ست سنوات على الحرب: إجماع على تجاوز المِحن وسط قلق هشاشة الانجازات

آمال تلوح بالأفق ومشكلات تنتظر الحسم

اعداد: صباح جاسم

شبكة النبأ: مع حلول الذكرى السادسة للحرب التي قادتها الولايات المتحدة في الـ20 من اذار مارس عام 2003 للاطاحة بنظام صدام واقامة ديمقراطية وليدة وانطلق معها عنان التوترات السياسية والعرقية والطائفية التي تسببت بسنوات من العنف المدمر، يبدو أن العراق يخرج الآن من أسوأ أعمال العنف في تاريخه الحديث بالتزامن مع جدولة دقيقة لخروج القوات الامريكية منه.

وما يؤكد ذلك هو أشارة العديد من المحللين الى، إن عاما آخر ونصف من المساعدة من جانب القوات القتالية الامريكية، وما يزيد عن عام ونصف مع مدربين امريكيين وقوات دعم، من شأنها أن تعطي العراقيين الوقت الكافي لحل ما تبقى من مشكلاتهم، ومن بينها النزاع العربي الكردي المتزايد في الشمال واستمرار الهجمات التي تشنها جماعات مسلحة.

في هذه الأيام، وكما تقول محطة صوت أميركا VOA الإذاعية ، جميع العناوين الرئيسة القادمة من العراق ايجابية، لا سيما أن الخسائر بين صفوف الجيش والشرطة والمدنيين بمستويات منخفضة، والاقتصاد في تحسن، والاستعدادات لجولة أخرى من الانتخابات تسير على ما يرام، والقوات الأمريكية تستعد لتقليص دورها والانسحاب التام في غضون 3 سنوات.

وتنقل المحطة عن اللفتنانت جنرال لويد اوستن، معاون قائد القوات الأمريكية في العراق، قوله “نحن قريبون من وضع امني دائم، لكننا لم نصل إلى ذلك بعد.” وقال إن القوات الأمريكية سوف تواصل تدريب القوات العراقية، وتوفير الدعم الجوي لها وقدرات أخرى لا تمتلكها. لكن التركيز الآن على تثبيت استقرار امني طويل المدى يوفره العراقيون بأنفسهم.

وقال اوستن “اعتقد أن الأمن المستدام يتطلب المزيد من قبيل امتلاك قوات الأمن العراقية للقدرة والطاقة للقيام بذلك لأنفسهم في المستقبل. وسنكون هنا لتوفير النصح لهم، وتزويدهم بالعناصر المساعدة عند الاقتضاء. نعم أنا واثق من أننا سنتمكن من انجاز هذه المهمة”.

وتضيف المحطة أن في الواقع هذا ما أمر به الرئيس اوباما الشهر الماضي عندما أعلن أن القوات القتالية الأمريكية ستغادر العراق بحلول آب أغسطس من العام المقبل، وسيتبعها انسحاب تام للقوات الأمريكية بنهاية العام التالي. فقد قال الرئيس الأمريكي إن أهداف الولايات المتحدة في العراق ينبغي أن تنجز، إذ أن “هذه الإستراتيجية قائمة على أساس هدف واضح وقابل للتحقق يتشارك فيه شعب العراق والشعب الأمريكي: ألا وهو عراق ذو سيادة، ومستقر، ومعتمد على نفسه”.

وترى المحطة أن العراق شهد الكثير من التقدم خلال العامين الأخيرين، وذلك يعزى بنحو رئيس إلى زخم القوات الأمريكية، ومقاربة مكافحة تمرد جديدة، وتطور الحكومة العراقية وقوات الأمن. لكن بعض المحللين، كما تستدرك المحطة، ومن بينهم المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، وين وايت، الذي يعمل الآن في معهد الشرق الأوسط، يقولون إن “من المبكر جدا إعلان النصر الآن، وان طريق الخروج من العراق قد يكون بصعوبة سنوات الحرب الأولى”.

