يرجع الخبراء انتشار ظاهرة القرصنة البحرية إلى عوامل عدة أهمها
الظروف الاقتصادية والمعيشية السيئة في بعض الدول الساحلية لدرجة يتحول
معها بعض الصيادين إلى قراصنة، ومع سهولة ترويج المنهوبات في ظل انفلات
أمني داخلي وصمت خارجي يتشجع مزيد من العاطلين على ركوب المغامرة.
من ناحية ثانية، فإن ازدهار حركة النقل البحري في بحار مفتوحة دون
مراقبة،
وتسجيل مفتوح للسفن في بعض الدول دون مواربة، مما يشجع على انتشار
الظاهرة، خاصة مع ضعف الإجراءات الأمنية في بعض المواني، وضعف
التشريعات والإجراءات والعقوبات، بدليل أن المجتمع الدولي حتى هذه
اللحظة وبعد سنوات من تفاقم الظاهرة مازال يناقش كيفية التعامل مع
القراصنة حين القبض عليهم.
من ناحية ثالثة فإن نجاح أغلب عمليات القرصنة شجع على تكوين عصابات
منظمة من عسكريين سابقين ومن المليشيات العسكرية العاملة على الأرض
والتي استغلت التطور التقني الكبير للزوارق البحرية المسلحة مستفيدة
من حصيلة القرصنة.
وبتطبيق هذه العوامل على منطقة القرن الإفريقي وخليج عدن (الصومال)
نجدها تنطبق تمام الانطباق، وتنفرد بطول شواطئها، وطول حربها الأهلية.
وتتمثل صعوبات الموقف – للمنظمات الإقليمية والدولية – في الآتي:
1. استحالة مراقبة مياه خليج عدن والتي تزيد على مليون كم2 بعدد
محدود من السفن الحربية، وعلى حد تعبير الأدميرال (فيليب جونز) قائد
بعثة الاتحاد الأوربي للإغاثة في الصومال والمعروفة باسم (أتلانتا) "
سأكون أول من يقر بأن القوات البحرية لا يمكنها وحدها القضاء تماما على
القرصنة... وقد يكون لدينا قوة تضم مئات السفن ومع ذلك سيكون هناك
فجوات في دورياتنا في المنطقة ". ولعلنا نلاحظ هنا قوله مئات السفن،
وليس عدة سفن كما هوحاصل حتى هذه اللحظة.
2. استحالة التحرك على الأرض الصومالية في الوقت الراهن أوحتى
القريب في ظل الحرب الأهلية المستعرة هناك، وفي غيبة النظام والقانون.
3.. تحول القراصنة إلى قوة حقيقية يحسب لها ألف حساب، بعد أن صالوا
وجالوا طوال أربع سنوات أسروا فيها قرابة المائة سفينة، كان آخرها
ناقلة البترول السعودية العملاقة (سيريوس ستار) التي استسلمت لمصيرها
بشكل عجيب، بحيث بدا الأمر وكأن فأرا يقود الفيل قهرا، وتحول النجم
الخطير أو الآسر إلى نجم أسير، وهو ما يكشف أبعاد وخطورة القرصنة.
4. تطورت الظاهرة في المنطقة المذكورة وفي الفترة الأخيرة بشكل
لافت، ومؤشرات ذلك واضحة: -
أ. في هذه السنة فقط وصل عدد السفن التي تعرضت للاعتداء (95) سفينة
وكانت (31) سفينة في العام الماضي، و(10) سفن فقط في العام الذي سبقه
ولا ننسى أن هناك حالات كثيرة لا يبلغ فيها الربابنة وأصحاب السفن عن
تعرض سفنهم للقرصنة ودفعهم للفدية تفاديا لإجراءات التحقيق المطولة،
والتي تعني في النهاية التأخير في توصيل البضائع وما يترتب على ذلك من
غرامات.
ب. تمكن القراصنة في وقت قصير من تأمين مستلزماتهم العسكرية
والمدنية – من حصيلة الغنائم كما أشرنا – بحيث حصلوا على أسلحة متطورة،
كما حصلوا على معدات الكترونية حديثة تؤمن اتصالاتهم بالأقمار
الصناعية، وبحيث بات يخشى من اتصالهم بالمنظمات الإجرامية الدولية أو
اتصال الأخيرة بهم.
