الطالباني اول رئيس عراقي ينوي اعتزال السياسة طوعا

أزمة حزبية وتدهور صحته والفساد أسباب للقرار

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: أثار التصريح الأخير لرئيس الجمهورية العراقي جلال الطالباني حول نواياه اعتزال العمل السياسي والتفرغ لكتابة مذكراته الخاصة ردود أفعال متباينة في الأوساط الرسمية والشعبية. وهي تعد بادرة الاول من نوعها في تاريخ العراق المعاصر حيث ينوي رئيس جمهورية عراقي الاعتزال طوعا، ويعد ذلك عند بعض المحللين خطوة ايجابية لتكريس مفهوم التداول السلمي للسلطة.

فيما أسهب العديد من المحللين السياسيين في تعليل طبيعة الأسباب التي دفعت بجلال الطالباني بالكشف عن نواياه المعلنة مؤخرا.

حيث عزى اغلب المتابعين نية الاعتزال المزعومة للرئيس طالباني إلى الانشقاق الحاصل في قيادة الحزب التحالف الكردستاني بسبب عدم التوصل إلى تسوية ترضي جميع الأطراف.

فكما يبدو إن الطالباني حسب رأي البعض إن الأخير فقد قدرته على السيطرة وإدارة شؤون الحزب خلال الفترة الحالية، بالإضافة إلى استشراء بعض حالات الفساد غير المقبولة.  

الطالباني: انا لا اخطط للاستمرار كرئيس

فقد أعلن الرئيس العراقي جلال طالباني، في لقاء حصري مع محطة برس تي في Press TV التلفزيونية الاخبارية الايرانية، انه سيتقاعد من المجال السياسي هذا العام وسيتفرغ لكتابة مذكراته.

والرئيس العراقي، الذي تصفه المحطة بالناشط القدير في مجال حقوق الانسان وهو اول رئيس للعراق بعد الغزو الامركي في العام 2003، اشار الى انه "لا يخطط للسعي الى  إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد انتهاء ولايته في وقت لاحق من العام الجاري".

وقال طالباني في لقاء اجرته معه محطة “برس تي في” الناطق بالانكليزية وفي برنامج “وجها لوجه "لا، انا لا اخطط للاستمرار [كرئيس]. اعتقد ان بنهاية هذا العام ستنتهي ولايتي وامل ان اتقاعد، ساعود الى بيتي وسيكون لدي الوقت لكتابة مذكراتي." بحسب اصوات العراق.

وردا على سؤال عما اذا كان المجتمع الكردي مميز سياسيا كحال "القاعدة غير المدونة" في السياسة اللبنانية التي شهدت الانتخاب الروتيني لرئيس مسيحي، اكد طالباني بشدة " لا. لا. لا… في العراق وطبقا للدستور، جميع العراقيين لهم نفس الحقوق. عليه ففي العراق لم ينص ـ لا من خلال اتفاق شرف ولا بالدستور ـ ان رئيس الوزراء يجب ان يكون شيعيا، والرئيس كرديا، او رئيس البرلمان عربيا… بامكاننا انتخاب عربي كرئيس، وكردي رئيسا للوزراء، ومسيحي كرئيس للبرلمان. فطبقا للدستور كل العراقيين متساوون.”

ووصل طالباني الى العاصمة الايرانية في 10 من اذار مارس لحضور القمة العاشرة لمنظمة التعاون الاقتصادي (ECO) كضيف شرف.

تدهور الصحة والخلافات السياسية

من جانب آخر رجح نائبان من كتلتين برلمانيتين مختلفتين أن تكون الخلافات في إقليم كردستان وداخل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه جلال الطالباني وصحته التي تدهورت في الآونة الاخيرة سبب رغبته بترك العمل السياسي، فيما اعتبر نائب كردي أن هذه الرغبة جزء من الديمقراطية في العراق الجديد.

وقال النائب عن جبهة التوافق العراقية نور الدين الحيالي إن "الاستقالات المتكررة  داخل حزب الاتحاد والخلافات الكثيرة داخل اقليم كردستان ربما هي التي جعلت رئيس الجمهورية جلال الطالباني يرغب بترك العمل السياسي والتفرغ لكتابة مذكراته". بحسب اصوات العراق.

