مخاوف وهواجس لعراق ما بعد أمريكا

هل سيكون قرار الانسحاب على شاكلة قرار الاجتياح

محمد حميد الصواف

  

شبكة النبأ: حزمت أمريكا أمرها... معلنة لملمة شتات جيشها المنهك ومغادرة العراق في مدة أقصاها ثمانية عشر شهرا على ابعد تحديد، مستثنية بذلك الإبقاء على بضع وحدات غير قتالية لغرض المشورة والتدريب، لتطوي ستة أعوام مكلفة كبدت الولايات المتحدة ولا تزال خسائر باهظة على صعيدي الأموال والأرواح.

 فحسب ما أعلنه الرئيس الأمريكي، بدا التوجه المعلن لدى الساسة الجدد في البيت الأبيض تأكيدهم على ضرورة ترك هامش متسع للعراقيين لحل قضاياهم بعيدا عن التدخلات الأمريكية المباشرة، معتمدين على أنفسهم في الارتقاء بديمقراطيتهم الناشئة وفق مبدأ الاعتماد على الذات، خصوصا فيما يتعلق بترتيب البيت الداخلي والحد من التهديدات الخارجية المتمثلة بمحاولات الهيمنة المحمومة لبعض دول الجوار على القرار السياسي العراقي.

في الجانب الآخر يقف الساسة العراقيين بين مؤيد أو معارض، حيث تباينت الآراء بشكل يدعو الجميع إلى التمعن بجدية الانسحاب الأمريكي المزعوم وما سوف تترتب على هذا القرار من إسقاطات على المشهد العراقي.

فتضاد القناعات والإستراتيجيات لحلفاء الأمس القريب ورفاق النضال القريب، بات يهدد كما يرى العديد الاستقرار النسبي للبلاد، خصوصا بعد اتساع الهوة بين شركاء العملية السياسية. 

فهناك من يجد في مغادرة القوات الأمريكية فرصة سانحة للاعتماد على الذات والنأي بالعراق بعيدا عن الاعتماد على الولايات المتحدة، ابتداء من إعادة النظر في التوازنات السياسية القائمة ومراجعة اغلب ما تم الاتفاق عليه مسبقا، كترميم المؤسسات الدستورية أو تعديل النهج المتبع في أدارة الدولة.

في حين يرى آخرون أن تلك التوجهات تبعث الريبة والشك، معلنين تخوفهم الواضح من ظهور نظام شمولي جديد في المشهد السياسي وان كان عبر الآليات الديمقراطية المعتمدة، مما يعد تهديدا مباشرا لما يعتبر مكتسبات تاريخية لا يمكن التراجع عنها، فضلا عن تراجع مشروع فدرلة العراق.

فدفع حزب الدعوة الإسلامية المهيمن على ابرز مفاصل الدولة صوب مبدأ تدعيم النظام المركزي عبر إعادة الهيبة لحكومة مركزية ذات صلاحيات نافذة على جميع المحافظات بما يشمل إقليم الشمال، يجده الساسة الكرد بأنه محاولة لقضم الحقوق الشرعية وإجهاض فكرة ضم محافظة كركوك الغنية بالنفط، فيما يراه المجلس الإسلامي الأعلى وأد مشروع إقليم الوسط والجنوب الذي مسخ في مهده، حسب المعطيات الأخيرة وإفرازات انتخابات مجالس المحافظات، التي قلصت نفوذ تيار شهيد لمحراب بشكل محرج.

لكن بغض النظر عن الاستحقاقات الانتخابية يبقى الأكراد والمجلس الأعلى يفرضان واقعا يصعب إنكاره على الأرض، باعتبارهما ابرز مؤسسي العملية السياسية في عراق ما بعد التاسع من نيسان، فضلا عن تمتعهما بأجنحة عسكرية تمرست لسنوات طوال خلال فترة النظام السابق، كقوات البيشمركة ومنظمة بدر، ولا تزال تربطهما أواصر مشتركة مما يؤهلهما مجتمعين القدرة على نسف كل ما تحقق بشكل يسير إن شعرا بخطر الاستهداف.

الحلقة الأضعف في المعادلة تمثلت بالأحزاب السنية التي أنهكتها موجة العنف بعد أن اجتاحت مدنها منذ بداية تغيير النظام السابق، لتكون أول الخارجين من دائرة الصراع وان كان بشكل غير مباشر.

ليطل علينا في خضم تلك التفاصيل تساؤل له من الأهمية بقدر ما تم تحقيقه خلال السنوات الست الماضية، واشد من يعول على إجابته هو الرئيس اوبما نفسه، فالعراقيين وان كانوا لا يحبذون مقارنة قرار الانسحاب الوشيك بقرار الاجتياح في 2003 لكن يبقى باب التساؤل والتنبؤات مشرعا أمام الجميع، حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود، فهل سيكون قرار اوبما المسئول مدروسا بما يضمن حفظ استقرار العراق وأمنه فعلا أم سيكون على وزن قرار بوش عندما قرر اجتياح العراق بمسؤولية هي اقرب إلى العبثية من التنظيم مما كبد العراقيين ما يطول شرحه.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/آذار/2009 - 16/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م