الانسحاب الامريكي من العراق: ردود فعل متباينة وقلق من تدخلات اقليمية

تفاؤل الاغلبية الحذِر والسنة والاكراد يطالبون بالتريث

اعداد: صباح جاسم

شبكة النبأ: تباينت مواقف الاطراف السياسية العراقية في شأن اعلان الرئيس باراك اوباما سحب القوات القتالية من العراق خلال 18 شهراً مع الابقاء على قوات للتدريب الى نهاية 2011، ورحب العراقيون، عموماً، بالتزام واشنطن سحب قواتها وفقاً للخطة التي اعلنها اوباما، لكنهم اكدوا في الوقت ذاته استمرار الحاجة الى دعم المجتمع الدولي، خصوصا الاميركي، الذي يتحمل عبئا كبيرا في هذا المجال.

وقال  ياسين مجيد المستشار، الإعلامي لرئيس الوزراء نوري المالكي، إن الرئيس الأميركي أطلع المالكي على خطته بشأن سحب القوات الأميركية من العراق قبل الإعلان عنها الجمعة. وأوضح أن أوباما والمالكي بحثا في اتصال هاتفي سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين على كل الأصعدة، خصوصاً «تسليح القوات العراقية وتجهيزها كي تتمكن من حفظ الأمن والاستقرار في البلاد والتصدي للارهابيين وحماية البلاد من التهديدات الاجنبية» كما ذكر بيان رسمي.

وقال الناطق باسم وزارة الدفاع العراقية محمد العسكري لـ الحياة، ان وزارته كانت اعدت منذ وقت مبكر خططاً بديلة في حال حصول اي انسحاب اميركي مفاجئ. ونقلت وكالة فرانس برس عنه، ان قرار الانسحاب لم يكن مفاجئاً. فالقوات العراقية قادرة على التعامل مع الملف الامني، في حال الانسحاب وفق ما اعلنه الرئيس اوباما.

وأضاف ان قواتنا نجحت خلال العامين الماضيين في ضمان امن عاشوراء والانتخابات المحلية، والعمليات العسكرية (...) واثتبت جداراتها من دون الحاجة الى القوات المتعددة الجنسيات التي اقتصر دورها على الدعم الجوي.

واكد ان هذا الانسحاب سيتعزز مع دعم المؤسسة العسكرية بالتسليح والتدريب وتأمين المعدات والاسلحة المتطورة للجيش العراقي مما سيمكنه من تأديته المهمات الموكلة اليه». واعلن ان «صفقات عسكرية ستصل على امتداد فترة الانسحاب من دول لديها صناعة متطورة، كالولايات المتحدة واوروبا، ستجعل من الجيش العراقي مشابهاً لجيوش حلف شمال الاطلسي.

من جهته قال اللواء الركن عبدالكريم خلف، مدير مركز القيادة الوطنية في وزارة الداخلية إن وزارته «اعدت خطة متكاملة لهذا الغرض، حيث يمكنها السيطرة الكاملة على المدن العراقية كافة في حال انسحاب القوات الاجنبية من العراق وفق الجداول الزمنية التي تضمنها اتفاق سحب القوات».

وقال القيادي في حزب الدعوة حسن السنيد إن الحكومة والبرلمان العراقيين سيرحبان بانسحاب مبكر للقوات الأميركية. واضاف السنيد، وهو عضو لجنة الامن والدفاع في البرلمان، ان أي قوات أجنبية ستبقى بعد الانسحاب ستكون لتدريب القوات الأمنية العراقية.

ورحب نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بـ التزام الادارة الاميركية بسحب قطاعاتها من العراق. داعياً الى بذل اقصى جهد ممكن من اجل تطوير جاهزية القوات المسلحة العراقية. لكنه في المقابل، شدد على ان حاجة العراق الى المجتمع الدولي ستبقى قائمة لبعض الوقت من اجل بناء دولة المؤسسات والقانون، وعلى الولايات المتحدة يقع عبء كبير في هذا المجال.

وافاد مكتب الهاشمي انه تلقى اتصالا من وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون التي اكدت ان سحب القوات يأتي طبيعيا في ظل التحسن الامني ورغبة الادارة في التحول من الجهد العسكري الى الجهد المدني والإنساني في اعادة اعمار العراق.

