بين انتفاضة المنطقة الشرقية في الجزيرة العربية عام 1400 للهجرة،
وانتفاضة المدينة المنورة هذا العام، 1430 للهجرة، ثلاثون عاما، لم
يتغير شيئا من طبع النظام القبلي الحاكم هناك، ومن طبيعته، فلقد بقيت
نفس العقلية المتخلفة هي التي تحكم، كما ان ادواته ووسائله ووهابيته
بقيت على حالها لم يتغير منها شيئا، بالرغم من ان العالم شهد خلال
العقود الثلاثة الماضية الكثير جدا من المتغيرات والتغييرات، ان على
مستوى الفكر او على مستوى الانظمة او على مستوى الادوات.
وهذا يعني احد امرين، فاما ان يكون النظام القبلي الوراثي المتخلف
الحاكم في الجزيرة العربية غير قادر على ان يغير من طبيعته وادواته،
ويتغير، فهو عصي على التغيير، او انه لا يريد، وكلا الامرين يدلل على
انه نظام (سفيه) لا يستحق ان يعيش، كما انه لا يجوز ان يتصرف بحاله
فكيف يتصرف بحال شعبه؟.
انه يشبه الى حد بعيد الانسان السفيه الذي امرنا الله تعالى ان لا
نسلمه اموره لانه لا يعرف كيف يتصرف بها، وفي اغلب الاحيان يتصرف بها
بطريقة خطا قد تودي به، وبغيره.
يقول تعالى في محكم كتابه الكريم {ولا تاتوا السفهاء اموالكم، التي
جعل الله لكم قياما، وارزقوهم فيها واكسوهم، وقولوا لهم قولا معروفا}.
حان الوقت، اذن، لاسقاط النظام القبلي الحاكم في الجزيرة العربية،
بعد ان ثبت بالتجربة، انه نظام لا يستحق ان يبقى على قيد الحياة،
بالرغم من كل الفرص التي منحها اياه شعبه الابي، فلقد منحه علماء
الجزيرة العربية وفقهاؤها ومثقفوها ومفكروها والمتنورون، العديد من
الفرص ليغير من طبيعته، وليستبدل ادواته المهترئة باخرى جديدة، الا انه،
على ما يبدو، لم يتمكن من التغيير، وكما قلت سلفا، اما لانه لا يستطيع
او انه لا يقدر، والامران سيان وبمعنى ونتيجة واحدة.
لذلك، فانني ارى في انتفاضة المدينة المنورة، التي عبرت عن نبض
الشارع العام في الجزيرة العربية التواق للتغيير، شرارة ثورة عارمة
ستستمر حتى يسقط النظام القبلي، لتنقذ العالم من شروره التي لازالت
مستمرة منذ ان تسلط آل سعود على السلطة في ارض الحرمين الشريفين،
بالقهر والقوة والغارات المسلحة والقتل والتدمير واللصوصية.
ولا غرابة في ان تكون هذه الانتفاضة شرارة ثورة عارمة، فلقد شهدت
ايران الشاه انتفاضة مماثلة اودت بحياة أعتى نظام قبلي وراثي في
المنطقة، لم تكن سلطة آل سعود، بقوتها وبطشها وامتدادها التاريخي، الا
صفرا على شماله.
وفي العالم الكثير من هذه الامثلة التي اسقطت انظمة عاتية، كانت
البداية في كل مرة انتفاضة صغيرة بالعدد، كبيرة بالمحتوى، لتنتهي الى
ثورة تغير وتستبدل.
لا ارى لآل سعود اي حق في السلطة في بلاد الحرمين الشريفين، ولذلك،
لابد ان يعود الامر للشعب، ليقرر نوع السلطة وطبيعة النظام الذي يريده،
اذ لا يعقل ان يبقى هذا الشعب، وفي القرن الواحد والعشرين، تحكمه قبيلة
لا يعلم احد اصلها وفرعها ومن اين جاءت، لتتصرف بعباد الله كالعبيد
والاماء، وباموال الناس كارث عائلي، ان شاؤوا تصدقوا على الناس، والا،
فالامر اليهم.
