الصلاة في المقهى

محمد علي جواد تقي

كل من يتوجه نحو مقهى، ترتسم في ذهنه أقداح الشاي أو  الحامض الذي يُمني نفسه بواحدة منها ويفضل ألا يكون مسكوباً من إبريق إحتوشته ألسن اللهب فلم يجد بداً من الاحتراق وفقدان الطعم الحقيقي للشاي، وإنما يكون معدّاً بشكل محترف ، ويمتزج إحتساء الشاي مع تبادل أطراف الحديث عن مختلف الأمور الاجتماعية والثقافية والسياسية وغير ذلك، والداخل الى المقهى يسأل دائماً: ماذا تطلب؟ شاي؟ أم حامض؟  أم نارجيله؟

لكني لم أكن أتوقع وأنا داخل برفقة صديق الى إحدى مقاهي العاصمة بغداد، أن  يسألنا صاحب المقهى ما اذا كنا نرغب بأداء الصلاة في المقهى بعد أن تناهى الى سمعه حديثنا عن احتمال إنقضاء وقت الصلاة بسبب إغلاق الجوامع في المنطقة، وللحقيقة أقول: إن الذي شجعنا على الحديث عن الصلاة ونحن نحتسي الشاي في المقهى، وجود أحد الزبائن من إخواننا السنة وهو قائم يصلي داخل المقهى، فابدى صاحب المقهى وهو رجل أحسبه في العقد الستين من العمر، استعداده وترحابه بتوفير مكان لنصلي فيه قبل فوات الأوان، فتقدم أمامنا ليرشدنا الى  غرفة في نهاية الصالة ، وقبل أن ننتهي من الوضوء كان قد أعدّ لنا المصلّاة وعليها (التربة)، ولا أدري حقيقةً كيف عرف إنتمائنا، في كل الأحوال أدينا فريضتي الظهر والعصر تخلله الدعاء لهذا الرجل الوقور والكريم على أن يكثّر الله من أمثاله، ولتكثر هكذا مقاهي سواءً في بغداد وسائر المدن العراقية.

إن ما شجعني على تسجيل هذا المشهد البسيط، هو إني قدمت الى العاصمة من إحدى المدن المقدسة التي تتشرف بمرقد إحد الأئمة الأطهار، ومعي كمٌ هائل من التصورات والادعاءات بانها تتميز عن بقية مدن البلاد بابتعادها عن الدين أو التديّن! ولا علينا بالاسباب التي أدت على تبني هكذا اعتقاد وتصور، لكن حكم العقل والمنطق يفرض علينا أن نثبت لأهالي بغداد وبقية مدن البلاد وأيضاً لذلك الرجل الوقور والكريم – صاحب المقهى- باننا لم نتخلف في الالتزام بالتعاليم الدينية عن الآخرين، وليس في هذا تظاهر أو تفاخر او ما أشبه من المفردات السلبية، إنما هي مسؤولية أزاء من نحلّ ضيوفاً عندهم من أئمة الدين والهدى، فالمسألة هي أداء حق و واجب، ولو أن المسؤولية تخترق في أبعادها مديات واسعة لتشمل كل العالم، نظراً للرسالة السماوية العظيمة التي يحملها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لنا وللإنسانية جمعاء، لكن ما العمل، ونحن اليوم أمام تصنيف غير حضاري للمجتمع؟! فمن يعيش في العاصمة بغداد عليه القبول بالانفتاح والتنوع، فلا عقيدة تسود ولا إيمان ينشر ظلاله على الجميع، أما المدن المقدسة، فان الناس فيها أمام مظاهر الدين وأشكاله فقط، وربما ينتظر البعض أن تحذو حذو  بغداد العاصمة في تنوعها وانفتاحها على كل شئ! وهذا الانتظار ليس تعبيراً مجازياً، بقدر ما هو حقيقة على الأرض، حيث واجهني شخص (مثقف) يسكن المدينة المقدسة وهو يقول بغير قليل من التبرم: (لاداعي لأن تحتكر الاسماء الدينية جميع شوارع المدينة)! فهو يسكن المدينة المقدسة ويريدها ألا تكون مقدسة، مع التأكيد على أن الأسماء مجرد ظواهر ليس بالضرورة ان تدل على الانتماء.

وبعد كل هذا لايفهم أصحاب المقاهي اننا ندعو الى تخصيص أماكن للصلاة في مقاهيهم، إنما نطلب أخوياً أن تكون أماكن الصلاة في قلوبهم والالتزام في سلوكهم وأعمالهم، وهي رسالة أتيت بها من بغداد العاصمة لجميع سكان المدن المقدسة بالحذر الشديد من أن يتناهى الى سمع صاحب المقهى البغدادي أن التديّن عندنا ضعيف وأننا لانتبنا الأسماء الدينية لشوارعنا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/آذار/2009 - 25/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م