التقارب بين طهران وواشنطن يهيئ لأسوأ كوابيس الهيمنة الاقليمية

دول الخليج تخشى الحصار بين قوتين نوويتين غير عربيتين

اعداد: صباح جاسم

شبكة النبأ: يساور دول الخليج العربية القلق من أن اي تقارب للولايات المتحدة مع ايران يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف الى أسوأ كابوس بالنسبة لهم.. قوة عظمى غير عربية، شيعية مسلمة، مسلحة نوويا في منطقتهم.

ولم تتحمس دول الخليج العربية السنية المتحالفة مع الولايات المتحدة كثيرا لموقف الرئيس السابق جورج بوش المتشدد من ايران خشية أن يتحول هذا الى حرب تجتاح المنطقة، لكنهم يشعرون بدرجة مساوية من القلق من أن العرض بتحسين العلاقات الامريكية الايرانية الذي قدمه الرئيس باراك اوباما قد يذهب بعيدا ليصل الى تقديم تنازلات للاعب اقليمي قوي طالما نظروا اليه بمزيج من الارتياب والعداء.

كما انهم يخشون من أن ادارة أمريكية تستبعِد القيام بعمل عسكري ستفشل في كبح جماح البرنامج النووي لطهران وتترك العرب السنّة في نهاية المطاف محصروين بين مركزي قوة نوويين غير عربيين هما ايران واسرائيل.

وقال مصطفى العاني من مركز أبحاث الخليج ومقره دبي "ليس لدينا اعتراض على المفاوضات الايرانية الامريكية بل على العكس نحن نشجع هذا النوع من الحوار كوسيلة لتجنب جر المنطقة الى العمل العسكري."

لكن"في الوقت نفسه لدينا مخاوف ضخمة من أن الامريكيين يمكن أن يقدموا تنازلات للايرانيين من شأنها تقويض أمننا ولن تكون مقبولة بالنسبة لنا."

وفاز اوباما بانتخابات الرئاسة الامريكية بوعد بالتغيير حيث عين مبعوثا للسلام بالشرق الاوسط في الاسبوع الاول من ولايته وعرض اقامة حوار مع ايران في اطار جهود معلنة للتواصل مع المسلمين.

وقال العاني "ان مطلبنا الرئيسي هو أنه يجب الا تقدم امريكا تنازلات فيما يتعلق بالبرنامج النووي الايراني وتدخلات طهران في العراق ولبنان وفلسطين."وأضاف أنه "يجب أن نكون جزءا من تلك المفاوضات. لا نريد أي مفاجات. نريد أن نكون شريكا وأن تكون مصالحنا ممثلة."بحسب رويترز.

وتخشى دول الخليج العربية الان والتي كانت قد حذرت من غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 من أن الانسحاب المبكر الذي وعد به اوباما سيترك البلاد في أيدي ساسة شيعة متحالفين مع ايران والذين هيمنوا على حكومة ما بعد صدام حسين.

وهم يخشون من أن ادارة أمريكية تستبعد القيام بعمل عسكري ستفشل في كبح جماح البرنامج النووي لطهران وتترك العرب السنة في نهاية المطاف محصروين بين مركزي قوة نوويين غير عربيين هما ايران واسرائيل.

وستنظر دول الخليج الى النتيجة على أنها مكافأة لتحدي طهران لواشنطن وعقاب لحكام الخليج الذين تحملوا غضبا شعبيا وأعمال عنف من قبل المتشددين الاسلاميين للحفاظ على تحالفهم الذي يرجع الى عقود مضت مع الولايات المتحدة.

وقال دبلوماسي غربي يتخذ من الخليج مقرا له "يساورهم القلق بشأن انقسام بين السنة والشيعة. بدأوا يعيدون النظر في موقفهم مع سوريا. هل يمكن ابعادها عن ايران واعادتها الى الحظيرة العربية.."

لكن في حين تشترك دول الخليج في المخاوف من أن واشنطن قد تبرم اتفاقا مع طهران يضع المذهب الشيعي في قلب نظام سياسي اقليمي جديد فانهم منقسمون بشأن كيفية التعامل مع التحدي.

وظهرت الانقسامات على السطح بشأن الهجوم الاسرائيلي على غزة الذي استمر ثلاثة أسابيع وأسفر عن مقتل اكثر من 1300 شخص ووضع السعودية ومصر وحلفاءهما في جهة وقطر وايران وسوريا وحلفاءهم في جهة أخرى.

وانشقت قطر عن السعودية ودول الخليج العربية الاخرى لتستضيف زعماء ايران وسوريا وحركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) في مؤتمر لدعم غزة. واستغلت هذا المؤتمر لتعليق علاقاتها منخفضة المستوى مع اسرائيل والدعوة لسحب مبادرة السلام العربية لعام 2002.