الى ذلك، اعتبرت جبهة التوافق اعلان اوباما «متسرعا» ويحتاج الى بعض الدراسة والتروي. وقال القيادي في الجبهة عدنان الدليمي في تصريح الى الحياة، ان اعلان انسحاب مبكر من البلاد في هذا التوقيت سيتيح لإيران الفرصة في احتلال العراق تحت ذرائع سد الفراغ الامني الذي سيخلفه انسحاب القوات الاميركية. واضاف ان قواتنا الامنية ما زالت غير جاهزة لتولي الملف الامني في البلاد بشكل نهائي، لأنها ما زالت في طور التشكيل والبناء. واشار الى ان مثل تلك التصريحات الخطيرة تحتاج الى دراسة عميقة للبحث في نتائج الانسحاب المبكر من البلاد. واستدرك قائلاً: لا نعارض فكرة انسحاب القوات الاجنبية من العراق لكن نريد انسحاباً متأنياً ومدروسا.

وانتقد التيار الصدري تراجع اوباما عن الوعود التي اطلقها قبل فوزه بمنصب رئيس الولايات المتحدة. وقال المتحدث باسم الكتلة الصدرية احمد المسعودي ان اوباما تراجع عن وعوده السابقة في الانسحاب من البلاد في غضون 16 شهرا. واضاف ان «اوباما اشار الى انسحاب القوات المقاتلة فقط والابقاء على 35 -50 الف جندي، أي ان الانسحاب لن يكون كليا وانما بشكل جزئي، الأمر الذي نرفضه بشدة»، لافتاً الى ان «قواتنا الامنية والعسكرية قادرة على حفظ امن البلاد اذا ما انسحبت القوات الاجنبية المحتلة منها».

الى ذلك طالبت كتلة «التحالف الكردستاني» درس امر الانسحاب بشكل دقيق. وقال النائب الكردي عبدالخالق زنكنه: نحن ملتزمون بتأييد الاتفاق الامني الذي ابرم بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة في تنظيم عمل القوات الاجنبية في البلاد. وتابع: كتلتنا ستدرس تصريحات اوباما وستعلن موقفها الرسمي ازاءها لاحقا.

المواطنين: فرح لانسحاب أمريكي وقلق من تدخلات إقليمية مستقبلا

وعبّر مواطنون عراقيون عن فرحهم  لقرار الرئيس الأمريكي أوباما بسحب قواته من العراق، وبين مشكك وواثق بقدرة القوات العراقية على قيادة الملف الأمني بدون الوجود الأجنبي، فان مخاوف من قبيل التدخلات الإقليمية، لاسيما من قبل دول الجوار، كانت حاضرة في آراء غالبيتهم، التي وجدوا فيها ما يهدد مستقبل العراق في ظل تجاذبات سياسية محلية ودولية.   

وقال  المواطن عامر الحسني (40 عاماً) “فرحت كعراقي بانتهاء الذل لبلدي وخروج القوات الأمريكية منه، خاصة بعد أن أثبتت الأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية ومن خلال التجربة قدرتها وكفاءتها في تثبيت الأمن في عموم المحافظات، بما يؤهلها لاستلام كامل المسؤولية الأمنية من القوات الأمريكية.”

وطالب الحكومة “بضرورة الإسراع بتجهيز القوات العراقية بالمعدات والتجهيزات العسكرية اللازمة لتكون قادرة على التصدي للإرهابيين وحماية البلاد من التهديدات الأجنبية”.

لكن الحسني أعرب عن قلقه من أن يعقب الانسحاب الأمريكي من العراق، وقوعه مرة أخرى تحت تهديد أجندات الدول العربية والإقليمية. بحسب تقرير لـ اصوات العراق.

وخلص إلى القول أن “الوضع الأمني الآن يسمح بنقل مزيد من المسؤوليات إلى العراقيين في أعقاب الانتخابات المحلية الأخيرة وانخفاض العنف في العراق بعد حوالي ست سنوات من الحرب التي قادتها الولايات المتحدة عام 2003.”

