الصعود إلى القمة

على طريقة حسنين ومحمدين!!

د. أحمد راسم النفيس

لا تزال الطبيعة الإنسانية تلعب دورا رئيسا في تشكيل المشهد السياسي وما زال العرب يصرون على تطبيق مبدأهم القديم (النار ولا العار)!!.

يروي البعض قصة (حسنين ومحمدين في مانهاتن) وكيف راحا ضحية عنادهما وإصرارهما على عدم التراجع عن الخطأ عملا بالمبدأ المشار إليه سابقا.

تقول القصة: أن الأخوين ذهبا في رحلة بيزنس إلى نيويورك مدينة السياسة والمال من أجل استثمار بعض المليارات التي نالاها بسبب سهرهما المتواصل على خدمة الفقراء والكادحين مصطحبين وفدا إعلاميا قوميا كبيرا لزوم التهليل والتطبيل والإشادة والتأييد.

استشار الأخوان صديقا أمريكيا موثوقا عن العنوان فأشار عليهما بالدخول إلى بناية تبين بعد ذلك أنها ليست المكان المقصود.

عندما دخل الأخوان ومعهما الفريق الإعلامي اكتشفا تعطل المصعد فقررا الصعود على الأقدام إلى الدور المائة وعلى الفور انطلق الطبل والزمر إشادة بقرار الصمود والصعود زحفا أو على الأقدام (ولو إلى المكان الخطأ) من أجل أداء المهمة التاريخية التي جاء الوفد من أجلها!. مهمة إيداع الأموال بعيدا عن أعين الفقراء المتطفلين وتبادل الآراء مع الصديق الوثيق ووضع الخطط من أجل تأديب كل مارق وزنديق.

بعد وصول الوفد إلى الدور الخمسين بدأ الجمع يحس بالإرهاق كما أن البعض قد تسرب إليه الشك في مصداقية النصيحة التي قدمها الصديق الأمريكي الموثوق.

وبعد جهد جهيد لتهدئة أصوات التهليل والتأييد وخفض أصوات الطبول والصاجات المدرعة عقدت جلسة مشاورات لم تستغرق سوى لحظات تقرر على إثرها مواصلة الصعود وكان على رأس المؤيدين, الفريق الإعلامي القومي الخائف من فقدان وظائفه إذا تقرر النزول لأن التوقف عن قرع الطبول يعني إعادتهم مشيا أو على أول طائرة كما أن (شدة الطبلة) أصبحت في الفورمة وليس من السهل إعادتها للقرع مرة أخرى!!.

عندما وصل الوفد بحمد الله!! للدور المائة تيقن أنه قد ضل الطريق ولم يجد أحدا يتشاور معه والتف حوله اللصوص محاولين الاستيلاء على ما معه من أموال وقبل أن تتاح له فرصة للتفكير والبحث عن مخرج للإفلات من الفخ جاءت طائرات الأخوين أسامة وأيمن لتعصف بهم وبالأموال والأبراج والفريق الإعلامي والطبول والصاجات ولا زال البحث عنهم تحت الأنقاض جاريا حتى الآن!!.

أن تنزل من الدور الخمسين أفضل ألف مرة من أن تنزل من الدور المائة وأن تنزل من الدور المائة خير من ألا تنزل أبدا والأهم من هذا ألا تكابر وتصر على الصعود في الاتجاه الخطأ ويبدو أن البعض قرر ألا ينزل أبدا من فوق الشجرة!!.

الغريب أن أحدا من الخبراء المراقبين لم ينتبه إلى (محاسن الصدف) التي أضلت (حسنين ومحمدين) عن سواء السبيل وأتاحت الفرصة للأخوين (أسامة وأيمن) لتنفيذ هذه المهمة وانصب جهدهم على نفي ضلوع (الجماعة والجهاد) في عملية الإبادة وعلى تأكيد صدق مراجعات الدكتور إمام وواصلت الصحف نشر وثائق التبرئة والتعرية خاصة وثيقة: (طار في الهوا شاشي)!!.

لا شك أن مأساة حسنين ومحمدين تتشابه مع مأساة أولئك الذين وضعوا كامل ثقتهم في صديقهم الأمريكي رغم أنه كان تارة يقودهم إلى الهاوية وتارة أخرى إلى العنوان الخطأ كما أنهم وضعوا ثروات شعوبهم بين يديه فتبخرت التريليونات ولم يقبضوا إلا الهواء ورغم ذلك فهم يعيشون على أمل أن يسترد الاقتصاد الأمريكي عافيته والجيش الأمريكي قوته لينقذهم من كوابيسهم الناجمة عن التخمة والبطالة ويحميهم من مطالبة جيرانهم الفقراء بنصيب من ثروات لم يبق منها إلا قبض الريح!!.

