الباباوات والتقصير

جمعة اللامي

يتعين على الإنسان أن يكون لديه وعي كامل لحدوده الشخصية، خصوصاً إذا رغب في توسيعها”

(غرامشي  “رسائل من السجن”)

 

كثير من المثقفين العرب، من هنا إلى هناك، مروا بالإيطالي انطونيو غرامشي، حتى إن بعضهم تماهوا معه، فصاروا يكتبون “أفكاره المكتوبة” باعتبارها كتاباتهم الشخصية، ومنجزاتهم الخاصة.

لنتذكر مفهوم “المعادل الموضوعي” و”المثقف العضوي”، ونمر على كتاب بعض المثقفين العرب، خصوصاً منهم الذين تعلقوا ببعض حافات “لاماركسية” ماركس، لنجد ذلك الحشو اللغوي الثرثار.

هذه صورة صغيرة، وربما تبدو بعيدة، لحالة التقصير في ثقافتنا العربية في النصف الأخير من القرن العشرين. بيد أن الأكثر وضوحاً، في شكلها كما في تفاصيلها، هو صورة الباباوات العرب الثقافيين، ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين.

التقدير والاحترام للباباوات والكرادلة ورجال الاكليروس، العرب خصوصاً.

لكن المصطلح، “الباباوات العرب الثقافيون”، استدعاه مقال كتبه رئيس تحرير أشهر صحيفة سويسرية، بصدد مجموعة الخبراء في محفل جائزة نوبل بالسويد، عزا فيه ما سماه عدم جودة أداء ذلك المحفل إلى بقاء أولئك الخبراء على كراسيهم لمدة خمس سنوات.

قالت الصحيفة السويسرية، في مقال افتتاحي مخصص للشأن الثقافي، في مبادرة نادرة، إن جائزة نوبل لديها باباوات، لا خبراء.

البابا لا يغادر كرسيه، إلا بالموت.

لدينا  والساحات الثقافية العربية خير شاهد  باباوات ثقافية لهم كراسيهم، من مكتب استعلامات “المؤسسة الثقافية” ولغاية جناب “المدير العام”.

البابا الفراش.

البابا رئيس القسم.

البابا معاون مدير الوحدة.

والبابا المدير العام.

وربما يزيد آخر بعض الكراسي، وهو محق في ذلك، خصوصاً عندما نسمع بتلك “الكراسي” العربية المخترعة في “هيكل المؤسسة الثقافية العربية”. ولكن عندما نتحرى منجزاتهم الشخصية، وإبداعاتهم الوظيفية، لا نجد شيئاً يذكر في ميدان الثقافة والآداب والفنون.

سألني أحد الأكاديميين  الأمريكان، ذات يوم، ونحن نقترب من مكتب أحد المديرين في “المؤسسة الثقافية العربية”: “ماذا يعمل هؤلاء؟”. قلت: “سكرتاريا”. قال: “وهؤلاء الذين في المكتب التالي؟”. قلت: “سكرتاريا”. قال: “وتلك التي في المكتب الذي يسبق مكتب المدير؟”. قلت: “سكرتيرة”.

الحقيقة  سيداتي سادتي  أن فرانز كافكا، لم يسمع بأخبار البيروقراطية الثقافية العربية، إذ لو سمع بها، لاخترع شخصية أخرى، غير “جوزيف ك” في روايته “المحاكمة”.

www.juma-allami.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/آذار/2009 - 14/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م