أما الموظف الحكومي قيصر جبار فقد وصف قرار سحب القوات الأمريكية من العراق بأنه “الانتصار” الذي يضاف إلى سجل القوات الأمنية العراقية، مبينا أن تلك “القوات تمكنت من تدمير البؤر الإرهابية التي تتمركز في المناطق التي تؤيد صدام والمستفيدة منه كالموصل والفلوجة وسامراء وتكريت وغيرها.”

وطالب الحكومة أن “تزيد فعلاً في استقرار العراق من خلال دحر هؤلاء والذين يتمركزون في هذه المناطق ليعم الأمن”، مشيراً إلى أن “هذه المناطق تنفذ أجندة دول الجوار من الجهة الغربية للعراق”.

لكن جبار يربط  مابين الأمن المتحقق في العراق وتطور العلاقة المتوترة بين أمريكا والعراق ويقول أن ما يشهده العراق هو هدوء نسبي “تقف وراءه التصريحات التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي أوباما بأنه على استعداد فتح صفحة الحوار مع إيران، الأمر الذي انعكس بصورة ايجابية على الوضع الأمني في العراق، إضافة إلى مخاوف بقية الدول مثل سوريا والخليج من السخط الأمريكي عليها والخوف من الوقوف أمام المشروع الأمريكي في العراق”.

المحامي ضياء كريم لا يبتعد كثيرا عن هذا الرأي ويبدي فرحه حذرا من تبعات قرار الرئيس الأمريكي اوباما القاضي بسحب قواته من العراق بجدول زمني متفق عليه مع الحكومة العراقية، ويرى ً أن الأمن المتحقق في العراق ليس سببه تحسن الأداء الأمني للقوات العراقية  “ولو إننا نتمنى ذلك إلا أن هذه القوات أمامها عمل طويل وشاق وأولها التخلص من الترهل في أجهزتها والتخلص من العناصر غير الكفوءة ووضع خطة تدريبية محكمة، بالإضافة إلى ضرورة تثقيف الأجهزة الأمنية العراقية على استعمال تكنولوجيا المعلومات.”

ويضيف كريم “طبعاً رأيي في سحب القوات الأمريكية من العراق هو رأي كل مواطن عراقي وهو أنه يجب أن ترحل هذه القوات عن العراق بعد النجاح الأمني الذي حققته القوات الأمريكية والبريطانية والقوات المتعددة الجنسيات وأجهزة الأمن العراقية، مستدركا بقوله” لو كان القرار بيدي لأبقيت جزء من القوات الأمريكية في العراق لان خروجها بالكامل سينذر بحدوث كارثة إنسانية فظيعة لان دول الجوار تريد الانتقام من العراق وفي مقدمتها إيران ودول الخليج.”

وفي السياق ذاته، دعا بسام ايشو (55 عاما)، الحكومة العراقية إلى تقديم توضيح لكيفية التوصل إلى قرار سحب القوات الأمريكية من العراق ومنح القوات العراقية الفرصة لإثبات قدرتها.

وأضاف ايشو” إنني كمواطن عراقي أخجل من نفسي حينما أسافر إلى دول العالم بغرض التجارة و أسمع وأرى  مواطنين يتحدثون عن قبول الحكومة والمواطن العراقي على وجود قوات محتلة.”

وأردف أن “دول الجوار تنفذ أجندتها  بالصيغة التي ترتئيها من خلال شخصيات سياسية في العراق تعلن حبها للعراق لكنها في الحقيقة تريد الانتقام للنظام السابق بطريقتين الأولى كون رئيس النظام السابق صدام قد حارب إيران وكون إيران متضررة من الحرب لا تريد خروج القوات الأمريكية من العراق لأسباب يفقهها العراقيين.”