ج. تطورت تكتيكات القراصنة البحرية بعد أن أمنوا سفينتين كبيرتين –
يطلق على الواحدة السفينة الأم – وتحمل بداخلها زوارق مطاردة سريعة
تنقلها بعيدا عن المياه الإقليمية إلى أعالي البحار لملاحقة السفن
وإجبارها على الاستسلام.
د. شجع استسلام السفن التجارية بدون مقاومة كل من (هب ودب) على ركوب
المغامرة، ولعل نظرة على الصورة المرفقة لسفينة القراصنة، والتي أسرتها
البحرية الهندية تؤكد ذلك.
5. يرتبط بما سبق حالة من اليأس في مواجهة القرصنة، بانت في تصريحات
الناطقة باسم الأسطول الخامس الأمريكي بأنه – أي الأسطول - لا يمكن أن
يكون موجودا في كل مكان، ومن تصريحات (مايكل هوليت) مساعد مدير مكتب
الملاحة الدولية في لندن " بأن المخاطر تبدو ضئيلة والعوائد تبدو كبيرة
بالنسبة للقراصنة، وأنهم يعرفون أن حظوظ مقتلهم أواعتقالهم أثناء عملية
الاختطاف تبدو قليلة جدا ". وفي هذا السياق فإن ما ذكره د. وحيد عبد
المجيد في مقاله بالأهرام بتاريخ 9/ 12 / 2008 له دلالته حيث ذكر أن
الأمر يحتاج إلى آلاف من الزوارق البحرية، وهو وضع مستحيل بالقطع.
6. وهناك أخيرا صعوبة من نوع خاص ألا وهي انعدام التنسيق بين القوى
الكبرى والقوى الإقليمية، فالأخيرة ترى – وهذا حقها – أن أمن البحر
الأحمر
وخليج عدن مسؤولية الدول المطلة عليهما، في حين تتحرك القوى الكبرى
دون اعتبار لهذا الحق.
وبعد، فهذه هي المشكلة... فما هو الحل ؟
لنستبعد – أولا – تسليح السفن التجارية فهي عملية ليست علمية ولا
عملية فضلا عن أنه قد فات أوانها بالنسبة للسفن التجارية التي تمخر
عباب المحيط الآن.
لنركز إذن على حلين:-
الحل الأول: انتظام السفن التي تخرج من مضيق باب المندب أو تعود
إليه في قوافل تحميها بوارج بحرية عند إبحارها في منطقة القرصنة، وهو
حل تكتنفه صعاب كثيرة مثل:-
- تشعب الطرق الملاحية.
- تشعب المسؤولية الدولية.
- اختلاف الوزن والحمولة والكفاءة يؤدى إلى اختلاف في السرعات بين
- السفن المختلفة بما يعنى أن سفينة بطيئة قد تؤخر قافلة بحالها.
- التكلفة العالية لتشغيل بوارج الحماية.
- ضرورة توفير استعدادات خاصة لرسوبوارج الحماية للتزود بالمياه
والطعام والوقود والصيانة مما يفرز إشكالات إدارية وقانونية ومالية.
- صعوبة تحقيق نظام المناوبة بين البوارج والأطقم في مناطق تبعد
آلاف الأميال البحرية عن مواطنها.
- تجميع السفن في قوافل وهي خارجة من مضيق باب المندب سهل عمليا،
عكس الحال في حالة العودة.
أما الحل الثاني فيكون بتأمين السفن التجارية بواسطة المروحيات
المقاتلة – الهيلكوبتر – بواقع واحدة فقط، بحيث تحط هذه المروحية على
ظهر السفينة التجارية عند إبحارها في منطقة القرصنة لحمايتها عند
الحاجة.
وقبل أن نعرض ملاحظاتنا على هذا الحل، فإننا نشير إلى تغير في
التكتيك، وبدلا من أن نبحث عن (الفأر) الذي يهدد (الفيل) في طول الغابة
وعرضها فإننا نضع (مصيدة) على ظهر الفيل !
