حلبجة المنكوبة واستمرار الآثار النفسية والجسدية على الاهالي

إحياء الذكرى الحادية والعشرين لقصفها كيمياويا

 

شبكة النبأ: أحيا اقليم كردستان العراق، الاثنين، الذكرى الحادية والعشرين لقصف مدينة حلبجة باسلحة كيماوية في 16 آذار/مارس 1988 ابان حكم النظام السابق.

وأقيم معرض صور فوتوغرافية داخل النصب التذكاري للضحايا قبل القاء كلمات عدة قدمت خلالها وعود حكومية باعمار المدينة. كما تم عرض فيلم وثائقي عما تعرضت له حلبجة بالاضافة الى نشاطات فنية وموسيقية اخرى.

ووقف المواطنون عند الساعة 11,35 في المدينة وعموم اقليم كردستان دقيقة صمت حدادا على الضحايا. وطالبت عائلات القتلى عبر خطابات القيت بالمناسبة، المحكمة الجنائية العليا "تشديد العقوبة على الجناة في القضية الذين احيلوا الى المحاكمة".

وقد شنت طائرات حربية غارات على البلدة الواقعة في محافظة السليمانية خلال احدى حملات الانفال الثماني بين عامي 1987 و1988. بحسب اصوات العراق.

واسفرت الغارات عن مقتل اربعة الى خمسة الاف شخص في حين ادت حملات الانفال الى مقتل نحو مئة الف شخص وتدمير ما لايقل عن ثلاثة الاف قرية وتهجير عشرات الالاف.

وكانت المحكمة الجنائية العليا اصدرت في 24 حزيران/يونيو 2007 حكما باعدام وزير الدفاع السابق علي حسن المجيد الملقب ب"علي الكيماوي" اثر ادانته بتهمة ارتكاب "ابادة جماعية" و"جرائم ضد الانسانية" "وجرائم حرب" في قضية الانفال.

كما اصدرت المحكمة حكما باعدام كل من سلطان هاشم احمد وزير الدفاع الاسبق وحسين رشيد التكريتي، لكن الحكم لم ينفذ بعد.

شاهدة فقدت بصرها وخمسة ابناء بحلبجة

وروت امرأة من اهالي مدينة حلبجة شهادتها امام المحكمة الجنائية العليا التي انعقدت اليوم الاثنين، وقالت نرمين كمال التي فقدت خمسة من ابنائها الثمانية اثناء قصف المدينة بالسلاح الكيمياوي عام 1988، انها “فقدت الوعي” بعد ان رأت الجثث التي تساقطت في شوارع المدينة، وإن القصف كان يستهدف المدنيين وليس القوات الايرانية أو “البيشمركة”.

واوضحت الشاهدة التي يبلغ عمرها 65 عاما اثناء ادلائها بشهادتها امام قاضي محكمة حلبجة محمد عريبي الخليفة اليوم الاثنين، ان الجيش العراقي انسحب من المنطقة قبل تنفيذ القصف الكيماوي بالطائرات، وان الحكومة “لم توجه انذارا لاهالي حلبجة قبل القصف”، مضيفة انها “فقدت الوعي” حين رأت اكثر من 20 جثة ملقاة في شوارع مدينة حلبجة بعد القصف.

وكانت المحكمة الجنائية العراقية العليا استأنفت جلساتها برئاسة القاضي محمد عريبي الخليفة في قضية قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية، ثم رفعها لليوم التالي، في وقت كانت تجري فيه مراسم احياء الذكرى التي مر عليها 21 عاما في نفس المدينة التي فقدت 5 الاف من ابنائها بالقصف، بحسب المصادر الكردية. بحسب اصوات العراق.

وتابعت الشاهدة اثناء مجريات المحكمة انها فقدت خمسة من ابنائها الثمانية في القصف الكيمياوي، وانها اصيبت في عينيها وخرجت مع اهالي المدينة الاخرين الى ايران سعيا للنجاة من الموت على ايدي قوات النظام السابق التي قالت انها كانت “تستهدف قتل المدنيين الاكراد وليس القوات الايرانية او قوات البيشمركة”.

واضافت الشاهدة ان اكثر من 1400 مصابا كانوا معها في ايران قبل عودتها الى مدينة السليمانية بعد عدة اشهر، شارحة معاناتها بحثا عن العلاج في مستشفيات المدينة واعتقالها من قبل الاجهزة الامنية ثم ارسالها للعاصمة بغداد واعادتها الى السليمانية لحجزها في فوج الطوارئ مع نساء واطفال ومدنيين اخرين.

وطالبت الشاهدة بتعويضها عن فقدها لبصرها نتيجة لاحتراق عصب العين بالمواد الكيماوية، فضلا عن الاثر النفسي والذهني الذي اصيبت به نتيجة للقصف والاحداث التي عاشتها.

