
شبكة النبأ: قال احد الفلاسفة وقد
تجاوز السبعين من عمره، إنني لازلت تلميذا صغيرا في مدرسة كبيرة اسمها
الحياة، والتاريخ احد الروافد المهمة التي ترفد الحياة بالسبل الناجعة،
حيث نأخذ من الاحداث الماضية بعد تمحيصها وتدقيقها عبرا تقودنا الى
مرافئ النجاح.
ويقودنا هذا الكلام الى قضية الصراع بين الشر والخير الذي لايزال
وسيبقى قائما، حيث يرى العارفون بأن احد العوامل المهمة في معالجة هذا
الصراع هو ان تعرف عدوك جيدا وان تعرف نفسك ومكامن قوتك قبل ذلك، يقول
الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله في تأشيره لعوامل
الهزيمة والانتصار وحسبما ورد في كتابه الموسوم (لنبدأ من جديد):
(أ. ضعفكَ.. وقوّة العدو:
إذا كنت في مركز الضعف، وكان عدوّك في مركز القوة، كان هناك عاملان
مهمّان لانهيارك، خصوصاً إذا كان البون بينك وبين عدوّك شاسعاً، فكان
عدوك يملك كل أنواع السلاح، وأنت لا تملك أياً من أنواع السلاح.
ب. عدم استعدادك:
حارب جيشان، فانهزم أحدهما، فسأله الناس عن سبب انهزامه؟
قال رئيس الجيش المنهزم: كان هناك أربعون علّة لانهزامنا، الأول:
فقدنا العتاد ..
قال السائل: كفى، ولا أحتاج إلى عدِّك بقية العلل والأسباب ـ إشارةً
إلى أن فقدان العتاد والسلاح عامل أساسي في الهزيمة ـ .
جـ. الأعدام لا تؤثِّر.. ولا تتاثَّر:
المعروف عند بعض الحكماء أن الأعدام وإن لم تكن وجودات، إلا أنها قد
تكون منشأً لبعض الآثار في الجملة.
يقولون: إنك لا تسافر لأنك لا تملك السيارة، ولا يصح أن يُقال: إنك
لا تملك السيارة لأنك لا تسافر.
ويقولون: إنك لا تواصل الدراسة لأنك لا تجد المدرّس ولا تجد الكتاب
ولا تجد الوقت الكافي..، فإذا حصل عندك الوقت الكافي فإنك أيضاً لا
تتمكن من المواصلة، لأن هناك عدمين آخرين حالا دون دراستك.
لكنّ الصحيح أن الأعدام لا تؤثر ولا تتأثر بل إن الوجود فقط علّة
ومعلول.. فإذا كان معلول عدمي مستنداً إلى عدة من الأعدام، لا يكفي
انقلاب أحد الأعدام إلى الوجود في أن ينقلب ذلك العدم المعلول إلى
الوجود) .
هنا نكتشف ان وقائع التأريخ واحداثه تمدنا بالكثير من الدربة
والتمحيص وصولا الى الاهداف المطلوبة، إذ يؤكد السيد الشيرازي، بأن
الوصول الى الاهداف العظيمة لا يتحقق بالنوايا الطيبة وحدها او بالتمني
الذي لايستند الى العمل الدؤؤوب والصحيح في الوقت نفسه، إن الجهد
الصادق والمدروس من لدن عقلاء الامة ومصلحيها ثم نشره بين الرعية
وتحويله الى فعل ملموس هو الذي يسهم بدرجة كبيرة في تحقيق اهدافنا
المرجوة، حيث ورد في الكتاب ذاته عنصرا آخر هو:
(د. الاُمنيّات الفارغة:
من الأخطاء: الأماني الفارغة ـ حتى في أصغر الأشياء ـ ، إن ثمن بيضة
حمام فلسان ـ مثلاً ـ ولكنك إذا تمنيت البيضة بدون أن تبذل الفلسين أو
أن تطلبها ممّن يعطيك إياها مجاناً، كنت على غير صواب، أليس هكذا؟.
وقد ورد في الحديث: إن الأماني بضائع النوكي، و النوكي: جمع أنوك،
بمعنى الأحمق.
فإذا كانت الأماني بضاعة الأحمق حتى في ما ثمنه فلسان، فماذا ترى في
ما ثمنه ألف بليون دينار؟.
وإذا كانت الأمنية الحصول على ما ثمنه فلسان بدون سلوك الطريق
الموصل حمقاً (مرة)، فأمنية الحصول على ما ثمنه ألف بليون دينار بدون
سلوك الطريق الموصل، حمق (ملايين المرات).
هـ. التقليد الأعمى:
قال أحدهم: دخلت خزانة الحمام، فرأيت شيخاً كبيراً يغتسل، وينوي
هكذا: (أغتسل غسل الحيض قربةً إلى الله تعالى).
قلت له: لماذا هكذا تنوي؟
قال: فكيف أنوي؟
قلت: نية الغسل الذي عليك.
قال الشيخ: اذهب يا أحمق، فهل أنت أعلم أم أمي، فقد جئت معها إلى
الحمام حين كنت صغيراً مرات، وكانت تنوي هكذا..
و. خسائر عدم التعقل:
يقولون: إن جحا، قال لزوجته ـ ذات يوم ـ : ما هو غداؤنا؟
قالت: لا شيء لنا.
قال: فلنذهب لنحصل على المأكول.
فأخذ جحا عنزاً له، ليبيعه في السوق، وأخذت الزوجة كُبّابة من الخيط
لتبيعها، وبعد ساعات رجعا.
قال جحا: عجيب أمري! فقد حفّ بي في السوق جماعة زعموا، انه ليس
بعنز، وإنما هو كلب، فصدَّقتهم وكذَّبت عيني، ولذا تركته.
وقالت الزوجة: إن الكبابة كانت ربعاً إلا ثلاثة دراهم ـ وزن معروف ـ
ولذا أغفلت الخيّاط، فأدخلت في جوف الكبابة أقراطي الذهبية، فبعتها
بعشرة فلوس!.
قال جحا راضياً بما فعله وما فعلته ! ـ وهنا بيت القصيد ـ : نعم..
أنت اعملي، وأنا أعمل، والله يرزقنا من واسع فضله).
ز. الطموح.. وانعدامه:
وكان بقّالان شرعا في البقالة، ورأس مال أحدهما: مائة دينار، ورأس
مال الثاني: عشرة الآف. وبعد أعوام، صار رأس مال الأول: مائة ألف، ورأس
مال الثاني: أحد عشر ألف.
فكان البقال الثاني يفرح، لأنه ربح ألف دينار!.).
إذن هذه هي عوامل القوة والضعف، فالطموح عامل لايُستهان به قطعا في
تحقيق الاهداف المخطَط لها، لكن ينبغي أن يرتكز هذا الطموح على
المواظبة في العمل لا ان يبقى يدور في خانة التمنيات التي تدور بدورها
في حلقة مفرغة اسمها الخيال. |