العراق بعد ست سنوات.. إرهاصات التغيير والقدرة على التفاؤل

 

شبكة النبأ: مع قرب الذكرى السادسة للتغير الزلزال في العراق تظهر إرهاصات التغيير على المشهد العراقي، حيث يتحسس الباحثون والمحللون إفرازات التغيير ورد فعل الانسان العراقي ومدى تفاعله مع الاحداث الجارية، بين متفائل بالنتائج ومصدوم لازال يعيش اوهام الماضي، لم يتكيف مع التغيير حيث يعيش ركام العنف والحروب والانقسام.

فبعد مرور ست سنوات على اليوم الذي أضاءت فيه الصواريخ الامريكية سماء بغداد في بداية حرب العراق أصبحت رؤية مشهد المركبات الامريكية التي تجوب شوارع العاصمة المتربة نادرة بشكل متزايد مما يعطي مؤشرا على انسحاب القوات الامريكية القريب.

ويلقي الاعلان عن انهاء الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة بظلاله على كل شيء في عراق اليوم حيث تسعى الحكومة المبتلاة بالخصومات جاهدة لوضع نهاية لاعمال العنف التي قتلت عشرات الالاف وأدت الى نزوح 4.7 مليون شخص منذ عام 2003 ولجمع شتات الاقتصاد والمجتمع اللذين مزقتهما الحرب. بحسب رويترز.

وتركز خطة واشنطن لسحب جميع القوات بحلول عام 2012 الاهتمام على ما اذا كان العراق يستطيع تجنب تفجر أعمال العنف مجددا وما اذا كان بوسعه نزع فتيل الخلافات الحادة على النفط والسلطة.

ويقول حازم النعيمي المحلل السياسي ببغداد ان الاعوام الستة التي أعقبت الاطاحة بصدام حسين أصابت اقتصاد العراق وصراعاته السياسية وأمن شعبه بحالة من الصدمة.

وأضاف "الشيء الوحيد الذي تغير هو اننا الان نستطيع رؤية ضوء في نهاية النفق. لكن يبدو ان السنوات الست الماضية غير كافية للوصول الى هذا الضوء. وبعد سنوات من أعمال العنف المفجعة تكدست خلالها الجثث على أرصفة بغداد بالعشرات كل يوم انخفض العنف بالعراق الى أدنى مستوياته منذ أواخر صيف 2003.

ويعزو المسؤولون الامريكيون الفضل في انخفاض معدلات العنف الى الزيادة التي شهدتها اعداد القوات بالعراق عام 2007 والتعاون من قبل شيوخ العشائر السنية الذين ضاقوا ذرعا بالتكتيكات الوحشية التي اتبعها تنظيم القاعدة وثقة الحكومة المتزايدة.

وظهر رئيس الوزراء نوري المالكي الذي كان ينظر اليه ذات يوم على أنه ضعيف في صورة الزعيم القوي بعد مكافحته للميليشيات الشيعية العام الماضي ويعزو الكثير من العراقيين الفضل اليه الان في التحسن الشديد بالاوضاع الامنية.

لكن أماكن مثل الموصل في شمال العراق حيث نجا المسلحون السنة من سنوات من الهجمات ما زالت واقعة في قبضة العنف اليومي. وفي أنحاء العراق ما زال المسلحون قادرين على شن هجمات على نطاق كبير.

وفي الشهر الحالي وحده قتل اكثر من 60 في تفجيرات انتحارية كبيرة ببغداد على مدار ثلاثة ايام.

وينحي البعض مثل المحلل غسان العطية باللائمة على الولايات المتحدة في اشعال القتل الطائفي والعرقي حيث سعت في الايام الاولى الى تمكين الاغلبية الشيعية التي كانت مهمشة في ظل نظام صدام الذي قاده السنة ولتشكيل حكومة تمثل الاغلبية.

وقال العطية الذي يرأس المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية "لقد فشلوا في فهم العراق وارتكبوا أخطاء جسيمة تعزز في الاساس الانقسامات بين العراقيين."

واليوم ينظر الى نهج الجيش الامريكي على أنه اكثر دهاء حيث يقوم بدرجة اكبر على التواصل مع المجتمع وتعليم قوات محلية تتسم بالكفاءة لكن اكثر استقلالا بكثير بدلا من استخدام القوة المطلقة. لكن البعض يقول ان الاوان قد فات.

وأضاف العطية أن "المارد خرج من القمقم والمجتمع الان مستقطب بين القوى الطائفية والعرقية."

وبعد أن حقق نجاحا باهرا في الانتخابات المحلية التي جرت في يناير كانون الثاني صعد المالكي من نداءاته بالمصالحة بين الفصائل المتناحرة بالعراق بما في ذلك الصفح عن حلفاء صدام.

لكن البعض يشكون في اخلاص المالكي. وظهرت تحذيرات أبرزها من شمال العراق حيث تمتعت الاقلية الكردية بحكم ذاتي نسبي بشأن مخاطر وجود زعيم اكثر قوة ببغداد.

