كثر الحديث في الآونة الأخيرة لمفردة (الحصانة البرلمانية) وتداولها
الجميع من المواطن غير المختص بالشأن القانوني او السياسي إلى
السياسيين ووسائل الإعلام، فتظهر هذه المفردة بين الحين والآخر، عندما
يوجه اتهام إلى احد أعضاء مجلس النواب العراقي، وبما ان البعض لا يدرك
المعنى الحقيقي للمفهوم هذه الجملة، ويظن إنها إسقاط للجريمة عن النائب
المتهم أو إنها تعصمه من المسائلة القانونية بشكل نهائي، لذلك وجدت من
الضروري أن استعرضها بشكل مبسط دون الولوج في الدراسة الأكاديمية
المعمقة، لأنها محل بحث وتنقيب علمي وكتب فيها عشرات الرسائل والبحوث
والكتب العلمية، وسأتناول الموضوع على وفق ما يلي: ـ
1. معنى الحصانة البرلمانية
الحصانة عدة أنواع منها الحصانة الدبلوماسية والقضائية والنقابية
والبرلمانية، التي هي مدار البحث، فالحصانة البرلمانية جملة مركبة من
كلمتين هما الحصانة ولها عدة معاني في اللغة منها التحرز والمناعة
وغيره مما أشير له في كتب اللغة والمعاجم، إلا أن معناها الاصطلاحي، هو
امتيازه يمنحه المشرع الوطني أو الدولي إلى بعض الأشخاص بحكم وظائفهم،
يعفيهم بموجبها من عبء او تكليف او مسائلة قانونية يفرض على جميع
الأشخاص الموجودين على ارض الدولة، أو يمنحهم امتياز بعدم الخضوع
للسلطات العامة ومنها السلطة القضائية او بعض اوجه مظاهرها.
أما كلمة البرلمان، فأنها كلمة معربة أصلها في اللغة الفرنسية (parler)
الذي يعني الحديث وأضيفت إليه كلمة (ment) التي تعني المكان، ومن خلال
الاستخدام ونحت المفردة أصبحت (parlement) بمعنى مكان الحديث او الحوار،
ثم استعملت في اللغة العربية بكلمة البرلمان، أما اصطلاحا فإنها (المؤسسة
السياسية المكونة من مجلس واحد أو عدة مجالس تتألف من عدة أعضاء وتتمع
بسلطة تشريعية تتولى تشريع القوانين)، لذلك فان الحصانة البرلمانية، هي
الضمانات والمزايا التي اقرها الدستور لعضو البرلمان لحمايته وتامين
أداء وظيفته بحريه ودون عوائق تأكيداً لاستقلاله وتمكيناً له من القيام
بواجباته في تمثيل الشعب والدفاع عن مصالحه، ومنع اتخاذ أي إجراء قضائي
جنائي بحقه خلال فترة تمتعه بعنوانه كنائب في البرلمان او مجلس النواب
على حسب المسمى المستخدم، وتكون الحصانة مقررة للوظيفة وليست امتياز
شخصي للنائب أو العضو البرلماني.
وتقسم هذه الحصانة إلى نوعين حصانة موضوعية وهي التي لا يجوز معها
مسائلة العضو أو النائب عما يبديه من أفكار وأراء خلال أدائه لعمله
كبرلماني وفي أثناء انعقاد المجلس النيابي، وهذه حصانة تعصمه من
المسائلة بشكل نهائي و لا يجوز تحريك الشكوى بحقه، إذا تعلق الأمر بهذا
النوع من العمل، وأخرى حصانة إجرائية وهي التي تمنع اتخاذ أي إجراء
جنائي بحق النائب أثناء فترة عمله كنائب واحتفاظه بهذه الصفة، إلا في
حالة الجرم المشهود، فان الحصانة تعطل ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية
بحقه على وفق الأصول المقررة بالقوانين الجزائية والعقابية، كما إن
الحصانة الموضوعية تقتصر على الإجراءات الجنائية حصرا ولا تمنع من
مسائلة النائب مدنيا مثل إقامة الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويض أو
الدين أو سواه من الأعمال التي يمارسها بصفته فرد عادي.
