السلطان محك الإنسان

ضمد كاظم وسمي

لتحقيق العدالة في أي مجتمع لابد من طريقة فعالة في تحقيق الحرية والمساواة وهذا يستلزم توحيد القانون ليشمل أفراد المجتمع جميعاً بإلزاماته.. فالقانون العادل هو الوسيلة الضرورية لتحقيق سعادة المجتمع والفرد وإستقرارهما ورفاهيتهما، في الوقت الذي يدفع الشقاء عنهما.

والموظف الحكومي الذي يتولى تطبيق القانون لابد وأن يتسم بالإعتدال الذي هو (نزعة حب العدالة والأمانة والصدق والإخلاص والنزاهة والعفة).. وهذا ما درجت عليه الأمم المتحضرة.. إذ أنها تقدم ذوي الكفاءة والنزاهة من الموظفين وتؤخر الآخرين ممن يقلّون عنهم كفاءة ونزاهة.. دون أن تكترث كثيراً أو قليلاً بخلفياتهم الأثنية والطائفية والسياسية والقبلية والمناطقية، لذلك كله صارت تلك الأمم الى الرقي والمجد بخلافنا نحن الدول المتأخرة.. إذ مقدم عندنا اللاهوتي قبل العالم، وإبن الشيخ قبل الكفوء، وإبن حزبنا وأن كان عيياً، وإبن طائفتنا وإن كان أمياً، وأرومتنا وإن كان أبلهاً، نقدم هؤلاء جميعاً في وظائفنا العامة ونسلط هؤلاء المعاتيه على أبناء جلدتنا يسومونهم سوء العذاب وإن لم يقصدوا لأن البلادة ليست بحاجة الى مقاصد !!. فهي مفقس الكوارث ومفرخ الدواهي وهكذا صرنا الى التخلف والخور نحيا في ذلة وإمتهان يحسبها البلهاء عزاً ورفعة !!.

وهكذا لا تقوم للعدالة قائمة في بلادنا.. لأنها لا تملك أرجل تقوى بها.. وليس لها أيد تبطش بها المنحرفين.. وحتى لو وجدت ستكون من دون رأسٍ يحمل عقلاً يهدي الناس الى سواء السبيل !! والدليل ما صرنا إليه من خسران نتيجة الإحتلال والإحتراب الداخلي والإقصاء المتبادل وهدر حقوق الناس وسفك دمائهم.. واجاعتهم وتهجيرهم وتشريدهم، مع إستشراء للبطالة ونقص فضيع للخدمات وتفرعن المافيات الدموية والمالية والسياسية والطائفية... الخ.

لقد عرف من قبل الفيلسوف (سيموندس) العدالة: (بأن يرد لكل ما له).. فأين نحن من ذلك وما مدى ضمان كل فرد لحقه من قبل الدولة !!.. فيما أعتبر سقراط أن فضيلة النفس المهذبة هي العدالة.. ليكون العادل هو (الحكيم الصالح).. على ضوء العلاقة بين الحاكم والمحكوم.. فأنظر الى أي مدى ينطبق هذا الوصف على كتلنا السياسة في تأجيجها للإحتراب الأهلي الذي بات على الأبواب ؟.

 أما أرسطو فقد عرف العدل بأنه: الفضيلة التامة.. التي تتعدى الى الغير.. لذلك تعتبر كلمة (بياس): السلطان محك الإنسان، ذات معانٍ ودلالات عظيمة.. حيث أن المنحرف الشرير هو الذي يضر نفسه ولكنه يكون شر الناس عندما يضر المجتمع أيضاً.. فيما يكون العادل الذي لا يستخدم الفضيلة لنفسه فحسب بل يوجهها في خدمة الآخرين.. وإن كان طريق الفضيلة شاقاً. وهو عين ما ذهب اليه الإمام علي – ع – في قوله: (الأمارة مضامين الرجال).. أي أن حقيقة الإنسان تظهر عندما يتولى سلطة ما.. لذلك جاء في الأثر: (طالب الولاية لا يولى) لأنه بطلبه هذا ما يضمر من غرض قد يشينه ويؤذي الناس لذلك يمنع من وطره رحمة به ومصلحة للمجتمع..

فلننظر جميعاً بعيوننا لا بعيون الخفاش، ولنفكر بعقولنا لا بعقول غيرنا.. ولنسعى الى مصالحنا المشتركة لا لأغراض المتلاعبين بنا.. فهل نجد أن الشخص المناسب يجد طريقة الى المكان المناسب في دولتنا بعيداً عن كل الإعتبارات الأخرى البلهاء سوى إعتبار المواطنة الحقة.. فإذا كان الجواب بالسلب – وهو الواقع – فالمؤكد أننا نزاول العدالة مزاولة شاذة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/آذار/2009 - 19/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م