مجلس النواب في كل دول العالم التي تحترم شعوبها وتقدر كرامة
الإنسان وتحسب الحساب لصوت الشعب، يمثل ضمير الشعب والناطق الوفي
والمدافع الحقيقي عن حقوق الشعب ومصالحه وطموحاته وآلامه وآماله
المشروعة لسبب معروف وواضح وهو أن الشعب هو الذي أوصل كل عضو فيه إلى
البرلمان نتيجة الوعود والعهود التي أدلى بها هذا النائب لناخبيه وقطع
عهدا على نفسه بأن يكون المرآة الحقيقية لعكس مصالحه المشروعة.
ولابد أن يكون هذا النائب صادقا مع الله ومع نفسه ومع شعبه وأن يفي
بوعده ويضع نصب عينه العهد الذي قطعه على نفسه لأبناء شعبه بالتخفيف عن
معاناته وهذا واجب أخلاقي وديني ووطني ووعد الحر دين في رقبته وقد أمر
الله به ونادت به كل الشرائع والأديان.
قال الله في محكم كتابه العزيز : بسم الله الرحمن الرحيم(وأوفوا
بعهد الله أذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله
عليكم كفيلا أن الله يعلم ماتفعلون) الآية 91 النحل. فالقسم الذي يؤديه
عضو البرلمان هو عهد يقطعه على نفسه وهو يضع يده على كتاب الله العظيم
- القرآن- ليكون صادقا ووفيا ومضحيا ومتفانيا للمبادئ التي آل على نفسه
أن يهتدي بهديها بعيدا عن الأنانية والغش والمكر والخداع وعقد الصفقات
الشخصية والابتعاد عن المهاترات العقيمة والجدل البيزنطي الذي يهدر
الوقت والجهد والمال ونتيجته الخواء والأحقاد والبعد عن نبض الطبقات
الفقيرة والمحرومة من أبناء الشعب العراقي الذي عانى طويلا.
ترى ماهو موقع عضو مجلس النواب العراقي من الواقع المأساوي والمرير
الذي يعيشه الشعب؟ وقد كررت هذه الأقوال عشرات المرات ورغم تكرارها
فكأنها تضيع مع أدراج الرياح وعلى قول المثل العراقي (لامن شاف ولا من
دره ) وكأن هؤلاء النواب أصيبوا بالصمم ولا يرغبون في سماع كلمة حق
أريد بها حقا ولا تخفي وراءها هدفا أو غاية أو مكسبا سوى ألقاء الحجة
انطلاقا من قول رسولنا الكريم محد ص (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )
وقوله الآخر ص ( من لايهتم بأمور المسلمين فليس منهم) وهما حديثان
صحيحان ومتفق عليهما.
وفي مجتمع أسلامي كمجتمعنا العراقي مع احترامي الشديد للديانات
الأخرى وهم من هذا المجتمع وعانوا ويعانون مثلما تعاني الأكثرية
المسلمة من الحرمان وضياع الحقوق ونقص الخدمات بحيث أصبح المواطن
العراقي مضربا للأمثال في ضياع الحقوق من تهجير وفاقة وحرمان والعيش في
بيوت لاتصلح حتى للحيوانات وعدم توفر الماء والكهرباء في هذه المناطق
إضافة إلى كونها أماكن قذرة تكثر فيها النفايات والمياه الثقيلة
الطافحة في الشوارع ونقص في التغذية والعلاج وارتفاع فاحش للمواد
الغذائية الضرورية وتزايد عدد العاطلين من الشباب بحيث أصبح عددهم
بالملايين، وتدهور وضع البطاقة التموينية يوما بعد يوم بحيث أصبحت
موادها الأساسية من أردأ الأنواع وقسم منها لايصلح للاستهلاك البشري و
لا يعرف مصادرها رغم تأكيدات وزير التجارة ووعوده الكثيرة بأن مواد هذه
البطاقة ستشهد تحسنا من حيث الكم والنوع لكن حدث العكس. والأمر والأدهى
من ذلك تصدر أصوات من بعض المسؤولين بين آونة وأخرى بإلغاء هذه البطاقة
لأنها تكلف الدولة أموالا طائلة !!!
أنا مع ترشيد هذه البطاقة أذا أخذت العدالة مجراها ولكنني أشك في
ذلك لأننا تعودنا على الكثير من الأقوال دون الأعمال وكما يقول المثل
العراقي (الرحه دايره والبركه طايره) أما الفساد الإداري فلا يزال ينخر
في كيان الدولة ويحتاج إلى مقال مستقل وقد تناوله الكثير من الكتاب
الذين يهمهم مصلحة الشعب ومعاناة فقراءه ومحرومية.
ومن المؤلم حقا أن نرى وسط هذه المشاكل الهائلة والمصاعب الجمة
التي يعانيها الشعب العراقي قرارا من مجلس النواب يوصي بزيادة رواتبهم
وحصول كل منهم على قطعة أرض في بغداد مساحتها 600كم مربع مع جواز سفر
دبلوماسي له ولعائلته وإلى الأبد وغيرها من المكاسب العجيبة والغريبة
التي لم يشهدها أي برلمان في العالم لايعاني شعبه من هذه المشاكل التي
يعانيها شعب العراق.