أما ملاحظاتنا فتتمثل في الآتي:
1. بدلا من الآلاف أو حتى المئات من زوارق الناتو التي تتحرك بدون
هدى بحثا عن المجهول في الغالب، فإن عدداً من المروحيات لا يتعدى الخمس
وعشرين يمكن أن يؤدى المهمة وبشكل أفضل. ذلك أن مجموع ما يعبر القناة
يوميا حوالي خمسين سفينة تتوزع بين رحلتي الذهاب والعودة، ولما كانت
المروحيات تنتقل من ظهر السفينة الذاهبة لتحط على ظهر السفينة العائدة
أو العكس – ونقطة ارتكازنا مضيق باب المندب - فإن عدد الطائرات المشار
إليه (25) يكفى لرحلتي الذهاب والعودة.
2. في حالة التبليغ عن تعرض إحدى السفن للاعتداء، ومن خلال غرفة
العمليات، فإن المروحيات القريبة من منطقة الاعتداء يمكن أن تشارك في
مهاجمة زوارق القراصنة، وذلك بناء على إحداثيات محددة وتحديد دقيق لمدى
الطيران وسرعة الوصول.
3. بناء على خطة مدروسة يمكن أن يحصل ربابنة السفن على خطة عمل من
خلال شفرات خاصة – تفاديا لأجهزة تنصت القراصنة – لهبوط المروحيات على
ظهر السفن وتحديد زمان ومكان هذا الهبوط بشكل تقريبي من السلطات
المصرية عند عبورها قناة السويس.
4. بناء عليه، فإن طيران المروحيات سوف يكون محدودا ويقتصر في
الغالب على الانتقال من سفينة إلى أخرى في اقرب نقطة للالتقاء.
5. بناء عليه، لا حديث عن مصاريف زائدة للتشغيل، لأن المروحيات تظل
رابضة أغلب الوقت على ظهر السفن التجارية.
6. إقامة أطقم المروحيات وإعاشتهم وتموينهم بالوقود يكون من خلال
السفن التجارية، وعند الحاجة للصيانة فإن المروحية تظل على ظهر السفينة
حتى تعود إلى قناة السويس.
7. في الأحوال العادية فإن أسطح السفن تكون مهيأة لهبوط مروحيات
لأعمال الإغاثة في حالة الطوارئ، وفي حالة ما إذا كان سطح السفينة غير
مهيأ كمهبط للمروحيات، فمن السهولة بمكان توفير منصات خشبية قابلة للفك
والتركيب لتوفير المهبط المؤقت.
هذا عن التكتيك، أما عن الاستراتيجية، فإن هذا الحل يحدث قلبا، وذلك
على النحو التالي:
1. إنهاء التناقض بين تصريحات المسئولين المصريين بعدم تأثر
الاقتصاد المصري بعمليات القرصنة، وتصريحات المنظمات الدولية بتحول
التجارة وشيكا إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
2. بروز الدور الإقليمي لمصر ودول البحر الأحمر دون استئذان من
القوى الكبرى ودون تعارض مع مجهوداتها، ولا يخفى أن الدول الكبرى لم
تلق بالا إلى مؤتمر القاهرة الخاص بالقرصنة، ولا لدعوة رئيس البرلمان
العربي الانتقالي (محمد جاسم الصقر) بأن حماية هذه المنطقة الحيوية
مسؤولية عربية في المقام الأول. وتستطيع مصر بمعاونة دول البحر الأحمر،
أو وحدها، توفير الطائرات اللازمة
وأطقمها، وإن كانت المساعدات الدولية أوالإقليمية تجعل الأمور أسهل
وأكثر كفاءة.
3. تفادى تدويل القضية والمنطقة، وتحويل الأمر من مجرد سرقة إلى
مواجهات إيديولوجية وعمليات انتحارية. ومن يتمعن في تصريحات أحد خاطفي
ناقلة البترول السعودية لوكالات الإنباء يدرك ذلك، فقد قال " ليس هناك
دليل على أن هذه الناقلة سعودية، إذ ليس عليها إلا سعودي واحد، ولوثبت
أنها سعودية فسنفرج عنها، ونحن لا نقتل مسلمين ". وهذا الفارق لا يدركه
الغرب، أوهم يدركونه ويتعامون عنه لتدويل المنطقة، لكن عواقب الجهل أو
التجاهل ستكون وخيمة، ونحن المصريين أول من سيكتوي بها.
* تربية عين شمس
Drefaat1122@yahoo.com |