ومع تراجع عنف المسلحين يرى البعض تهديدا كبيرا في التوتر المتزايد بين المالكي والاكراد المتشبثين بمطالبهم الخاصة بموارد النفط والمناطق الحدودية المتنازع عليها.

وقال مسؤول أمريكي في بغداد "على مدار الشهرين الماضيين شهدنا محاولات أقل لتضييق الهوة (بين الاكراد والعرب) وبعض المحاولات لاحراق الجسور."

ويبدو عمق هذه الانقسامات واضحا في جمود الموقف بشأن السيطرة على مدينة كركوك التي يزعم الاكراد أحقيتهم فيها بوصفها موطن أجدادهم على الرغم من اعتراضات التركمان والعرب بالمدينة.

وتسعى منظمة الامم المتحدة الى الوصول الى حل وسط لكن لا توجد مؤشرات على أن ايا من الجانبين سيتراجع. كما عطلت الخلافات بين الاكراد والعرب قانونا وطنيا جديدا للنفط يعتبره الراغبون في الاستثمار تمريره الضوء الاخضر لضخ رأس المال الى العراق.

وتسلط هذه التوترات الضوء على التحديات التي تواجه العراق في تحقيق الوحدة السياسية قبل الانتخابات العامة التي تجري في العام الحالي 2009 والتي ستكون اختبارا لكيف يمكن أن تستمر هذه الديمقراطية الشابة.

وقال دبلوماسي غربي طلب عدم نشر اسمه "يجب الا تضيع 2009 في التلاعب بالانتخابات والتامر. المجازفة في عام 2009 بشكل عام تكمن في أن هذا ما قد يحدث."

واعادة احياء الاقتصاد الذي أعاقته الحرب والعزلة وسوء التخطيط في عهد صدام ومحاولة غير واقعية لتطبيق شروط السوق الحرة تحت الاحتلال ضرورة لمنع وقوع مزيد من اعمال العنف.

وقال عبد الرحمن المشهداني الخبير الاقتصادي بالجامعة المستنصرية ببغداد "قبل الاحتلال كان القطاع الاقتصادي يخضع لسيطرة الدولة بنسبة 100 في المئة. اما بعد 2003 واتباعا للتوجيهات الامريكية فقد تحولنا كليا" الى الاقتصاد الحر دون المرور بمرحلة انتقالية."

وتفتح حكومة المالكي الباب للعطاءات الخاصة بعقود النفط والغاز وقد اندفعت مؤسسات النفط العالمية لتنفيذ عدد من المشاريع الكبرى في قطاع النفط العراقي المربح.

ويملك العراق ثالث اكبر احتياطيات في العالم لكن الصناعة أعاقتها البيروقراطية مثلما أعاقت قطاعات أخرى حيث لم يتحقق النمو او الاستثمار بعد.

وقال ابراهيم بحر العلوم وزير النفط السابق ابراهيم بحر العلوم وزير النفط السابق "مالم تحصل لدينا ثورة ادارية في القطاع النفطي العراقي فان الوضع سيبقى على ما هو عليه الان."

العراقيون أكثر تفاؤلا بمستقبلهم

هذا وافاد استطلاع اخير أجرته بعض وسائل الإعلام الغربية الى ان العراقيين أصبحوا اكثر تفاؤلا بالمستقبل على المستويين الشخصي والعام.

حيث عد التقرير هذا سواد التفاؤل بين اغلب العراقين الى التقدم الحاصل في الملفين الامني والاقتصادي، فضلا عن حالة شبه استقرار سياسي.

فيما شابت نسب التفاؤل المرصودة هاجس من المخاوف لحجم التدخلات الخارجية التي تمارسها دول الإقليم في الشأن العراقي.

ولم يعد العنف وحالة انعدام الأمن يشكلان هاجسا رئيسيا بالنسبة إلى معظم العراقيين وذلك للمرة الأولى بعد الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وفقا لنتيجة استطلاع الآراء.

 ويخلص الاستطلاع إلى أن العراقيين أصبحوا أكثر أملا في الحصول على مستقبل أفضل وباتوا أكثر انشغالا بأمورهم العادية مثل الوضع الاقتصادي وسوق الشغل. لكن العراقيين يظلون أكثر قلقا بشأن الدور الذي تقوم به القوى الخارجية في رسم مستقبل بلادهم ولاسيما إيران والولايات المتحدة وبريطانيا. ويُشار إلى أن استطلاع الآراء هذا أُنجز لصالح بي بي سي وايه بي سي نيوز وهيئة البث اليابانية في شهر فبراير/ شباط الماضي.

وبلغ مجموع العراقيين الذين شملهم الاستطلاع 2228 عراقيا كانوا موزعين على 18 محافظة عراقية على أن هامش الخطأ يظل محصورا في 2.5 في المئة فقط.

ويقول آدم مينوت من بي بي سي أن هذا هو سادس استطلاع آراء في إطار سلسلة استطلاعات آراء تمتد إلى مارس 2004 وتبين تحسنا ملحوظا في تصور العراقيين لمفهوم الأمن.

