كيف يكون المرء حرا؟

زهير الخويلدي

الحرية لا تعطى بل تفتك

يرى البعض أن هناك تناقض حاد بين وجود الإنسان وماهية الحرية ونداء بين وجود الحرية وماهية الإنسان ويفسر ذلك بأن الحرية تستوجب القيام بفعل دون إكراه وغياب الضغط بينما يواجه الإنسان في اندراجه في العالم العديد من التضييقات وتعتصره عدة الزامات وتظل الحرية بالنسبة إليه مطلبا عصيا ومثلا أعلى لا قبل له فردا أو جماعة، وكلما تقدم به الزمن ومضى في الحياة إلا وازداد تعلقه بهذا الوهم وازدادت رغبته في الدنو من هذه القيمة الجميلة ولكن كل ما يفعله هو الغربة عنها والمزيد من الابتعاد عن جوهرها.

إن نموذج الفرد الحقيقي هو الإنسان الحر والذات المستقلة والشخصية المختلفة والإنية المتفردة وكلها صفات إنسية نبيلة تدل على الدرجة الرفيعة التي ينبغي أن يتبوأها هذا الكائن الرسالي والموجود الوسائطي بين عالم البهموت الداني وعالم الملكوت السامي. إن الحرية هي قيمة القيم والرهان الأكبر لأن إتلاف الطريق المؤدي إليها هو الخسران الأكبر.

عما تسائلنا الحرية عندئذ؟ وهل يحتاج الإنسان لمعرفة حدها من أجل أن ينشدها؟

إنها عزم على الوجود بغير تحفظ وقدرة على التحديد الذاتي وتجاوز كل القيود والانتصار على السائد وليست مجرد حرية اختيار بين ممكنات شتى أو فعل المرء لما يحلو له. إن معوقات الحرية كثر وأهمها المجتمع والطبيعة والاقتصاد والسياسة والثقافة ونقيضها هي العبودية والاغتراب والحيوانية.

هناك طريقان لتحصيل قبس من الحرية: الأول هو الطريق السلبي ويتمثل في حسن التعامل مع نقيضها وهي العبودية والحتمية والضرورة وقد اشتهرت مقولتين في هذا السياق هما الحرية وعي الضرورة والمقولة هي أن الضرورة تظل عمياء ما لم يوجد من يفهمها، نستخلص من هاتين القولتين أن التحرر من أسر الضرورة ممكن شرط أن يفهم الإنسان القانون الذي يتحكم فيه ويطوعه لنفسه.

الطريق الثاني هو الطريق الايجابي الاثباتي وهو أن يصادر الإنسان أن الحرية هي الوضع الأصلي ,انه حكم عليه أن يكون حرا لأن وجوده يسبق ماهيته ولذلك ينبغي أن يتحمل مسؤولية مصيره بنفسه لأن ما سيكون عليه هو وليد قراراته واختياراته.

بيد أن البعض من الفلاسفة يوحدون بين الطريقين السلبي والايجابي في مشروع واحد هو مشروع التجاوز والانتصار على الذات والارتقاء الى درجة الوجود الأشرف في مسار كينوني متكامل وأصيل.

خلاصة القول أن الحرية منظومة شاملة تضم الحريات السياسية في مواجهة غطرسة الدولة والحريات الفردية في مواجهة انغلاق المجتمع والأحزاب وهيئات المجتمع المدني وحرية المعتقد واقامة الشعائر الدينية في كنف التسامح والاعتدال في الملكية وتنقل فرص الاستثمار وحرية التفكير والنقد ضد التزمت الثقافي والتحجر العقائدي.

هكذا ننتهي إلى الإقرار بأن الحرية ليست بالأمر المستحيل ولا يوجد تناقض بين الإسلام وهذه القيمة طالما أنه دين الحرية بامتياز يبدأ بقول اللا ويثور على كل أشكل الاستغلال والزيف والعبودية ويدعو الناس الى العمل واتباع الخير ويحمل على الظلم والتعسف.

فمتى تتطرق التآويل إلى أن العبودية التامة لله هي منح الناس الحرية التامة كمبدأ تكليفي يستحقون عليه الثناء والجزاء؟

* كاتب فلسفي

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/آذار/2009 - 2/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م