ان انتفاضة المدينة يجب ان تذكر شعب الجزيرة العربية بانتفاضة
المنطقة الشرقية، ليعيدوا فتح ملفات تلك الانتفاضة، فيقدموا كل
المتورطين بدماء الشهداء آنئذ الى القضاء لينالوا جزاءهم، وليتم تعويض
الضحايا واسرهم.
كذلك، يجب ان تكون انتفاضة المدينة، منبها لكل ضحايا نظام آل سعود
والحزب الوهابي، خاصة في العراق وافغانستان والباكستان وفلسطين ولبنان،
ليتم فتح كل ملفات الضحايا، لتقديم المتورطين بدمائهم الى القضاء،
وليتم تعويض اسر الضحايا.
لابد من رفع دعاوى قضائية ضد امراء آل سعود وضد فقهاء التكفير
الوهابيين، بصفتهم مجرمي حروب، مارسوا الابادة الجماعية ضد البشرية في
العديد من دول العالم، فلا زالت صور القتل الطائفي والذبح والتفجير
بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة، التي ارتكبها الارهابيون في
العراق وبتحريض من فقهاء التكفير وفتاواهم الطائفية، وبالمال الحرام
الذي اغدقه عليهم امراء آل سعود، ماثلة للعيان.
ان اسقاط النظام القبلي الحاكم في ارض الحرمين، يعني:
اولا: تحرير الدين، الذي اختطفه الوهابيون بسلطة آل سعود، فلطالما
ظل دين الله الحنيف، الاسلام، اسيرا بيد هذه الثلة المارقة التي وظفته
بابشع صور التوظيف لخدمة اغراضها الدنيئة، الرامية الى السيطرة على
العالم الاسلامي بغير وجه حق.
لقد شوه آل سعود وبفتاوى الوهابيين، جوهر الاسلام الذي بعثه الله
تعالى رحمة للعالمين، اذا بهم يحولونه الى دين للقتل والتدمير والذبح
والتصفية الجسدية ضد كل من يخالفهم الراي والفتوى.
لقد تحولت المدارس الدينية في الجزيرة العربية، وتلك التي يديرها
ويشرف عليها فقهاء آل سعود في كل بقاع واصقاع العالم، الى مفاقس دافئة
لتفريخ الارهابيين وتوزيعهم في العالم، لتنفيذ خطط القتل والتدمير
والتفجير، وكل ذلك بالاموال الطائلة التي يصرفها آل سعود عليها.
كما ان الوهابيين حولوا الاسلام واهله الى مصدر للضحك والتندر
والاستهزاء من قبل الامم الاخرى، بسبب الفتاوى المضحكة والسخيفة
والمتناقضة التي يصدرها فقهاء البلاط القابعين في احضان سلطة آل سعود.
ثانيا: تحرير الانسان، الذي سحقت حقوقه فتاوى التكفير التي يباركها
آل سعود، فلم يعد للانسان كرامة في ظل تحالفهم المشبوه، ولم يعد له
حقوقا يتمتع بها، فحرية الراي غير مكفولة في الجزيرة العربية، وحرية
الاعتقاد والدين والفكر معدومة بالكامل هناك.
لقد تلطخت ايادي آل سعود والحزب الوهابي بدماء الالاف من الابرياء
في الجزيرة العربية، لا لسبب الا لانهم يدينون بغير مذهبهم، ويتعبدون
بغير فتاوى فقهائهم.
انهم اسوأ مثل على التحجر الديني والمذهبي، واتعس نموذج لمحاكم
التفتيش والتشويه والتضليل.
ثالثا: تحرير العقل الذي ضلله اعلام آل سعود، وباقلام جيش من وعاظ
السلاطين والمأجورين الذين باعوا ضميرهم وقلمهم بحفنة من بترو دولارات
آل سعود.
لقد سعى الاعلام المملوك لآل سعود، المقروء منه والمسموع والمرئي،
الى قطع السنة الحق الذي قد يرد على لسان اصحاب الضمائر الحية، اما
بالمال او بالمحاصرة والملاحقة، فيما سعى، من جانب آخر، الى الاستخفاف
بعقول الناس، بالاكاذيب والخداع والتضليل، وكل ذلك، من اجل تسويق الحكم
القبلي في الجزيرة العربية، وكانه حامي حمى الاسلام، ورافع رايته في
هذا العالم.
