دولة المؤسسات لاتُبنى بالنوايا الطيبة

علي حسين عبيد/مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام

أصبح مصطلح (دولة المؤسسات) من المصطلحات السياسية التي تتردد كثيرا في كلمات وتصريحات وكتابات القادة السياسيين والمحللين والاعلاميين على حد سواء، ويتبين هذا بشكل واضح في الحراك السياسي والاعلامي العراقي حاليا.

ومع اننا جميعا نتمنى (ويجب أن نعمل) للوصول الى بناء دولة المؤسسات لأسباب معروفة، فإننا نقول في الوقت نفسه بأن الوصول الى هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق بالنوايا الطيبة للسياسيين او غيرهم.

ذلك لأن ساحة العمل السياسي المفتوحة في العراق تتيح لنا رؤية ومتابعة المشهد بصورة جيدة تقريبا وتمكننا من تأشير الأقول التي لاتردفها الافعال، أو تلك التي تُقال وتُفعَل في آن.

لقد خرج العراقيون من مأساة ربما لم تمر بشعب آخر على الأقل في التأريخ السياسي الحديث، ولا داعي أن نذكر فداحة الخسائر والتضحيات التي قدمها هذا الشعب والتي لايمكن أن تُقدر بثمن، ولذلك ومن باب رفع الحيف أولا ومكافأة المضحّين ثانيا وتلبية للمطلب الانساني ثالثا، نعتقد أن على السياسيين بالدرجة الاولى أن يتعاملوا مع الوقائع السياسية العراقية (ليس بالنوايا الطيبة فقط) بل يجب أن تردف هذه النوايا والاقوال والتصريحات والكتابات بفعل ملموس يتحول الى نتائج عملية تقودنا فعلا كشعب مضحي الى دولة المؤسسات التي لايهدر فيها حق ولا يضيع فيها جهد.

إن تحقيق مثل هذا المطلب ليس صعبا او مستحيلا، فهو لا ينتمي الى قائمة الاحلام والخيالات، لقد نجحت شعوب وامم أخرى اكثر منا فقرا في المال والابداع معا، واستطاعت ان تؤسس وتبني دولها وفق ضوابط قانونية لا تزال في طور التقدم والازدهار حتى باتت مضربا للامثال.

فكيف تحقق لها هذا؟

 هل جاء ذلك من نوايا سياسييها الطيبة حصرا؟

كلا، فالامر يتعلق بالفعل قطعا، فحين نستمع لكلمات القائد السياسي تعجبنا حقا ونبني على أساسها حاضرا ومستقبلا ورديا وجميلا وراقيا في آن، ولكن واقع الحال يشير الى غير ذلك، حيث الصفقات السياسية وغيرها قد تقتلع حقوق الشعب من جذورها.

وما يخيف في الأمر أن بعض السياسيين يدسّون رؤوسهم في الرمال حين يتعلق الامر بمحاسبة مختلس او مقصر من كتلهم او احزابهم السياسية، حتى لو كان ذلك مدعوما بالوثائق والدلائل كما ورد في كثير من وسائل الاعلام.

نعم نحن نعي بأننا نمر في دورة المخاض حاليا، ونعرف بأننا خاضعين لشروط التطور التدريجي كما خضع غيرنا من الشعوب والامم سابقا، لكن اذا ما توفرت لنا فرصة التطور وبناء دولة المؤسسات فعلا لماذا نتغاضى عنها ونضعها خلف ظهورنا، بمعنى لماذا نهتم بالصغائر على حساب الاهداف الكبرى، فحين يحاسب هذا العضو الذي ينتمي الى هذه الكتلة السياسية او تلك، فهذا لا يعنى عارا عليها قط ولا هو ضعفا، بل ستكبر هذه الكتلة او هذا الحزب في عين الشعب وتقوى، وستبقى حظوظها قائمة في قيادة الشعب طالما انها تحوّل نواياها الطيبة الى افعال ماثلة امام عيون الناس.

بخلاف ذلك فإن هذا الشعب او غيره ولعلها سنة الحياة، سيرصد بعين مجربة من يغرق في مصالحه الفردية والحزبية وما شاكل، وحينذاك لن يبقى على رأس القوائم الفائزة دائما، فالتأريخ والزمن كفيلان بتصحيح المسارات الخاطئة، وان فرص كسب الناس لن تدوم الى الابد في ظل الاخطاء التي تلمس لمس اليد.

ان القول المعسول الذي ينطلق من التمنيات غير المدعومة بالفعل لايجدي نفعا ولايبني مستقبلا راسخا، وان ما ينجح اليوم من سبل لكسب الناس بإعلان النوايا الطيبة قد لا يبقى مؤثرا على الدوام.

من هنا فان بناء دولة المؤسسات يتحقق بأن يردف سياسينا نواياهم الطيبة بالأفعال حيث تحفظ لكل ذي حق حقه وتجعلنا في مصاف الشعوب والامم التي تعيش حياتها بما يليق بالانسان وكرامته وحريته حقاً.

* مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام

http://annabaa.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/آذار/2009 - 14/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م