آثار نفسية وجسدية مازالت واضحة

وتركَ قصف مدينة حلبجة، بالأسلحة الكيمياوية عام 1988 والذي قام به النظام السابق في البلد، آثارا نفسيا كبيرة على أهالي المدينة، خصوصا اولئك الذين فقدوا أفرادا من عوائلهم رغم مرور احدى وعشرين سنة على المجزرة، فضلا عن اثار جسدية وامراض بدأت بالاستفحال بعد مرور هذا الوقت الطويل على الاصابة بها...

آرام عمر الذي نجا من القصف حين كان في عامه الاول (يبلغ الان الـ 22 من العمر) قال “قتل جميع افراد عائلتي يوم 16 اذار (مارس) عام 1988 جراء القصف الكيمياوي، عندما كان عمري سنة واحدة فقط، وتربيت في بيت جدي، ولم يقدّر لي ان أرى واستمتع بحنان والديَّ، ولم يبقَ لدي أشقاء أيضا ، فحاولت وبعمر مبكر أن أجد عملا لكي أستطيع أن اساعد جدّي لأنه كبير السن ولايملك امكانية مادية كافية.

وهو احد المصابين ايضا، توفي والداه يوم 16 اذار عام 1988 نتيجة قصف حلبجة بالاسلحة الكيمياوية من قبل النظام السابق. بحسب تقرير اصوات العراق.

وأضاف عمر، الذي ما زال يعاني ايضا من الاصابة الجسدية نتيجة القصف الكيمياوي من قبل النظام السابق، أشعر بخيبة الأمل وأسف شديد عندما أجد قبور والدي وأشقائي في مقبرة جماعية في مدينتي، حتى انني لا أستطيع وليس لدي الجرأة لكي اهدي لأرواحهم فاتحة في ذكرى استشهادهم. مشيرا الى أنه “واحد من مئات الاطفال في مدينة حلبجة الذين شابوا منذ طفولتهم، لأن أي شخص يفقد أفراد عائلته مثلي فمن المؤكد انه لن يستمتع بالحياة”.

اما شنو رستم (23 سنة) والتي تبدو عليها هي الاخرى الاثار النفسية للحادثة، تروي قصة حياتها بعدما فقدها لوالدها ابان الحرب العراقية الايرانية، و مقتل والدتها جراء القصف الكيمياوي “رأيت نفسي في حضن جدتي عندما شعرت بوجودي، قالوا لي بأن والدي من ضحايا الحرب، وانا لا أملك الان سوى زيارة قبر والدتي احيانا، لكي أرش عليه دموعي”، واضافت ” انني الأن متزوجة ولدي طفلين، أتمنى دائما ان يبتعد أطفالي عن الكوارث المشابهة للكارثة التي تعرضت لها مدينتي.

وبعد ان شكرت جدتها وشبهتها “بالملجأ الذي تخفف في معاناتها، قالت شنو انها كانت دائما ” تتمنى ان ترى نفسها في أحضان والديها.

يقول الباحث الاجتماعي زانا أحمد إن “من الواضح ان هناك تأثيرات نفسية واجتماعية على المجتمع بعد الكوارث الانسانية فضلا عن الأضرار المادية، لأن الخاسر الأول من الحروب و الكوارث ضد الانسانية هو الانسان نفسه، و هناك نفس الأثار بدت على المواطنين في مدينة حلبجة خصوصا لهؤلاء الذين فقدوا أفراد عائلتهم جراء القصف الكيمياوي.

وأضاف احمد ان “هناك عدة مشاهد مؤلمة داخل رواية القصف الكيمياوي للمدينة، كل هذه المشاهد لها انعكاسا نفسيا مباشرا”، معربا عن اعتقاده بأن “أي شخص يقوم بزيارة الى المدينة يدرك جيدا بأنها تعرضت للقصف بالاسلحة الكيمياوية، وسيشعر الزائر عن طريق الوان ملابس المواطنين وألاغاني والاناشيد التي يسمعها المواطنون، حيث ترغب الاغلبية بسماع الاغاني ذات الايقاع الهادئ.

واشار احمد الى انه قام بدراسة سوسيولوجية على مواطني المدينة عن هذا الموضوع، وقال انه وفي استبيان أجراه مع 200 عائلة ساكنة بالمدينة، “ظهر أن 67% من الأهالي يعتقدون بأن القصف له تأثير مباشر على الحالة النفسية والقلق، و33% من المشاركين في الاستبيان يرون بأن القصف ليس له تأثير مباشر على نفسية المواطنين.

وتقول المصادر الطبية في المدينة ان نسبة كبيرة من سكان المدينة يعانون من مشاكل صحية منها امراض السرطانات وضيق التنفس وتشوهات خلقية، الى جانب نسبة كبيرة من النساء يعانين من مشكلة الاجهاض ويعاني الكثير من سكان المدينة.

وتعرضت مدينة حلبجة (83 كم جنوب شرق السليمانية) في 16 من آذار مارس عام 1988 للقصف بالأسلحة الكيمياوية من قبل النظام السابق، ما أدى بحسب الإحصاءات، الى مقتل خمسة آلاف مدني وجرح عشرة آلاف آخرين من سكان المدينة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 18/آذار/2009 - 20/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م