وأوضح الحيالي أن "هناك الكثير من القوائم  الكردية سيكون لها حظور في الانتخابات النيابية وانتخابات الاقليم مما سيقلل من نفوذ الاحزاب الكبيرة"، متوقعا أن لا تشهد الفترة المقبلة ترأاس “كردي” لرئاسة الجمهورية.

وأضاف أن “حالة الرئيس الطالباني في السنوات الاخيرة تدهورت وجعلته يفكر بالاستراحة”، مبينا أنه الرئيس يرى أنه سوف لا يكون له دور كبير في المرحلة المقبلة”.

وانتخب جلال الطالباني كثاني رئيس للعراق بعد الغزو الامريكي في العام 2003. وتم اختياره للمنصب في شهر نيسان ابريل من عام 2005م، على أعقاب نتائج الأنتخابات التي جرت في 30 كانون الثاني يناير 2005م، حيث أختير لهذا المنصب من قبل الجمعية الوطنية الانتقالية العراقية. وتم قبول ترشيحه لمدة أربع سنوات في 22 نيسان ابريل 2006.

وولد الطالباني في قرية كلكان التابعة لقضاء كوي سنجاق قرب بحيرة دوكان في 12 تشرين الثاني نوفمبر 1933. ويعد واحدا من أبرز الشخصيات الكردية في التاريخ العراقي المعاصر.

وانظم الطالباني إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الملا مصطفى البارزاني عام 1947م عندما كان عمره 14 سنة. وبدأ مسيرته السياسية في بداية الخمسينات كعضو مؤسس لاتحاد الطلبة في كردستان داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني. بعدها باعوام طويلة أسس الاتحاد الوطني الكردستاني في سوريا وتحديدا في عام 1975م، و بدأ حركته المسلحة عام 1976م، ودخل في مفاوضات مع الحكومة العراقية عام 1984م، لأقرار قانون الحكم الذاتي.

من جهته، قال النائب عن القائمة العراقية جمال الدين البطيخ إن "هناك اسبابا حزبية وشخصية وراء رغبة رئيس الجمهورية بترك العمل السياسي".

استقالة اربعة من قادة حزب الرئيس طالباني

من جهة اخرى استقال اربعة من اعضاء المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال طالباني احتجاجا على عدم تنفيذ اصلاحات وعد بها الاخير.

وكان خمسة قادة بينهم كوسرات رسول الامين العام المساعد للحزب ونائب رئيس اقليم كردستان، قدموا استقالاتهم مطالبين بمكافحة اكثر حزما للفساد وبمزيد من الممارسة الديموقراطية داخل هذا الحزب الذي انشأه طالباني عام 1975.ووافق طالباني على عدة طلبات منها تقاسم السلطة داخل حزبه لتجنب انشقاقه.

وقال جلال جوهر عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني "استقلت انا وثلاثة اعضاء من المكتب السياسي بشكل نهائي.

واكد جوهر ان "الحزب يعيش ازمة عميقة متعددة الاوجه، ولا يمكن ان يكون الحل عبر اصلاحات جزئية وسطحية" مطالبا ب"اجراء اصلاحات جذرية ليكون الحزب مؤسساتيا شفافا وديموقراطيا".

واوضح جوهر ان "الثلاثة الاخرين الذين استقالوا هم عثمان الحاج محمود (وزير الداخلية في اقليم كردستان) ومصطفى سيد قادر (نائب القائد العام لقوات البشمركة للأتحاد) وعمر سيد علي العضو في المكتب السياسي". واضاف "ابلغنا نائبي طالباني بانسحابنا من المكتب السياسي".

واشار جوهر وهو مسؤول رقابة وسائل الاعلام الكردية "لدينا اعتقاد بان هذه الازمة التي يعيشها الحزب اكبر بكثير من اجراءات سطحية تم اقرارها، واقتصرت على تبديل لبعض الوجوه وليس اكثر".

ويرى جوهر ان يجري الاصلاح ب"الخطوة الاولى وتتمثل باعادة نوشيروان مصطفى نائب الامين العام السابق المستقيل" الى منصبه. واشار الى ان "عدم وجود عدالة داخل الحزب ادى الى عدم توفير خدمات كالماء والكهرباء للمواطنين من قبل حكومة الاقليم".

وتابع جوهر ان "الاعضاء الاربعة احتجوا بشدة على عدم تطبيق وعود طالباني وعدم تطبيق المذكرة التي وقعها مع نائبيه كوسرت رسول وبرهم صالح في بغداد لاجراء تغيرات واصلاحات داخل الاتحاد وفق رؤيتهم ومتطلباتهم".

