مَهمتان مُُهمتان للعسكري عليه السلام

سامي جواد كاظم

كل معصوم يتعامل مع عصره وفق ما تعيشه الامة الاسلامية من اوضاع سياسية او ثقافية، والامر الاخر الذي يعمل عليه الامام المعصوم عليه السلام هو التهيئة للخليفة من بعده،فالامام علي عليه السلام قالها صراحة لشيعته والامة الاسلامية ان الامام الحسن عليه السلام هو وصيه والقائم بالامر من بعده.

اما الاجواء التي كان يعيش فيها الامام الصادق عليه السلام بالرغم من قسوتها فان الامام الصادق عليه السلام استطاع التمويه على المنصور في محاولته لاغتيال وصيه وفي نفس الامر اشار على وصيه لشيعته فقد بعث المنصور رئيس شرطته وقال له انظر فيمن اوصى الصادق وآتني براسه ولما ذهب لتنفيذ الامر عاد خائبا فساله المنصور عن السبب فاجابه ان الامام الصادق اوصى لاربعة انت احدهم فاما قطع راسك معهم او تركهم، وبالرغم من ذلك لم تكن هنالك معاناة للامام الصادق عليه السلام في اظهار امر ولده الكاظم عليه السلام.

و الرضا عليه السلام اشار وصراحة الى ولده الصبي الامام الجواد عليه السلام بانه الامام ولم يخف امره.

 ومن هنا كان دور الامام العسكري عليه السلام في تهيئة الاجواء لولده الامام الحجة عليه السلام الامر المهم جدا وغاية في التعقيد حيث تعد هذه المهمة مفترق طرق وانه لابد له من تثبيت الادلة العقلية والنقلية لولده وذلك طبقا للعلم اللدني الذي يحمله عن ابيه وجده المصطفى عليهم السلام عن الله عز وجل.

ففي الوقت الذي يقوم فيه اخفاء وليده كان يحاول اثبات وجوده للملأ  لكي لا يقع الشيعة بعد وفاته في الشك بوجود الحجة (عليه السلام) فأي دور هذا الذي كان يقوم به ؟

هذه الملاحقة للامام العسكري عليه السلام من قبل جلاوزة المعتمد العباسي تعد الدليل الواضح والموثق لماذكرته كتب التاريخ السالفة لكل الاديان واحاديث النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم والائمة عليهم السلام من بعده على ولادة الامام المهدي وانه سيملأ الارض قسطا وعدلا جعلتهم يتيقنون ويلاحقون الامام العسكري لاستئصال وليده، فقد بثوا الجواسيس من النساء والرجال لمعرفة من هي حامل من النساء في بيت الامام عليه السلام حتى انهم احتجزوا جارية حامل توقعوها هي المقصودة، ولكن كانت السيدة نرجس المصونة زوجة الامام وام الامام حامل بالحجة ولا يظهر عليها علامات الحمل.

هذا التكتم ولد الشكوك في ولادته ولكن الامام العسكري عليه السلام لم يترك الامر من غير اهتمام فالمعروف شهادة القابلة الماذونة تعد معتمدة في حالة الولادة وعليه كانت شهادة السيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الاِمام الجواد وأُخت الاِمام الهادي وعمة الاِمام العسكري (عليهم السلام). وهي التي تولّت أمر نرجس أُم الاِمام المهدي (عليه السلام) في ساعة الولادة، وصرحت بمشاهدة الاِمام الحجة بعد مولده، وقد ساعدتها بعض النسوة في عملية الولادة، منهن جارية أبي علي الخيزراني التي أهداها إلى الاِمام العسكري (عليه السلام) فيما صرح بذلك الثقة محمد بن يحيى،ومارية، ونسيم خادمة الاِمام العسكري (عليه السلام).

ولدينا ثمانية عشر حديثاً يتضمّن كلّ منها سعي الإمام(عليه السلام) لنشر خبر الولادة بين شيعته وأوليائه، وهي ما بين صريح وغير صريح قد اكتفى فيه الإمام(عليه السلام) بالتلميح حسب ما يقتضيه الحال.

فمنها الخبر الذي صرّح فيه الإمام الحسن(عليه السلام) بعلّتين لوضع بني العباس سيوفهم على أهل البيت(عليهم السلام) واغتيالهم من دون أن يكونوا قد تصدّوا للثورة العلنية عليهم حيث جاء فيه: فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول الى منع تولّد القائم أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون.

والعجب عندما اقرأ مزاعم عبد الرسول لاري ( احمد الكاتب ) بقوله ان هنالك حديث واحد فقط يشير على ولادة المهدي وهو غير صحيح.

والامر المهم هنا ويجب التوقف عنده الا وهو ان هذه الولادة وتصرفات الخليفة العباسي توحي الى مداليل صدق تخص الامامية الاثنى عشرية الا وهي ان هنالك عدة طوائف وملل انشقت عن الامامية وخصوصا من اولاد الامام الصادق عليه السلام فلو لا صدق ادعائنا لكان جلاوزة بني العباس تلاحق نسل هؤلاء اصحاب تلك الفرق للوصول الى الامام المنتظر الذي كثر الحديث عنه في الكتب واقوال المعصومين عليهم السلام، وعليه ملاحقتهم للامام العسكري عليه السلام تحديدا دون سائر نسل بني هاشم يثبت صدق ترتيب ائمتنا وشفاعئنا يوم يحشرنا الله عز وجل في يوم لا مفر منه.

اذن طالما ان النساء الحوامل ملاحقات من قبل الظلمة العباسيين فالعناية الالهية حاضرة لاوليائه فقد جعل الحمل لا يظهر على زوجة الامام العسكري عليه السلام بحيث ان اقزام الخليفة المعتمد العباسي لم يشكوا ولو للحظة بام الحجة عليهما السلام انها حامل.

واستطاع الامام العسكري عليه السلام ان يتقن هذه المهمة باللطف الالهي فقد عمل على تثبيت الشهود لولادة الحجة قبل استشهاده حتى يثبت امامته،فعن معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري (رضي الله عنهم) قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام (يعني ولده) ونحن في منزله وكنا أربعين رجلاً، فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما أنكم لا ترونه بعد يومكم هذا.

ورواه في ينابيع المودة (الباب الثاني والثمانون ص 461) عن عمرو الأهوازي مثله. والكليني (قدس سره) في أصول الكافي (ج2، كتاب الحجة باب الإشارة والنص إلى صاحب الدر (عليه السلام)، ص118) مثله

وقد استشهد الامام العسكري عليه السلام بعد ان دس الطاغية المعتمد العباسي له سماً قاتلاً. فلما تناوله الإمام تسمم بدنه الشريف ولازم الفراش وأخذ يعاني آلاماً مريرة وقاسية.

واخيراً انتقل الإمام أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) إلى جنة المأوى سنة ستين ومائتين من الهجرة في شهر ربيع الأول لثمان ليال خلون منه.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/آذار/2009 - 9/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م