وعندما رفض مجلس الرئاسة هذا القرار تم التصويت عليه للمرة الثانية
يوم الأربعاء الماضي وتمت الموافقة عليه بالأكثرية الساحقة مرة أخرى
وبأسرع من لمح البصر بعيدا عن معاناة الشعب فهل يعقل هذا؟ أن الكلام
الذي أدونه ليس من عندي وإنما نطق به عضو مجلس النواب السيد محمد
الحيدري في خطبة هذه الجمعة ونقلتها محطة الفرات الفضائية هذا اليوم
وقد شهد شاهد من أهله كما يقول المثل.
أليست مثل هذه الأمور السلبية والمخيبة للآمال تضعف ثقة الشعب
العراقي بهذا البرلمان العتيد الذي تتراكم أخطاؤه يوما بعد يوم وهو يدب
كدبيب النمل لتشريع القوانين المهمة والضرورية التي تمس حياة الشعب
ويهرع إلى التصويت الصاروخي للحصول على المكاسب والامتيازات التي تخصه!!!
وهذا قانون النفط والغاز يعيش حالة الاحتضار منذ سنتين وقانون الموافقة
على موازنة عام 2009 أمامه مخاض طويل لكي يقر ونحن دخلنا شهر آذار ألم
يصبح مجلس النواب بتصرفاته هذه عبئأ ثقيلاعلى الشعب العراقي بدلا عن
تحقيق طموحاته المشروعة ؟ وألى متى ستبقى هذه الدوامة القاتلة من
الأخطاء ؟ ومتى تنتهي هذه التوافقات المصلحية والأنانية التي يقوم بها
بعض النواب خلف الكواليس لصالح أحزابهم وكتلهم وإلى متى هذا النهم
المستمر لجني المكاسب الغير مشروعه والمكاسب غير المشروعة لاتثمر أبدا
كما يقول المثل الانكليزي وكما قال شاعرنا العربي:
والنفس راغبة أذا رغبتها
وأذا ترد ألى قليل تقنع
مع أن رواتب السادة أعضاء مجلس النواب ليست بالقليلة أبدا وشعبهم
يعيش هذا الظرف الصعب والقاهر.
والحقيقة المرة الأخرى التي تحز في نفس كل عراقي شريف أن عددا من
الإرهابيين والقتلة خرجوا من معطف هذا البرلمان وتقاضوا مبالغا طائلة
لفترات طويله وهم قتلة محترفون وهذا شر البلية وكان آخرهم الدون جوان
محمد الدايني الذي اختفى عن الأنظار بطريقة غامضة وكأنه أصبح كشخصية
أرسين لوبين أو أننا نقرأ قصة من قصص الكاتبة الأنكليزية أجاثا كرستي
كيف اختفى وماهي الطريقة وهو في مطار بغداد لاأحد يدري وربما نراه بعد
فترة وهو يسوق أكاذيبه وافتراءاته ويحض( المقاومة ) على المزيد من من
قتل الأبرياء في العراق كما فعل صاحباه في الإرهاب مشعان الجبوري وعبد
الناصر الجنابي.
والمؤلم حقا أن ينبري بعض أعضاء هذا المجلس حتى في حالة إصدار
القضاء أمره برفع الحصانة عنه بالدفاع عنه دون وجل أو خجل فماذا يعني
هذا؟ ولماذا لم يواجه محمد الدايني القضاء أذا كان بريئا حقا؟
لاأريد أن أطيل في الكتابة عن هذا البرلمان الذي جلب بعض أعضاءه
الويلات والمصائب على الشعب العراقي وقد انطبقت عليهم الآية الكريمة
بسم الله الرحمن الرحيم (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون
ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء
الدار) الآية 25 من سورة الرعد. وأتساءل ويتساءل معي الكثيرون أليس
هؤلاء النواب والمسؤولون الكبار الذين أثروا على حساب الشعب وزرعوا
الساحة العراقية باحتقانات وفتن طائفية رهيبة كادت تشعل حربا أهلية
دموية في العراق قد ماتت ضمائرهم وأفسدوا في الأرض ولابد أن ينالوا
القصاص العادل ومطالبة العراق بهم عن طريق الانتربول الدولي هو حق
مشروع كفلته كل القوانين الدولية؟
ومنهم سعد الهاشمي وزير الثقافة السابق وأيهم السامرائي وحازم
الشعلان إضافة إلى الذين ذكرتهم أما آن للحكومة أن تقول للمفسدين
والإرهابيين كفاكم الولوغ بدماء الأبرياء وقد حلت ساعة القصاص كي يتنفس
الشعب الصعداء بعد هذه السنين العجاف من القهر والاستلاب والحرمان في
أغنى دولة تحسدها الدول الأخرى لغناها وتنوع ثرواتها.
وفي ختام مقالي لاأريد أن أضع كل أعضاء مجلس النواب في كفة واحدة
ففيهم العديد من الذين حملوا الأمانة وحافظوا على العهد مع شعبهم
وأخلصوا لمبادئهم رغم كل هذه العواصف الهوجاءوالتأريخ كفيل بأن يحكم
بينهم والشعب هو الحاكم فالوقت يمضي سريعا والوقت من ذهب كما يقول
المثل ولم يبق الا القليل القليل من الوقت أمام هذا البرلمان لكي يصلح
من حاله ويتجرد عن المالح والمكاسب الشخصية التي ستذهب هباء وتشوه
سمعته أمام الشعب و ليس لي ألا أن أنهي مقالي ببيت المتنبي الشاعر الذي
يقول:
أذا كانت النفوس كبارا
صغرت في مرادها الأجسام. |