الإتحاد الوطني يجتمع لتنفيذ إتفاق الطالباني مع المنسحبين الخمسة

كما ذكر مصدر مقرب من الإتحاد الوطني الكردستاني، ان المكتب السياسي للاتحاد عقد اجتماعا في مدينة السليمانية لايجاد آلية تنفيذ ما تم الإتفاق عليه بين السكرتير العام للحزب جلال الطالباني والمنسحبين الخمسة للخروج من “الأزمة الحزبية” داخل الإتحاد.

و قال المصدر ان  المكتب السياسي للإتحاد الوطني “بدأ اجتماعا في السليمانية لوضع الخطط اللازمة لتنفيذ ما تم الإتفاق عليه بين السكرتير العام للحزب جلال الطالباني والمنسحبين الخمسة للخروج من الأزمة الحزبية داخل الإتحاد”، مشيرا الى ان الاجتماع "عقد برئاسة نائب السكرتير العام كوسرت رسول، وبغياب زعيم الاتحاد جلال الطالباني". بحسب اصوات العراق.

وكان مصدر مقرب من المكتب السياسي للإتحاد الوطني الكردستاني قال في وقت سابق أن" كوسرت رسول نائب سكرتير العام و القياديين المنسحبين الآخرين حددوا مدة أسبوعين لتنفيذ النقاط التي تم الاتفاق عليها مع السكرتير العام للحزب جلال الطالباني"، موضحا أن " كوسرت رسول والأعضاء المنسحبين الآخرين من المكتب السياسي مصطفى سيد قادر عمر السيد علي جلال جوهر و عثمان الحجي محمود مصرون على الاستقالة في حال عدم تنفيذ النقاط المتفقة عليها خلال أسبوعين".

وتتضمن النقاط الاحدى عشرة التي جرى الاتفاق عليها " إجراء مصالحة عامة داخل صفوف الاتحاد الكردستاني، وإعادة الصلاحيات في الاتحاد إلى المكتب السياسي، والكشف عن الجوانب المالية وموارد الاتحاد بشفافية، فضلا عن إجراء تغييرات في التشكيلة الحكومية من قبل الاتحاد، وإجراء تغييرات أيضا في المكاتب التابعة للاتحاد مثل المكتب الإعلامي وبقية المكاتب".

ومن النقاط الأخرى التي تضمنها الاتفاق " التحقيق مع كل الأطراف التي اتهمت بقضايا الفساد، ومراجعة كافة فروع التنظيمات والبيشمركة وباقي التنظيمات، فضلا عن إجراء اتصالات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وتثبيت الاتفاقية الاستراتيجية معه بشكل يراعي مصالح وحاجات الاتحاد الوطني الكردستاني".

كما يتضمن الاتفاق “عودة عاجلة لكافة أعضاء الاتحاد الذين تم استبعادهم في أوقات سابقة نتيجة لطرح آرائهم في الاتحاد، وتنظيم عمل المكاتب الخارجية في الاتحاد"، فيما تضمنت الفقرة الأخيرة " إيقاف كافة التصريحات الإعلامية والتصريحات المضادة بين كل أطراف الاتحاد الوطني الكردستاني”.

الدعوة لمواجهة الفساد والبيروقراطية الإدارية

كما دعا الاتحاد الوطني الكردستاني إلى مواجهة الفساد والبيروقراطية الإدارية ومعالجة الضعف في بعض مراكز السلطة التنفيذية والقضائية.

وقال بيان للمكتب السياسي للإتحاد الوطني صدر بمناسبة الذكرى الـ18 للإنتفاضة الكردية إن "الإتحاد الوطني الكرستاني وفي هذا الظرف الحساس يجدد دعوته للحفاظ على وحدة صفوف الشعب ولحسن الحظ فان لهذه الدعوة صدى وإستجابة في الساحة السياسية الكردستانية وفي صفوف شعب كردستان ولاسيما من قبل القوى الأساسية في كردستان".

وأضاف "لا شك ان هذه الوحدة لن تتحقق فقط بترديد الشعارات السياسية بل ينبغي دعمها من خلال تعميق الديمقراطية وسيادة القانون وتفعيل دور الحكومة والبرلمان والمنظمات المدنية وتحسين الخدمات مثل الماء والكهرباء والوقود والمواصلات وكذلك تحسين النظام الصحي والتعليم ومواجهة الفساد والبيروقراطية الإدارية ومعالجة الضعف في بعض مراكز السلطة التنفيذية والقضائية وكذلك البرلمان".