أما ميادة سالم فقد بددت مخاوفها من حدوث انفلات امني في حالة خروج القوات الأمريكية من العراق، وقالت أن” ما حدث في العراق من قتل وتدمير لا يمكن معه التفكير  بالخوف، خاصة وان قوات الأمن العراقية حققت الكثير من المنجزات دون الاعتماد على هذه القوات، على أن العودة إلى المربع الأول التي قربت العراق من حالة الانقسام طائفياً غير ممكن وخيالي”

 وتابعت سالم” لا اعتقد أن الأمريكيين لهم مكان في العراق. وهي فرصة انتهزوها للانسحاب من العراق ومن الإرادة العراقية التي فرضت عليهم من قبل حكومة المالكي التي تمكنت أن تفرض أجندتها بعد خمسة أعوام من العمل المتخبط الذي بدأته بعض الشخصيات التي لم تتمكن من الخروج من طابعها الحزبي إلى الطابع الوطني والعمل للعراق كما فعل المالكي.”

وتمنت سالم أن يحذوا البرلمان العراقي حذوا الحكومة  التي “حققت الأمن والانتخابات النزيهة والتوصل إلى قرار بسحب القوات الأمريكية الجاثمة على صدور العراقيين، والعمل على تحقيق أمنيات المواطن بتشريع قوانين تعيد له  هيبته ومكانته بين الدول التي فقدها بعيداً عن توجهاتهم الحزبية والأجندات الخارجية التي تخدم دول الخليج وإيران”.

قيادي بالائتلاف: تحسبنا مبكرا لقرار سحب القوات الأمريكية

وكشف القيادي في الائتلاف العراقي الموحد علي الاديب، أن قرار الرئيس الامريكي باراك اوباما بسحب قواته من العراق في آب اغسطس عام 2010، جاء متطابقا مع رؤية الحكومة العراقية التي كانت ترى في العام 2010 موعدا مناسبا لهذا الانسحاب، مبينا في الوقت نفسه ان قرار اوباما كان متوقعا، وهو ما دفع الحكومة الى التعامل مع ملف تطوير القوات العراقية بجدية اكبر وبوقت مبكر لتتوافق مع هذا الموعد.

وقال الاديب لوكالة أصوات العراق، ان قرار اوباما بسحب قوات بلاده من العراق في اب اغسطس من العام المقبل “جاء متطابقا مع رؤية الحكومة العراقية التي كانت ترى في العام 2010 موعدا مناسبا لسحب القوات الامريكية، لكن تأخير الموعد الى 2011 كان بطلب امريكي ربما لم يأخذ في وقتها قناعة العراقيين بقدرتهم على مسك الملفات الامنية داخل البلاد”.

وتابع الاديب قائلا “ان قرار اوباما لم يكن قرارا مفاجئا، والحكومة تحسبت لمثل هذا القرار منذ أشهر وتعاملت مع ملفات تطوير قدرات الجيش العراقي بشكل جاد، وهذا ما ثبت من خلال الاداء المتميز للقوات العراقية خلال مناسبات ضخمة كان اخرها تأمين الاوضاع الامنية المناسبة لاجراء الانتخابات المحلية والزيارة الاربعيينة التي شارك فيها الملايين من العراقيين “.

وأضاف الاديب الذي يعد من أبرز حلفاء رئيس الوزراء نوري المالكي أن الحكومة العراقية “شرعت منذ وقت ليس بالقليل لتأمين الوضع الدبلوماسي المناسب لدخول العراق مرحلة ما بعد تواجد القوات الامريكية، وأجرت القنوات الدبلوماسية زيارات عديدة لمختلف دول الجوار والمنطقة لتنقية الاجواء والخروج باتفاقات واضحة تضمن تعاون هذه الدول مع العراق الجديد”، معربا عن اعتقاده بان “جزءا كبيرا من مسببات سوء العلاقات بين العراق وبعض الدول المجاورة كان الوجود الامريكي في البلاد، وزوال هذا الوجود سيقنع كل الاطراف بأن التعامل مع العراق كدولة مستقلة وذات سيادة وقادرة على إداء دورها بشكل فعال، سيكون هو الانسب”.

ويوجد في العراق حاليا حوالي 142.000 عسكري أمريكي. وأمر اوباما في الأسبوع الماضي بإرسال 17.000 عسكري إلى أفغانستان لدعم القوات الأمريكية البالغة 38.000 عسكري لمقاتلة التمرد المتصاعد هناك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/آذار/2009 - 4/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م