2. الأساس القانوني للحصانة البرلماني في
الدستور العراقي
إن مصدر الحصانة لأعضاء مجلس النواب العراقي كان قد نص عليها في
المادة (63) من دستور عام 2005 وأشار إلى نوعين من الحصانة على وفق ما
ذكر آنفاً ففي نص البند (آ) من الفقرة (ثانياً) من المادة (63) ينص على
الحصانة من الناحية الموضوعية بما يلي (يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة
عما يدلي به من آراء في أثناء دورة الانعقاد، ولا يتعرض للمقاضاة أمام
المحاكم بشأن ذلك)، وبموجب هذه الحصانة فان عضو مجلس النواب لا يسأل عن
أي قول أو رأي يبديه أو يعتنقه او يصرح به إثناء المناقشات التي تجري
داخل المجلس ولا يمكن للقضاء أو لأي أي شخص أن يقاضي النائب عن ذلك
النشاط، والعبرة من ذلك هو حماية استقلال النائب من الخضوع إلى
الضغوطات التي قد تمارسها عليه السلطات العامة الأخرى، لان حضوره هو
تمثيل للشعب ولا يمثل شخصه، لذلك فان هذه الحصانة هي امتياز للوظيفة
وليس لشخص النائب ولا يجوز له أن يتنازل عنها تحت أي وجه من الأوجه،
كما نص الدستور النافذ على الحصانة من الناحية الإجرائية وعلى وفق نص
البندين (ب، ج) من الفقرة (ثانيا) من المادة(63) على ما يلي (لا يجوز
القاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي، إلا إذا كان متهماً
بجناية، وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه، أو
اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية.ج ـ لا يجوز إلقاء القبض على
العضو خارج مدة الفصل التشريعي الا اذا كان متهماً بجناية، وبموافقة
رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه، او اذا ضبط متلبساً بالجرم
المشهود في جناية) وفي هذا النوع لا يجوز تنفيذ أي إجراء قضائي ضد
النائب خلال مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب، التي مدتها أربع
سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسةٍ له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة، إلا
إذا اسقط المجلس هذه الحصانة بالطريقة التي حددها القانون وشهدنا عدد
من حالات إسقاط الحصانة عن بعض النواب خلال الدورة الانتخابية الحالية،
كذلك يمكن القبض وتنفيذ الإجراءات الجنائية على النائب إذا كان متلبسا
في جريمة مشهودة، وهي الجريمة التي عرفتها الفقرة (ب) من المادة (1) من
قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971 المعدل
النافذ بان (تكون الجريمة مشهودة اذا شوهدت حال ارتكابها او عقب
ارتكابها ببرهة بسيرة او اذا تبع المجني عليه مرتكبها اثر ووقعها او
تبعه الجمهور مع الصباح او اذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملا
الات او اسلحة او امتعة او اوراقا او اشياء اخرى يستدل منها على انه
فاعل او شريك فيها او اذا وجدت به في ذلك الوقت اثار او علامات تدل على
ذلك).
أما عن كيفية رفع هذه الحصانة فان الدستور العراقي أشار إلى طريقين
تجاه رفعها وعلى وفق النص المشار إليه في المادة (63) من الدستور
المذكورة آنفا، حيث ترفع الحصانة عن النائب بالأغلبية المطلقة لأعضاء
مجلس النواب، خلال فترة الفصل التشريعي، أي في الفترة الزمنية التي
ينعقد فيها مجلس النواب، أما إذا قدم طلب رفع الحصانة عن النائب خلال
فترة العطلة التي تلي الفصل التشريعي الذي أشارت اليه المادة (57) من
الدستور، فان الدستور أعطى الصلاحية إلى رئيس مجلس النواب على وفق نص
البند (ج) من الفقرة (ثانيا) من المادة (63) من دستور عام 2005.
3. المدى الزمني لتمتع النائب بالحصانة
البرلمانية
إن الحصانة الممنوحة إلى العضو وكما ذكر أنفا ليست أبدية، وإنما
مرتبطة بصفته كنائب وليس بصفته الشخصية، فإذا انتفت منه الصفة
البرلمانية لأي سبب كان، فان هذه الحصانة ستنتهي ويصبح تحت طائلة
المسائلة القانونية مثله مثل أي فرد عراقي اعتيادي، إلا أن ذلك الأمر
يختلف بحسب طبيعة الحصانة ونوعها، فإذا كانت حصانة من الناحية
الموضوعية المتعلقة عما يبديه من آراء وأفكار داخل مجلس النواب، فإنها
تكون بمثابة إسقاط التهمة وإنها سبب من أسباب الإباحة، التي لا يسال
بموجبها النائب عن أي اتهام يوجه له من خلالها، أما إذا كانت الحصانة
من الناحية الإجرائية حينما تتعلق بتوجيه الاتهام إلى النائب بارتكابه
لجريمة يعاقب عليها قانون العقوبات او القوانين العقابية الأخرى مثل
قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005 النافذ وغيره، فان الحصانة
التي يتمتع بها النائب تكون مؤقتة وتنهي بحالتين الأولى عندما يقوم
مجلس النواب برفعها عنه على وفق الأحكام القانونية والدستورية النافذة،
او عندما يفقد شروط العضوية ويصبح خارج التشكيلة البرلمانية، كذلك عند
انتهاء الدورة الانتخابية التي قوامها أربع سنوات، فعندما تنتفي الصفة
البرلمانية عن النائب لأي سبب مما ذكر فانه يخضع للمسائلة وتستأنف بحقه
الإجراءات القانونية كأي فرد اعتيادي من أبناء الشعب العراقي، كما إن
الجرائم بموجب القانون الجنائي العراقي لا يشملها التقادم، بمعنى إن
التهمة تبقى قائمة إلى حين تنفيذ أمر القبض بحق النائب وتقديمه
للمحاكمة وإصدار قرار حكم قضائي بات ونهائي، أو بموته فان الدعوى
الجزائية عند ذاك ستنقضي على وفق أحكام المادة (304) من قانون أصول
المحاكمات الجزائية النافذ أو بصدور قانون أو مرسوم بالعفو على وفق
أحكام المادة (305) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
وفي الختام فان هذا العرض السريع للحصانة البرلمانية في القانون
العراقي هو من باب نشر الثقافة القانونية والوعي القانوني لدى المواطن
من اجل أن يدرك معنى النصوص القانونية ويتقصى حقوقه، التي اقرها
القانون والدستور والسعي لحمايتها من الاعتداء بإتباع الوسائل
والضمانات القانونية والدستورية التي أقرتها الأحكام النافذة. |