يقول وايت إن “هناك أمورا كبيرة مجهولة. والكثير يتصرفون ببساطة كما لو أن كل شيء انتهى أو أننا ربحنا أو نجحنا، حيث أمامنا الكثير من الجسور التي علينا عبورها. فانا أرى متاعب. والسؤال هو ما هي درجة المتاعب التي سوف نراها. هل سنشهد عنفا بحجم لا يمكن احتواؤه بالشرطة الوطنية وقوات الجيش العراقي، ويتطلب تدخل الولايات المتحدة؟”

ولا يشعر وايت بالثقة في أن تكون قوات الأمن العراقية مستعدة لتولي كامل المسؤولية عن امن بلادها في السنوات القادمة. وقال إن “الخطأ الذي لا ينبغي ارتكابه يتمثل في وضع اكبر التشديد على كفاءة قوات الأمن العراقية. وقد فعلنا ذلك، كما تعلمون، في العامين 2005 و 2006 ما قد أضاعنا.”

لكن محللا آخر يعتقد، كما تنقل المحطة، أن خطة الرئيس الأمريكي تمتلك فرصة جيدة للعمل. إذ يقول مايكل اوهانلون من معهد بروكنغز إن “الأنباء السارة هي أن الحرب تسير إلى نهايتها. فالعنف المتصل في القواعد الشعبية، من الأسفل إلى الأعلى الذي شهدناه في الأعوام 03 و 04 و 05 و 06 و 07 قد انتهى في قسم واسع منه”.

وحذر اوهانلون من المبالغة في التفاؤل. لكنه يقول أيضا إن عاما آخر ونصف من المساعدة من جانب القوات القتالية الأمريكية، وما يزيد عن عام ونصف مع مدربين أمريكيين وقوات دعم، من شأنها أن تعطي العراقيين الوقت الكافي لحل ما تبقى من مشكلاتهم، ومن بينها النزاع العربي الكردي المتزايد في الشمال واستمرار الهجمات التي تشنها جماعات مسلحة.

وأضاف “اعتقد أن هناك فرصة جيدة، على أني أريد في المقام الأول منفتح الذهن على أمرين، بدءا من حقيقة أني سعيد جدا من أن بعد 18 شهرا لا يزال يتعين علينا الإبقاء على 50.000 عسكري في العراق وان مفهوم الانسحاب التدريجي سوف يستمر في أن يكون فلسفتنا التي نسترشد بها”.

وتذكر المحطة أن مسؤولين في البنتاغون يسارعون بالقول إن التقدم في العراق ما زال “هشا،” على الرغم من انه اقل هشاشة مما كان عليه في العام الماضي. فوزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس يقول ما تزال هناك مشكلات ينبغي حلها، وان “جذور الديمقراطية في العراق ما زالت غير متأصلة نسبيا.” لكنه قال الأربعاء الماضي إن بعد ما اسماه بـ”ست سنوات صعبة ومؤلمة،” بإمكان العراقيين أن يتطلعوا إلى مستقبل أفضل.

وقال غيتس “اعتقد أن الشعب العراقي اليوم، مع كل آلام الماضي، ربما سيكون لديه مستقبل أفضل لم يشهده أبدا. وتبدو هذه الآفاق أفضل مع كل يوم في أن العراقيين سوف يحلون هذه المشكلات سياسيا وليس بالسلاح. وهذا نمط حياة مختلف كثيرا”.

ويقول غيتس، حسب ما تنقل المحطة، إن العراقيين ينتخبون حكومتهم، وان قادتهم يحترمون القانون، ولدى البلد فرصة في نمو اقتصاد قوي. ومع دخول العراق السنة السابعة من الحرب، توقع غيتس أن يخرج البلد أفضل حالا مع إنهاء القوات الأمريكية انسحابها المقرر بنهاية العام 2011، أي بعد قرابة 9 أعوام على دخولها العراق.