وتبين نتائج الاستطلاع الحالي تغيرا واضحا في مواقف العراقيين تجاه مفهوم الأمن مقارنة بنتائج الاستطلاع الأخير في شهر مارس 2009 أي أن نسبة التغيير تجاوزت 10% في حالات كثيرة وتصل في بعض الحالات إلى 48%.  ووصف 85% من المستجوبين الوضع الحالي بأنه جيد جدا أو جيد إلى حد كبير وذلك بزيادة 23% مقارنة مع السنة الماضية.

وقال 52% من المستطلعة آراؤهم إن الوضع الأمني تحسن بالمقارنة مع السنة الماضية وذلك بزيادة 16% مقارنة مع مارس 2009.  ولم يقل سوى 8% إن الوضع الأمني تدهور مقارنة مع نسبة 26% في العام الماضي.  وقال 59% من الذين شملهم استطلاع الآراء إنهم يشعرون بالأمن في أحيائهم وذلك بارتفاع بلغ نسبة 22% مقارنة مع نسبة 37% في السنة الماضية.

وخلص استطلاع الآراء إلى أن عدد العراقيين الذين أبلغوا عن تجارب مباشرة فيما يتعلق بسيارات مفخخة أو هجمات انتحارية أو عنف طائفي أو اختطاف أو اغتيال في مناطقهم انخفض كثيرا مقارنة مع السنة الماضية.

وبلغ عدد الذين قالوا إن حياتهم تمضي على نحو جيد جدا أو جيد إلى حد كبير 65% من مجموع المستجوبين أي بنسبة ارتفاع بلغت 9%.

وارتفعت نسبة العراقيين الذين يعتقدون أن الأوضاع ستتحسن في العراق خلال السنة المقبلة وذلك بنسبة 14%.

وأظهر الاستطلاع أن بعض مظاهر الحياة اليومية في تحسن أيضا.

وأبدى المستجوبون انشغالهم بمدى توفر إمدادات الطاقة الكهربائية خلال السنوات الست الماضية إذ قال نحو 10% منهم فقط، خلال استطلاعات الآراء السابقة، إنهم حصلوا على حاجتهم من الكهرباء في حين أن هذه النسبة ارتفعت إلى 37% في الاستطلاع الأخير.

وخلص الاستطلاع إلى أن عدد الذين يقولون إن توافر الوقود من أجل الطبخ أو السياقة جيدا جدا أو جيد إلى حد كبير ارتفعوا بنسبة 67% أي بزيادة 48% مقارنة بنسبة 19% في مارس 2008.

قادرون على التكيف لكن مع الرعاية

من جهتها قالت منظمة الصحة العالمية في دراسة نشرت مؤخرا ان العراقيين اظهروا قدرة مفاجئة على التكيف مع سنوات اراقة الدماء لكن مشكلات الصحة العقلية غالبا ما تمضي دون علاج في العراق. بحسب رويترز.

واظهر مسح للصحة العقلية نشرته دورية الصحة النفسية العالمية World Psychiatry ان الاضطرابات العقلية بين العراقيين ليست اكثر انتشارا من الدول التي تعيش في سلام وذلك خلافا لما قد يتوقع البعض بالنظر للعنف الذي اطلقه الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق عام 2003 وسنوات الحرب التي سبقته.

وقالت نعيمة القصير ممثلة منظمة الصحة العالمية في العراق في بيان ان مستويات الضغط مرتفعة بينما الاضطرابات العقلية يمكن مقارنتها بدول اخرى مضيفة أن هذا يشير الى ان العراقيين اضطروا الى تكوين استراتيجيات تكيف للبقاء خلال العقود القليلة الماضية من الاضطراب.

وتابعت أن الضغط كان له تأثير على السكان جميعا وبات الصراع حدثا عاديا تقريبا.

وتراجع العنف الطائفي الذي كاد ان يمزق العراق في عامي 2006 و2007 الى حد بعيد لكن كثيرا من العراقيين ما زالوا مصدومين من تلك السنوات.

ورغم تراجع حاد في العنف لا يزال المسلحون يشنون هجمات مدمرة بقنابل خاصة في الشمال المضطرب.

واظهرت الدراسة التي اجريت على 4332 من البالغين ان 16.5 في المئة من العراقيين لديهم مشكلات عقلية لكن 2.2 في المئة فقط من هؤلاء حصلوا على رعاية طبية.

وقال وزير الصحة العراقي صالح الحسناوي ان الضغط الشعوري الذي مر به كثير من العراقيين في الماضي القريب يعد مبعث قلق بالغ.

واضاف ان المرض العقلي ينظر اليه في العراق على أنه وصمة عار كبيرة مشيرا الى انه يجب تشجيع الناس كي يسعوا لطلب العلاج الذي يحتاجونه.

كما اظهرت الدراسة ان القلق والاضطرابات السلوكية اصابت النساء العراقيات اكثر من الرجال.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/آذار/2009 - 23/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م