وتعرض المبادرة التي تبنتها السعودية على اسرائيل اقامة علاقات طبيعية مع جميع الدول العربية مقابل انسحابها الكامل من كل الاراضي العربية التي احتلتها في حرب عام 1967 الى جانب حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.

وكان العاهل السعودي الملك عبد الله حريصا على تأكيد أن العرض ما زال مطروحا على الطاولة لكنه لن يظل مطروحا الى الابد. 

وقال دبلوماسي غربي يتخذ من المنطقة مقرا له "الايرانيون يستطيعون لعب دور أبطال العرب بينما (هؤلاء) الذين يحاولون وضع او دعم حل يحقق السلام والاستقرار للمنطقة على جبهة اكثر اعتدالا يجسدون على أنهم عملاء للغرب."

وأضاف "هذا وضع من غير المريح أن يكونوا فيه... انهم يقولون ان الوقت ينفد (نحتاج الى رؤية تقدم في القضية الفلسطينية لكن الاشرار الحقيقيين هم الايرانيون وهم اكثر ما نخشاه)."

ويقول محللون ودبلوماسيون ان التقدم في عملية السلام بين العرب واسرائيل سوف يساعد على سحب البساط من تحت أقدام الايرانيين الذين خرج حلفاؤهم في لبنان وغزة من الحربين الاخيرتين بتعاطف متزايد من قبل المواطنين العاديين العرب والمسلمين.

ومن الممكن أن يؤدي ابرام اتفاق للسلام بين اسرائيل وسوريا على وجه الخصوص الى ابعاد السوريين عن المعسكر الايراني وعزله.

على تلك الجبهة استقبل قرار اوباما بارسال مبعوث للشرق الاوسط بالترحاب على الفور لكن لم يتضح بعد ما اذا كان لديه ما يلزم لدفع اسرائيل والفلسطينيين المنقسمين الى مائدة المفاوضات.

في الوقت نفسه فان قطر التي صنعت لنفسها دورا كوسيط في الصراعات الداخلية من لبنان الى اليمن وأخيرا دارفور تأمل في اجراء مصالحة بين حماس وحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

ويقول محللون ان مفاتحات قطر مع ايران لم تسفر عن نتائج مثمرة بعد لكن انتهاج الولايات المتحدة نهجا اكثر دبلوماسية تجاه الجمهورية الاسلامية لا يعني أن اوباما سيسمح لها بأن تصبح دولة نووية.

وعلى الرغم من كل هذا الحديث عن اجراء محادثات فان ايران المتحدية التي ترغب صراحة في تجاهل قرارات الامم المتحدة قد تضطر الولايات المتحدة او حليفتها الرئيسية اسرائيل للجوء الى العمل العسكري.

وقال الدبلوماسي "حديث اوباما مباشرة مع الايرانيين لن يغير الهدف الاستراتيجي... الولايات المتحدة لم تصبح لديها رغبة فجأة في المساعدة على الهيمنة الايرانية في المنطقة او (امتلاك طهران) سلاحا نوويا."

ماهي خيارات واشنطن في التحدُّث مع طهران؟ 

وكتبَ بوبي غوش في مجلة الـ تايم، مقالا جاء فيه، يقول الرئيس باراك اوباما انه يريد التحدث الى طهران اذا ابدت استعدادا لذلك، ويقول الرئيس محمود احمدي نجاد ان ايران ترحب بالمفاوضات اذا ما اتسمت بالانصاف والاحترام المتبادل.

من الواضح ان الشروط التي يذكرها هذان الرجلان تبين بلا شك ان الحوار لن يكون سهلا اذا ما تذكرنا حالة العداء المتبادل السائدة بين الطرفين منذ ثلاثة عقود.

لذا، توجهت هذه المجلة الـ تايم لعدد من الخبراء المتخصصين بشؤون ايران لمناقشة بعض الاسئلة الاساسية التي تواجه الدبلوماسية الامريكية - الايرانية، يمكن ان نذكر منها مايلي:

- متى يتعين ان تبدأ المحادثات؟ تقول الحكمة التقليدية ان على اوباما الانتظار الى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الايرانية في يونيو المقبل قبل اتخاذ اي نهج ممكن، اذ بشيء من حسن الحظ، يمكن ان يخسر احمدي نجاد امام الرئيس السابق الاكثر اعتدالاً محمد خاتمي الذي حاول فيما مضى مد يده للغرب.

حول هذا، يقول علي انصاري خبير الشؤون الايرانية في «دار تشاثام» لقضايا السياسة الخارجية: حتى لو تمت اعادة انتخاب احمدي نجاد فإن مجرد دخول خاتمي حلبة المعترك السياسي من جديد يمكن ان يُرغم نجاد على الانفتاح.

ويضيف الكاتب، الا ان ثمة خبراء آخرين يختلفون مع هذا التقييم بالقول ان من العبث انتظار تلك الانتخابات لان من غير الممكن التنبؤ بنتائجها تماماً على الاقل.