عراقيون يتحسرون على الماضي وآخرون متفائلون

بعد مرور ست سنوات على الاجتياح الاميركي للعراق، ما زالت منى عبد الكريم تعتبر ان العشرين من اذار/مارس 2003 "اسوأ يوم واتعس ذكرى" في حياتها.

وتقول منى التي ترتدي حجابا وتفضل مناداتها بـ "ام ميس" بتوتر "كنت مع زوجي واولادي في المنزل حين بدا القصف ولم يكن هناك بث تلفزيوني او اذاعي وكان الطقس سيئا".وتضيف "كان حالنا افضل قبل الاحتلال كنا نعيش في ظل امن".

وتابعت زوجة الضابط المتقاعد "دمر جزء كبير من منزلنا في حي الجهاد (غرب) جراء قصف قوات الاحتلال".

وقد بدأ الاجتياح بقصف جوي وصاروخي عنيف في العشرين من اذار/مارس 2003، في اليوم الاول من العملية التي شارك فيها اكثر من 140 الف عسكري اميركي و23 الفا من 40 دولة اخرى ابرزها بريطانيا.

وقالت المراة الاربعينية بينما كانت تتبضع في حي المنصور الراقي، غرب بغداد ان "الاحتلال تسبب بالفوضى ثم اعمال العنف الطائفي التي اسفرت عن هرب زوج ابنتي وهو طبيب بعد تلقيه تهديدات من مجهولين".

وادى تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء في شباط/فبراير 2006، الى اندلاع موجة من اعمال العنف الطائفي اودت بعشرات الاف العراقيين وتهجير مئات الالاف منهم داخل البلاد والى الخارج. ومع ذلك، تعبر ام ميس عن املها في "تحسن اوضاع البلاد تدريجيا في المستقبل". بحسب رويترز.

من جهته، قال علي جعفر الاربعيني صاحب محل للمجوهرات في حي المنصور ان الاجتياح ادى الى "انبثاق الحرية كما ان الديموقراطية تحققت بشكل كبير". واضاف جعفر الذي فقد عددا من اصدقائه في اعمال العنف الطائفي ان "ثمن الحرية يستحق تقديم ارواحنا (...) استطيع اليوم ان اشتم اي مسؤول في البلاد في ظل حرية كاملة".

واشار الى ان "الشارع حيث اعمل منذ عشرين عاما كان خاليا تماما معظم الاوقات كما كانت المحلات التجارية مغلقة خلال العامين 2006 و2007".

ويرى جعفر وهو من الكاظمية (شمال بغداد) ان "العراق بحاجة الى سنتين اضافيتين ليتحقق الاستقرار والامن بشكل تام".

بدوره، قال علي كريم (35 عاما) من مدينة الصدر (شرق) والاب لطفلين ان "احلامنا الوردية لم تتحقق بل على العكس تبخرت امام صعوبات الحياة وقلة العمل والخدمات".لكن كريم الذي كان عسكريا اثناء الاجتياح ويعمل في احد فنادق بغداد حاليا قال "اذا عملنا بجد ونزاهة سنحتاج الى خمس سنوات على الاقل لتحقيق طموحاتنا".

وفي كركوك (شمال) المحافظة الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين العرب والاكراد والتركمان، قال راكان خلف المهندس الزراعي الخمسيني وصاحب مزرعة ان "ذكرى اجتياح العراق هي الاشد مرارة في حياتي".

وخلف لديه شقيقان معتقلان لدى القوات الاميركية. كما اضطرته الظروف الامنية الى التخلي عن مزرعته في نواحي كركوك.لكنه اضاف ان "الاحتلال بات امرا واقعا يجب التعايش معه"، معتبرا ان على العراقيين "العمل مع الاميركيين لتحقيق وحدة البلاد والاستفادة من قوتهم ليعود العراق قويا موحدا".