رابعا: تحرير المراة، التي لا زالت تعيش في داخل بلاد الحرمين
الشريفين، كالصندوق الاسود المغلق من كل جوانبه، والدمية المطلوبة
لمتاع امراء آل سعود في العالم، خاصة في بلاد الغرب، كلما سافر اليها
امير لقضاء حاجته.
ان قمع المراة باسم الدين، من قبل فقهاء آل سعود، وعلى يد ميليشيات
الوهابية المنتشرة في البلاد، تسبب في الابقاء على التخلف الحضاري الذي
يعيشه الشعب في الجزيرة العربية، بعد ان شلت السلطات نصف المجتمع،
ومنعته من الحصول على فرص التعليم والتطوير المهني.
اذ لازالت المراة في ظل سلطة آل سعود والحزب الوهابي، ينظر اليها
كالعورة كلها، لا يجوز لها ان تشارك في الحياة العامة، ما شلها وحرم
المجتمع من طاقاتها وخيراتها وبركاتها وجهدها وخبراتها.
خامسا: تحرير بيت مال المسلمين، الذي سخره آل سعود لنشر التعصب
والكراهية في العالم، من جانب، وتبذيره في عواصم العالم، وعدم صيانته
من الضياع، من جانب آخر.
لقد حول آل سعود، وبمباركة فقهاء التكفير الوهابيين، بيت مال
المسلمين، الى ملك شخصي عضوض، يتصرفون به كيف يشاؤون، وفي هذا العالم
الملايين من اطفال المسلمين وايتامهم واراملهم من لا طمع له في القرص،
ولا عهد له بالشبع.
وباطلالة سريعة على حياة البذخ والاسراف التي يعيشها اصغر امير من
امراء آل سعود، بل رضيعهم، تعطينا صورة مرعبة عن الفارق الذي لا يقاس
حتى بالسنين الضوئية بينهم وبين اي مسلم فقير في هذا العالم، وهم الذين
يدعون بانهم يحملون راية دين الله ويحمون عباد الله.
سادسا: تحرير الامة التي تعرضت لكوارث انسانية جمة، بسبب فتاوى
التكفير التي تصدر تحت مراى ومسمع، بل رعاية وتشجيع، من النظام القبلي
الحاكم في بلاد الحرمين الشريفين.
فتمزقت الامة، وتشتتت قواها، وذهب ريحها، بعد ان دب الخلاف فيما
بينها، فبسبب فتاوى التكفير، رحل الاختلاف عن الامة، والذي وصفه الرسول
الكريم (ص) بالرحمة، وتاليا رحل التطور في الفكر عنها، بعد ان نصب
الوهابيون محاكم تفتيش للعقائد والافكار والاراء، و... المذاهب.
سابعا: تحرير الانسانية التي تضررت بافكار وادوات هذا النظام، وما
احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) عام 2001 ببعيدة عنا، فضلا عن
احداث لندن ومدريد وغيرها الكثير جدا، ما يؤكد بان هذا النظام وفقهاءه
اصبحوا خطرا يهدد البشرية بكوارث جمة، قد تنتهي الى حرب حضارات وحرب
اديان، بعد ان تمكن هذا النظام وفقهاءه من تسخير الدين لخدمة اغراضهم
التسلطية، وبعد ان تمكنوا من تصوير الارهاب والقتل والعنف والذبح،
وكانه رسالتهم السماوية التي دعاهم الله تعالى الى ان يتحملوا
مسؤوليتها في هذا العالم.
لقد عانت البشرية الشئ الكثير من الالام، بسبب الافكار المنحرفة
التي يتبناها ويشجع عليها وينفق لنشرها النظام القبلي الحاكم في
الجزيرة العربية، ولذلك يجب ان يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته
الاخلاقية لمساعدة شعب الجزيرة العربية وشعوب العالم الاسلامي للتخلص
منه ومن شروره.
[email protected] |