خلال المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة والثانوية تزدحم في
ذاكرة جيلنا الذي أنهى دراسته في بداية السبعينات او الستينات وما
قبلها الكثير من الذكريات لأيامه الدراسية ومنها مثلا:-
توزيع الوجبة الغذائية ((الحمص والبيض والحليب) ورفعة العلم كل يوم
الخميس من كل أسبوع طيلة العام ورنة جرس المدرسة الذي كان عبارة من
قطعة من ((الشيلمان)) معلقة في الحائط قرب الإدارة يقوم فراش المدرسة
بطرقها بقضيب حديدي معلق الى جانبها حيث يدق الجرس حسب ايعازات إدارة
المدرسة في بداية كل حصة دراسية وبعد انتهائها.
كذلك ظل خالدا في الذاكرة المعارض الفنية المدرسية السنوية حيث يتم
الإعداد له خلال السنة بالإضافة الى النافسة بين المدارس في العاب
الساحة والميدان والكشافة والأشبال بملابسه الملونة وأشرطته الزاهية في
ملاعب المدن الرئيسية خلال فترة معلومة من كل عام بالإضافة الى
المنافسة بين المدارس في العاب الساحة والميدان والكشافة خلال فترات
محددة من كل عام ولتي يحضرها أولياء أمور وعوائل الطلبة لتكون حفلا
جميلا ممتعا،السفرات المدرسية الربيعية الجميلة والممتعة والمسلية
ولعبة التنس أوقات الفرص في ممر المدرسة.
كذلك هناك مهرجان أدبي ثقافي تقيمه بعض المدارس الإعدادية يشترك
فيه الطلبة بمساهماتهم الفنية والأدبية والثقافية في يوم مشهود في قاعة
المدرسة ولا يفوتنا أيضا النشرات الجدارية التي تتنافس من خلالها مختلف
الشعب والصفوف في المدرسة والتي كانت تصمم وتضمن بمختلف المواضيع
الأدبية والثقافية والعلمية بأقلام الطلبة وكانت تخصص جوائز خاصة
للفائزين والمتميزين من الطلبة المساهمين في هذه النشاطات اللا صفية
التي كانت تجعل من الطالب في شوق دائم للمدرسة واكتشاف الكثير من
المواهب والطاقات عن طريق هذه الفعاليات.
ومن ابرز ما رسخ في الذاكرة بشكل مميز هو زيارة المشرفين التربوين
الى المدرسة حيث تدخل الإدارة والطلبة وحتى((الفراشين)) في الإنذار
استعدادا لهذا لزائر المهيب حيث نلاحظ اهتماما غير عادي على معلمينا
ومدرسينا وهم يلقون محاضراتهم ويشرحون لنا الدروس مترقبين لحظة دخول
السيد المشرف الى الصف حيث يقف الأستاذ ويأمرنا بالقيام احتراما
وترحيبا بالأستاذ المشرف،بعد ان يشكرنا المشرف المهيب الأنيق يأخذ له
مكانا بين الطلبة او في أخير الشعبة في حين يستمر الأستاذ في مواصلة
محاضرته وقد يشترك المشرف في توضيح بعض الأمور واختيار نماذج عشوائية
من الطلبة لاختبار معلوماتهم في المادة موضوع الدرس. وبعدها يخرج شاكرا
استاذنا وشاكرنا لينتقل لشعبة أخرى.
بعدها يمكن ان نلحظ الغضب او الارتياح والرضا من قبل أساتذتنا
تماشيا مع ما عكسته إجاباتنا على استفسارات وأسئلة السيد المشرف وبيان
مدى استيعابنا للمادة،حيث نرى السيد المشرف يدون بعض الملاحظات قبل
خروجه من الصف.
علما بان بعض مديري المدارس كانوا بمثابة مشرفين دائمين وهم يتابعون
الدروس والمعلمين والمدرسين ومدى قدرتهم على إيصال المعلومة للطالب
والتزامهم في الوقت المحدد للمحاضرة وإلزام إكمال المادة المقررة حتى
ولو بدروس إضافية بعد الدوام الرسمي -مجانية طبعا- مع الاحترام الملحوظ
الذي يفرضه السيد المدير على الهيئة التعليمية او التدريسية في المدرسة
نتيجة كفائتة العلمية والإدارية وخبرته المشهود لها من قبل زملاءه دون
ان يفرض عليهم فرضا بناء على موقع حزبي او علاقة قربى بمدير التربية
وغيره.