من جانبه، قال خورشيد عبد الله وهو كردي (48 عاما) ومقاتل سابق في قوات البشمركة، ان "الاميركيين حررونا من نظام صدام لكنهم ادخلونا في صراعات داخلية تحت ضغوط اطماع اقليمية".

وعبر عن قلقه حيال تدهور الاوضاع بعد انسحاب القوات الاميركية، قائلا ان "احوالنا ستكون اسوأ عند انسحاب الاميركيين".

وتنص اتفاقية امنية موقعة بين بغداد وواشنطن على انسحاب القوات الاميركية من المدن والبلدات في موعد اقصاه اخر حزيران/يونيو المقبل على ان يكون الانسحاب كاملا في نهاية العام 2011.

وفي البصرة (جنوب)، الرئة الاقتصادية للعراق والمنفذ البحري الوحيد لتصدير النفط، قال رياض وهاب حسن (58 عاما) الموظف في "شركة نفط الجنوب" "تحسنت اوضاعي المادية بشكل كبير بعد الاجتياح، فقد تضاعف راتبي عشر مرات (...) لقد تحقق حلمي بشراء سيارة".واضاف "نعيش الديموقراطية والحرية، والمستقبل سيكون زاهرا".

من جهته، قال ياسر حسين (45 عاما) صاحب محل تصوير في منطقة العشار في البصرة "لم استطع تحقيق اي مكاسب خلال السنوات الست الماضية بل على العكس فقد خسرت والدي الذي قتله مسلحون العام 2006، كما خسرت كثيرا من الاموال".واضاف ان "العراق بحاجة الى عشر سنوات لاستعادة عافية شرط ان يتم الانسحاب الاميركي قبل ذلك".

اما صباح احمد (33 عاما) وهو صحافي من النجف (جنوب) كان في ايران ابان النظام السابق، فقال ان "افضل شيء تحقق بعد اجتياح العراق هو عودتي للوطن" وتوقع "مستقبلا مشرقا للعراق".

انصار الصدر يجددون المطالبة برحيل الاحتلال

من جهته جدد التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، خلال صلاة الجمعة الماضية برحيل قوات "الاحتلال" من العراق، وذلك بالتزامن مع الذكرى السادسة لاجتياح البلاد.

وقال خطيب صلاة الجمعة في مدينة الصدر الشيخ حيدر الجابري "في كل يوم نعلن رفضنا للظلم والمحتلين". وتابع "في التاسع من نيسان/ابريل، نعلنها بزحف الملايين مهللين ومنشدين، اخرج اخرج يا محتل".

وقد بدأ الاجتياح بقصف جوي وصاروخي عنيف في العشرين من اذار/مارس 2003، في اليوم الاول من العملية التي شارك فيها اكثر من 140 الف عسكري اميركي و23 الفا من 40 دولة اخرى ابرزها بريطانيا. واضاف "يا ابناء العراق لاتقصروا بالحضور لرفض الباطل واهله".

وهتف الاف المصلين "اخرج اخرج يا محتل" و "اخرج اخرج يا كافر".واحرق المصلون العلم الاميركي في موقع الصلاة قرب مكتب الصدر.

من جهته، قال قسام زامل "كنا نتوقع ان يكون العشرين من اذار/مارس يوم عيد، لكن بعدما فعله الاميركيين اصبح ذكرى حزينة". واضاف زامل الذي تعتقل القوات الاميركية ابناؤه الثلاثة "قالوا بانهم جاؤوا لتحريرنا من الديكتاتور، لكنهم دمروا البلد".

بدوره، قال طالب جليل سائق سيارة الاجرة، "في بادىء الامر كنا فرحين باسقاط النظام لكننا ادركنا بعد ذلك ان الامر مخطط له من اجل احتلال العراق". واضاف جليل الذي يرتدي دشداشة تقليدية بنية ويحمل سجادته ان "العشرين من اذار/مارس اصبح ذكرى لبداية احتلال العراق".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 25/آذار/2009 - 27/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م