الإعلام الحسيني الى أين...؟

محمد علي جواد تقي

معروف لدينا إن أصحاب القضايا العادلة في العالم يجدون أنفسهم منتصرين بالإمام الحسين (عليه السلام)، لمجرد أنهم سمعوا أو قرأوا عن واقعة الطف عام 16 للهجرة والموافق لنهايات القرن السابع الميلادي، دون أن يزورا مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) أو يشاركوا في مراسيم الشعائر الحسينية التي دأب عليها المؤمنون  طيلة القرون الماضية، وذاك غاندي الذي طالما نتباهى بمقولته الصدّاحة: (تعلمت من الحسين أن أكون مظلوماً فانتصر)، لم تطأ قدامه أرض كربلاء ، ولم يحظر مجلساً حسينياً ولا ذرف دمعة في مأتم حسيني، لكن بلغته نداءات (كونوا أحراراً...) و (هيهات منّا الذلّة...) وغيرها من المفاهيم والقيم الانسانية السامية، فكانت له مناراً ليهتدي الطريق نحو تحرير بلاده وشعبه من استعباد طال حوالي خمسمائة عام.

في الوقت ذاته علينا أن نتذكر دائماً أن (الذكاء الثوري) التي إتسمت به نهضة الإمام الحسين، هو الذي مكنها من الشموخ والسطوع على وجه التاريخ، حيث الزمان والمكان والظروف النفسية والاجتماعية كلها تظافرت لكتابة تاريخ النهضة الحسينية بأحرف من نور أعجزت الدول والسلالات الحاكمة والامكانات والقدرات الهائلة بعدئذ من الحؤول دون وصول هذا الشعاع الى أصقاع الأرض وملامسته للوجدان الانساني، وليس أدلّ على ذلك الاستفهامات التي يطرحها المناؤون لأهل البيت (عليهم السلام)، وتدور – بما مضمونها- حول سبب تضخيم النهضة الحسينية مع وجود ثورات كبيرة قامت وشخصيات عديدة في التاريخ الاسلامي نهضوا بقضايا دينية وقتلوا من أجلها؟ ولنكون نحن من يسأل التاريخ والأجيال:

لماذا لا تقام لتلك الشخصيات مآتم أو إحياء ذكرى بأي شكل من الاشكال؟ والأهم من كل هذا، لماذا لا نجد من هؤلاء درساً للحياة والثورة ضد الطغيان والاستعباد والتغيير نحو الأفضل؟

إذن؛ نحن امام استحقاق اعلامي كبير لا يجوز التهاون أزاءه، لاسيما ونحن نؤمن أن (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء)، بمعنى أننا معنيون بأي صرخة مظلومية في العالم، وأية قضية عادلة تواجه القمع والاضطهاد، فكيف اذا كانت هذه الصرخة صادرة من جوار مرقد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والى مرقد أربعة من أئمة الهدى المعصومين (عليهم السلام)؟ فما حصل لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) في الأيام الماضية في المدينة المنورة –بغض النظر عن الملابسات والتفاصيل- يُعد من روافد النهضة الحسينية المباركة، حيث المطالبة بالحقوق العادلة، يقابله الاضطهاد المنبعث من هاجس الموت المادي والمعنوي، وهو ما جربته الدولة الأموية والدولة العباسية وأنظمة الحكم التي أعقبتها حتى اليوم وحتى ظهور الإمام المنقذ الحجة المنتظر (عجل الله فرجه).

إن الظلم والقمع الذي لحق بالزائرين في المدينة المنورة أكد من جديد (الحقيقة الكربلائية) بان التحدي والتضحية هي الوسيلة لتقويم الانحراف وإزاحة الجور والتزييف عن طريق الأمة، وهذه مسألة مبدأية ثابتة لا علاقة لها بالسياسة أو المصالح الآنية أياً كانت، والحديث عنها يجب أن يكون في رحاب هذا المبدأ، وهذا هو سر بقاء الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد مرت الأزمان والحقب، وتقلبت حوله أنظمة حكمت، منها كانت مناصرة ومحبّة للنهضة الحسينية، لكن طواها التاريخ، لذا لا مجال للتردد والتأني في تسليط الضوء على هكذا أحداث وقضايا، فاليوم وقعت في السعودية وربما غداً تقع في أي بلد آخر، وهذه مسؤولية لا نعرفها للإعلام الرسالي الملتزم، إنما نرجو التذكرة وحسب ، والذكرى تنفع المؤمنين.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 4/آذار/2009 - 6/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م