وتقول هيلاري مان ليفريت خبيرة شؤون ايران في وزارة الخارجية الامريكية سابقاً: ان اية محاولة امريكية لتحديد من هو الفائز في الانتخابات ليس لها اي معنى لان المحادثات الامريكية - الايرانية لا ترتبط بالاشخاص، وهذا يعني انها لن تكون مفيدة الا اذا تطرقت للمسائل الجوهرية.

وتضيف ليفريت قائلة: والحقيقة ان الانتخابات لا تقرر بالنهاية من يحكم ايران لان خيوط السلطة التنفيذية ليست بيد الرئيس بل بيد القائد الاعلى الروحي آية الله علي خامنئي، وبما ان قوته الشخصية لا تتأثر بالانتخابات يُصبح من الافضل بدء المحادثات الآن، كما ان الاسراع في هذه المحادثات سيسمح لاوباما باستغلال بعض رأسماله السياسي الذي حصل عليه بعد انتخابه لاقناع الرأي العام الامريكي بأن من المفيد التقارب مع ايران.

الى مَنْ ينبغي ان تتحدث واشنطن؟ ربما لا يمكن اجراء محادثات مباشرة مع القائد الاعلى على المدى القصير، لكن احد خبراء ادارة اوباما يقول مع ذلك، ان بمقدور الولايات المتحدة التحدث مع خامنئي وتتجاوز بذلك احمدي نجاد وذلك لان خامنئي هو من سيعين الاشخاص الذين سيتحدثون مع امريكا.

وتابع الكاتب، هنا تلاحظ ليفريت التي كانت قد تفاوضت على نحو سري مع الايرانيين بالنيابة عن ادارة بوش بين عامي 2001 و2003 ان نظراءها الايرانيين حرصوا دوماً على ابلاغ خامنئي او مستشاريه الموثوقين بكل شيء قبل وبعد المحادثات مع المسؤولين الامريكيين، وتشير ليفريت في هذا الصدد الى وزيري الخارجية الايرانية السابقة علي اكبر ولايتي وكمال خرجي باعتبارهما من المسؤوليين الايرانيين الذين لهم خبرة بالتعامل مع الغرب.

من يقوم بالحوار من الجانب الامريكي؟ هذه مسألة مثيرة للجدل على ما يبدو فالشخص الذي يعتزم اوباما تعيينه للقيام بهذه المهمة هو دينيس روس مبعوث السلام السابق الى الشرق الاوسط خلال ادارتي الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش، لكن من المعروف ان لروس وجهة نظر متشددة عندما يتعلق الامر بالتعامل مع ايران، فهو يميل دوما لانتهاج دبلوماسية القسر والعقوبات، كما ان موقفه ازاء طهران معروف منذ وقت طويل اذ لطالما ايد استخدام الضغوط الاقتصادية المتصاعدة ضدها قائلاً: عندما تدرك طهران انها وصلت لحالة من الشلل اقتصاديا تنشأ الفرصة عندئذ لتغيير سلوكها.

واضاف الكاتب، الا ان خبراء الشؤون الايرانية يلاحظون ان ردود فعل الايرانيين على فكرة تعيين روس لقيادة الفريق الامريكي المفاوض لم تكن طيبة.

حول ماذا ستدور المحادثات؟ المواضيع هنا واضحة تماماً فأمريكا تريد ان تتخلى ايران عن برنامجها النووي وتتوقف عن دعم مجموعات راديكالية مثل حماس وحزب الله، وتُصر ايران بالمقابل على ان من حقها امتلاك برنامج نووي للطاقة، وتريد انهاء العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة عليها بالاضافة لضمانات بألا تسعى الولايات المتحدة لتغيير نظام طهران.

واستنتج الكاتب، غير ان بعض خبراء الشؤون الايرانية يفضلون البدء اولا بخطوات بسيطة لبناء الثقة بين الجانبين من خلال السعي للتعاون في المجالات التي لهما مصلحة مشتركة فيها مثل افغانستان التي هي افضل مسألة برأي كريم سجاديور من معهد كارنيجي للسلام الدولي لبدء الحوار بين الطرفين، فإيران لا تحبذ عودة طالبان والقاعدة للسيطرة على افغانستان ولها اهتمامات مشتركة مع الغرب فيما يتعلق بدخول كميات كبيرة من الافيون عبر حدودها مع افغانستان، فقد ادى هذا لتزايد حالات ادمان الايرانيين على المخدرات.

ولابد من الاشارة هنا ايضاً الى ذلك التعاون الذي لا سابق له بين واشنطن وطهران لإسقاط نظام طالبان بعد 9/11، واستمرار تعاونهما على نحو هادئ لأكثر من سنة بعد ذلك من اجل تثبيت استقرار حكومة كرزاي في كابول.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/آذار/2009 - 5/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م