ويذكر أن الانتفاضة الكردية وقعت احداثها في (5/3/1991) اذ استمرت ثلاثة اسابيع تم بعدها تحرير مدن وقصبات اقليم كردستان من سلطة النظام السابق.

وأوضح المكتب السياسي "بهذا الصدد نؤكد أيضاً أن عملية الإصلاح والتجديد التي بدأت في الإتحاد الوطني الكردستاني كبادرة منه، تعد خطوة مهمة بإتجاه تعزيز وتفعيل نظام السلطة في كردستان ولحسن الحظ فان هنالك دعماً لهذه العملية من قبل شعبنا وكذلك القوى السياسية الكردستانية، وهذه العملية التي دخلت مجال التطبيق عن طريق مشروع السيد مام جلال الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني تتقدم بإستمرار".

ولفت إلى أن "التجارب المرّة والحلوة" التي مر بها الشعب الكردي كانت "درساً وعبرة مهمة لنا، وهي أن وحدة صفوف شعبنا هيّ الضامن لنجاحنا كما رأينا ذلك في الإنتفاضة وإسقاط النظام والمعارك السياسية والدستورية التي خضناها في بغداد، والوجه الآخر لهذا الدرس هو أن التشتت والتنافر واختلاف المواقف إزاء القضايا المصيرية يؤدي الى الفشل والتأخر".

وقال البيان "كما هو مخطط له فانه في فترة أقل من ثلاثة أشهر ينتخب شعبنا مجدداً برلمان كردستان في عملية ديمقراطية. وهذه الإنتخابات تجري في مرحلة بالغة الحساسية، بمعنى ان مهامنا السياسية أكثر حسياسية وأهمية وخاصة المتعلقة منها بإنقاذ النظام الفدرالي من المخاطر التي تهدده وكذلك الحسم الدستوري لمسألة كركوك والمناطق المستقطعة الأخرى من كردستان".

وتابع "لتحقيق هذه الأهداف فان فعالية وثقل الدور الكردي في جميع مؤسسات الدولة العراقية الفدرالية وتحالفنا وصداقتنا مع الأحزاب والأطراف العراقية، تعد أمرا ضرورياً، لذا فاننا نغتنم هذه الذكرى لحث وتشجيع المواطنين للمشاركة الفاعلة في هذه العملية الديمقراطية”. واعتبر أن “كردستان العراق اليوم ليست فقط إقليماً إدارياً بل أصبحت مركزاً سياسياً هاماً في العراق والمنطقة وينظر إليها بإحترام، بحيث تقيم الدول الإقليمية والأوربية معها علاقات سياسية ودبلوماسية جديرة بتجربة إقليم كردستان وثقله على مستوى العراق والمنطقة وهذا يعتبر مكسباً هاماً من الناحية السياسية والإقتصادية".

من جهتها، أصدرت حكومة إقليم كوردستان بيانا هنأت فيه "القوى السياسية الكردستانية وذوي الشهداء الابرار وبيشمركة كردستان (حرس حماية الاقليم) وجماهير شعب كردستان بهذه الذكرى المباركة".

وجاء في البيان إن "شعب كردستان شعب تواق الى الحرية والديمقراطية وهو الذي عانى ولمدة طويلة من الظلم والإضطهاد والتعسف، معتبراً الإنتفاضة مهرجاناً شارك فيه كل طوائف وشرائح المجتمع الكردستاني".

وأضاف "أجبرت الجماهير المنتفضة الدول الغربية على إعادة النظر في سياساتها تجاه الكرد ما إضطرها الى إصدار قرار بتحجيم نفوذ السلطة البعثية في مدن كردستان، وإصدار القرار 680".

وشكر البيان جماهير كردستان لتوجهها "الى صناديق الإقتراع بعد الإنتفاضة لتختار ممثليها في برلمان كردستان الذي انبثق عنه وتشكيلة حكومة إقليم كردستان، وصمودها بوجه الحصار الإقتصادي المزدوج الظالم الذي فرضته عليها حكومة البعث من جهة والأمم المتحدة من جهة اخرى وإجتيازها لتلك المرحلة الصعبة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/آذار/2009 - 18/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م