لطالما اعتقد (حسنين ومحمدين في مانهاتن) أن الثروة النفطية هي منحة إلهية خالصة للمتنفذين منهم وأن المنحة التي تفجرت تحت أقدامهم بفضل تعاونهم مع الصديق البريطاني ثم الأمريكي تجعل من الحماية العسكرية التي يوفرها لهم هذا الحلف أمرا أبديا كونها شراكة تجارة ومصالح بين رأس المال والمدير وأن مصالح الشريكين تعلو على مصالح الجميع وهكذا فعندما ضل الصديقُ الطريقَ ضلوا معه وربما كان العكس صحيحا.

لطالما اعتقد هؤلاء أن سياسات الصعود والتصعيد العشوائي يمكن أن تحقق أهدافهم التي تضاءل فيها دوما كل ما هو خير ونبيل وكان أغلبها إما (تقليص نفوذ أو إسقاط نظام أو تمريغ أنفه في التراب وصولا إلى ركوب موجة أحدثتها ملاحظة وردت عرضا في محاضرة عن التاريخ أو شن هجوم صوتي كاسح ردا على شريط سينمائي لم يشاهده أحد أو امتشاق سلاح الحزم والحسم في معالجة خلاف حدودي) وفي كل هذه الأحوال كانت قوة عرب (حسنين ومحمدين) الضاربة تتمثل في فريقه الإعلامي من حملة الدفوف والصاجات المدرعة لتنتهي كل حروبهم الصعودية التصعيدية العبثية إلى لا شيء!!. 

الآن أصبحت الخريطة الوهم التي رسمها البعض في خياله الفسيح مجرد أضغاث أحلام.

الحرب على إيران وإسقاط نظام (الملالي) في طهران أصبحت هدفا بعيد المنال.

تغيير النظام السوري الذي يدعم (إرهاب حزب الله) عبر (تلبيسه) مسئولية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ومعاقبته في المحكمة الدولية انضمت هي الأخرى إلى بقية الأماني والأوهام ثم جاء إفراج القضاء اللبناني عن الأخوين عبد العال المتهمين بتنسيق عملية التفجير من خلال المراقبة والاتصال مع الضباط الأربعة ليجعل افتراضات سيء الذكر ديتليف ميليس مجرد أكاذيب تكشفها حقيقة تبرئة الأخوين دون أن يوجه لهما أي اتهام.

وأخيرا لم يجد أبطال فيلم (حسنين ومحمدين في..) بدا من التصالح مع النظام السوري الذي ظل هدفا لسهامهم إلى ما بعد انعقاد قمة دمشق في مارس العام الماضي وأعلن أحد كبار مديري الفريق أننا (حفرنا حفرة عميقة للخلاف بيننا وبين سوريا ودفناها  فيها)!!.

الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه أن المذكور أدناه قد دفن رغم أنه كان ميتا منذ اللحظة الأولى لولادته.

القرار 1559 الهادف لتجريد حزب الله من السلاح ليبقى لبنان الأرض والبحر والجو ساحة مفتوحة للعدو الصهيوني يسرح فيها ويمرح ذهب هو الآخر مع الريح في أعقاب فشل عدوان تموز الإسرائيلي في تحقيق أي من أهدافه.

هل استفاق عرب حسنين ومحمدين على حقيقة التغيير المذهل والهائل الذي حدث في العالم من حولهم وأن (حاميهم حراميهم) الأمريكي الذي كانوا يراهنون عليه وعلى حربه على سوريا وإيران وحزب الله قرر أن يرحل من العراق تماما مثلما بدأ الأسد البريطاني العجوز مسيرة الرحيل من المنطقة منتصف القرن الماضي في نفس الوقت الذي تصر فيه فرقة الصاجات المدرعة والطبول الجوفاء على إطلاق أصواتها الحربية الجنائزية الكئيبة لدى أي فرصة تلوح لها حتى ولو كان تعقيبا على نص ورد في محاضرة أو مشهدا في فيلم سينمائي لم يره أحد!!.

وإذا كان أحد كبار منتجي فيلم (حسنين ومحمدين في..) قد أعلن عن دفن الخلافات مع سوريا فلن نطلب منه سوى تسريح فرقة الصاجات المدرعة وكتائب الردح النووي فربما!! ربما!! نتمكن من سماع صوت العقل والمنطق ولو لمرة واحدة!!.

Arasem99@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/آذار/2009 - 16/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م