لكن للأسف الشديد نشهد اليوم غياب كل هذه الممارسات في اغلب مدارسنا
اليوم حيث يذكر لنا أبناءنا وبناتنا بأنهم لم يشهدوا ولو زيارة واحدة
للمشرف لمدرستهم وان حدثت فلا تتجاوز إدارة المدرسة وتناول الشاي
والمرطبات دون الاطلاع على مجريات سير التعليم في المدرسة التي ابتلي
اغلبها بمعلمين ومدرسين غير أكفاء ولا يحبون مهنتهم ولا يملكون القدرة
على توصيل المادة للطالب ناهيك عن القدرة في التواصل والاحترام
المتبادل بينهم وبين طلبتهم في حين لا يكاد دور مدير المدرسة يذكر في
ضبط وتوجيه ومراقبة دوام وكفاءة هيئته التعليمية والتدريسية فتعم
الفوضى في المدرسة ويتكاسل المعلمين والمدرسين في أداء واجباتهم تجاه
طلبتهم، فليس هناك من يقدر ويقيم كفاءة وتفاني المدرس او المعلم
المواظب والجاد والمتمكن من مادته ويلفت نظر او يطور المهمل والركيك
والمرتبك وقليل التجربة بحيث أصبح بعض الطلبة يتندرون حول أخطاء
معلميهم ومدرسيهم.
هذا بالإضافة الى وباء الدروس الخصوصية التي البعض لا يهتم إلا
بالطلبة اللذين يعطيهم هذه الدروس مقابل مبالغ باهظة غير مباليا بمصير
بقية الطلبة.
وإذا كانت ولم تزل الكثير من الشواهد والأمثلة الرائعة لمعلمين
ومدرسين تميزوا بالأثرة والكفاءة والتمسك بأخلاق المهنة للمدرس والمعلم
– الذي كاد ان يكون رسولا- بالرغم من ظروفهم القاسية أيام النظام
السابق نشهد للأسف الشديد تردي مريع في أداء الواجب والكفاءة العلمية
والشعور بالمسئولية وعدم الالتزام بالضوابط المهنية والتربوية للعديد
من المعملين والمدرسين ونقصا مزمنا في مدرسي بعض الدروس بالإضافة الى
عدم كفاءة العديد من مديري ومديرات المدارس ولامبالاة مديريات التربية
بشكاوي الطلبة والطالبات على الرغم من الرواتب المجزية التي لا يمكن
مقارنتها بما سبق وهم يستحقون ماهو أكثر.
نرى ان جزء كبيرا من هذا الوضع لمؤلم يتعلق بتردي عملية الإشراف ان
لم يكن انعدامها بالاضافة الى عدم كفاءة ومهنية وحماس المشرفين ان
وجدوا وقلة وبيروقراطية وانعزال بعض مديري التربية اللذين جاء بهم
الوضع المضطرب ليشغلوا هذه المناصب دون استحقاق ضمن المحاصصات الحزبية
في تقاسم المناصب والمراتب.
ان العملية التربوية والتعليمية بحاجة ماسة ان إعادة نظر وتقييم جاد
من قبل ذوي اختصاص وخبرة وعقول متنورة ومفتوحة بعيدا عن الولائات
والاملاءات السياسة والحزبية الضيقة لمعاجلة حالة التدهور ألحاصل.
ومما يلفت النظر بروز ظاهرة المدارس الخاصة التي تعمل باجر لتكون
لأبناء الذوات وأصحاب الثروة والجاه لتجذب المدرسين والمعلمين الأكفاء
من المدارس الرسمية بإعطائهم الامتيازات والرواتب العالية وترك المدارس
الحكومية خاوية يقودها ويوجهها أشباه الأميين لتخرج اجيال من الطلبة
الفاشلين.
فلم نعد نسمع من أساتذة أبناءنا وبناتنا وصايا أساتذتهم ((ديروا
بالكم ولدي بيضونه وجه تره اليوم يزورنه المشرف!!)). |