسيجه ذي الطابع الشمولي.

لذلك وبعد ما عاناه العراقيون للاسباب المذكورة اعلاه، صار لزاما على الاحزاب العراقية بمختلف توجهاتها وأجنداتها المتقاربة او المتباعدة، أن تسهم بأقصى ما تستطيع لكي ترسّخ مبدأ التعددية واتساع المشاركة في صنع القرار مع وجوب انتهاج الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأن يتم ذلك وفق أسس متينة وتشريعات مدونة وقابلة للتطبيق يضمنها الدستور ويحافظ على تطبيقها بل وجعلها آلية عمل سياسي لايقبل التجاوز او التغاضي او الانتهاك تحت أي من الاسباب او الذرائع لهذا الحزب السياسي او ذاك.

فمن غير المسموح قطعا ان نسمح كعراقيين بإعادتنا الى المربع الأول، ومع ايماننا بأن عجلة الزمن تسير بإتجاه واحد، غير أن احتمالية ان يكرر التأريخ نفسه واردة، لاسيما اذا ما فقدنا فرصة الاستفادة من الاجواء المتحررة التي اتاحتها لنا المتغيرات الجديدة، ولايمكن أن يتم لنا ذلك من دون أن نرسّخ مبادئ محددة لطبيعة العمل السياسي.

بكلمة أخرى، إن على الاحزاب السياسية في العراق أن تعرف حدودها على نحو واضح وان تحدد اهدافها وتفهم ما هي صلاحياتها فيما يخص العمل السياسي وأن تؤمن وتجعل من مبدأ قبول الأحزاب الاخرى والتعاون معها دستورا لايقبل التجاوز عليه مستذكرة ما حدث للعراق وللعراقيين من كوارث ومآس عندما ألغى الحزب الواحد أحزابا عراقية وطنية اخرى وذوبها تحت ذريعة الوحدة الوطنية وما شابه.

إن الدروس المستقاة من تأريخنا السياسي المنظور تتيح لنا فرصة الاستفادة بقوة من اجواء العمل السياسي الحر الذي نعيشه الآن، ولكن الخوف كل الخوف من ان نسمح لأنفسنا بالعودة الى الوراء، ولذلك يتطلب هذا الامر جهودا مضاعفة تتعلق بإشاعة سلوكيات مضادة لتك التي كانت تجري في ظل المسار الواحد حينما كانت شخصية القائد الأوحد تختصر العراق بأكمله، ويمكن ان نقترح في هذا المجال عددا من البنود التي قد تسهم في ترسيخ مبادئ التعددية الحزبية في العراق:

1-   أن يُصار الى سن وثيقة خاصة بممارسة الأنشطة السياسية للاحزاب كافة، وأن تلتقي هذه الاحزاب لمناقشتها تحت سقف واحد والإمضاء على تطبيقها.

2-   أن تتفق جميع الاحزاب السياسية في العراق على تحريم ورفض سيطرة الحزب الواحد على مقاليد إدارة شؤون البلد كافة.

3-   أن تقوم المنافسة السياسية بين الاحزاب كافة، على حرية طرح البرامج والافكار المكتوبة والعملية منها، وأن تتفق هذه الاحزاب على تحريم العنف بكل أشكاله ضد بعضها البعض.

4-   أن تترفع الاحزاب عن دعم العناصر الفاسدة التي تنتسب اليها من أولئك الذين يتبوؤون مناصب هامة في الدولة، وأن تساعد السلطات القضائية على تجريمهم.

5-   أن تسود ثقافة الصراع الايجابي بين هذه الاحزاب، وأن تؤمن بقانون الأفضلية الذي ينص على هذا المعنى (لايصح إلاّ الصحيح).

6-   أن تتعهد جميع الأحزاب السياسية أمام بعضها البعض وبالتوثيق، العمل للمصلحة  الوطنية العامة في أفعالها وليس في اقوالها فقط، ولاتختزل هذه المصلحة لمصالحها الفئوية الخاصة، ومااكثر الاحزاب في التاريخ المعاصر اطاحت بالوطن والديمقراطية والتعددية الحزبية عندما غرقت في مستنقع مصالحها الفئوية.

ان الاحزاب التي تضحي بمبدأ تعددية الاحزاب لصالح تفردها واستحواذها ستكون هي ايضا ضحية تجاوزها لخط الديمقراطية وخروجها عن لعبة التداول السلمي للسلطة، عندما يطاح بها في انقلاب عسكري او سياسي، بعد ان اطاحت بالاخرين، كما يقول لنا ذلك التاريخ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/آذار/2009 - 3/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م