الانسحاب الامريكي من العراق: دبلوماسية ناعمة لإدارة الصراعات

خطة عملية لكن لها مخاطرها والقادة العسكريين يؤيدون انسحاباً أبطأ

 

شبكة النبأ: قد تتجنب خطة الرئيس الامريكي باراك اوباما لسحب القوات الامريكية المقاتِلة بحلول 31 اغسطس آب 2010 إغراق العراق في حالة من الفوضى مجدداً لكن واشنطن ستحتاج الى استخدام دبلوماسيتها الماهرة لإخماد صراعات جديدة بين الجماعات العراقية المتنافسة، أبرزها المشاكل مع الاكراد حول صلاحيات الحكم والمناطق المتنازع عليها مع العراقيين العرب وكذلك بقايا القاعدة المنتشرة في الموصل فضلا عن مشاكل التدخلات الاقليمية وخاصة الايرانية منها..

فقد أعلن اوباما الجمعة خططاً لسحب القوات الامريكية المقاتلة من العراق بعد أن يمر 19 شهراً على توليه منصبه وبهذا يكون قد أوفى بوعد لانهاء الحرب التي لا تحظى بشعبية تدريجيا وأحدثت انقساما بين الامريكيين وأدت الى أعمال عنف طائفية كادت أن تمزق العراق. رغم ان ماينوي القيام به لايختلف عما قررته الادارة السابقة بالاتفاق مع الحكومة العراقية...

وقال الرئيس الامريكي انه سيبقي على قوة كبيرة قوامها بين 35 و50 الف جندي أمريكي في العراق لتدريب وتزويد القوات العراقية بالمعدات والقيام بعمليات محدودة لمكافحة التمرد. ويجب أن ترحل هذه القوات بحلول نهاية عام 2011 بموجب اتفاق أمني موقع بين ادارة بوش السابقة والعراق.

وقال ديفيد كلاريدج مدير مؤسسة جانوسيان لادارة المخاطر الامنية "من المؤكد أنها خطوة ضرورية لاعادة الامور لطبيعتها في العراق... ستكون صعبة لكنها ضرورية من أجل استقرار طويل المدى."

وأضاف كلاريدج أن جماعات المتشددين مثل جيش المهدي الموالي لرجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر ستفقد حماسها اذ انها عرفت نفسها على أنها معارضة للاحتلال الذي هو في سبيله للانتهاء الان.

وصرح مازن الساعدي مدير مكتب الصدر بغرب بغداد بأن حركته ستوافق على خطة اوباما ما دام يلزم الولايات المتحدة بالانسحاب الكامل بحلول نهاية عام 2011 كما هو وارد في الاتفاق الامني الذي كان الصدريون قد عارضوه فيما سبق. بحسب رويترز.

ويبرز الجدول الزمني للانسحاب نية اوباما تحويل التركيز العسكري الامريكي الى افغانستان من العراق الذي وصفه بأنه مصدر تشتيت وتقليص حجم حرب كلفت وزارة الخزانة الامريكية مئات المليارات من الدولارات بالفعل.

وقال عبد الكريم خلف المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية ان العراق كان مستعدا قبل أن يعلن اوباما خططه وأضاف أن قوات البلاد قادرة على مواجهة جميع التحديات وانه ليس هناك ما يدعو الى القلق مع تبقي 19 شهرا. ويتفق محللون مع هذا الرأي بشكل كبير.

وقال بول ويلكينسون رئيس مركز دراسة الارهاب والعنف السياسي بجامعة سانت اندروز "انه هدف واقعي وقد تم احراز تقدم كبير في اعداد الجيش والشرطة. وأظهر سير انتخابات مجالس المحافظات (في 31 يناير كانون الثاني) الى اي مدى خفت حدة المشاكل الامنية."

لكن الجنرال راي اوديرنو قائد القوات الامريكية بالعراق والجنرال ديفيد بتريوس قائد القيادة الامريكية المركزية التي تشرف على العمليات العسكرية في الشرق الاوسط حذرا من أن العراق ما زال هشا وأن من الممكن خسارة المكاسب الامنية التي تحققت على مدار العام المنصرم اذا انسحبت القوات الامريكية بسرعة شديدة. وصرح مسؤول بأنهما يفضلان مهلة مدتها 23 شهرا.

في محافظة نينوي المضطربة بشمال العراق ما زال تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات السنية تمارس القتل والخطف والتفجيرات بمعدلات كبيرة ويقول محللون ان تصاعد التوتر بين الحكومة المركزية ومنطقة كردستان العراق التي تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي بشأن النزاع على الاراضي والنفط سيتطلب قوة دبلوماسية أمريكية.

ويقول مسؤولون أمريكيون انهم كثيرا ما لعبوا دور الوسطاء لنزع فتيل التوترات الحادة بين الاكراد والعرب.

وأضاف ويلكينسون "انها المشكلة رقم واحد... بالنظر الى تأكيد اوباما وهيلاري كلينتون (وزيرة الخارجية الامريكية) على الدبلوماسية من المؤكد أنه سيكون هناك تشجيع كبير وراء الكواليس لبدء (حل) هذا. انها ليست مسألة يمكن أن تنتظر."

ويترقب الاكراد الانسحاب الامريكي بقلق. وقال جعفر مصطفى وزير شؤون مقاتلي البشمركة بكردستان العراق ان المناطق المتنازع عليها تحتاج الى طرف ثالث مضيفا أن مع وضع طريقة تفكير الساسة في الاعتبار فمن الصعوبة بمكان رؤية كيف يمكن حل هذا.

لكن توبي دودج خبير شؤون العراق بجامعة لندن يقول ان الحديث عن تأثير الولايات المتحدة على الساسة العراقيين كثيرا ما يكون مبالغا فيه. وأضاف أن من المرجح أن تفيد مبادرة للامم المتحدة بشأن الاراضي المتنازع عليها في حل الصراع بدرجة اكبر من الوساطة الامريكية.

مخاطر انسحاب أسرع للقوات الأمريكية

ومن المقرر الإبقاء على قوة امريكية كبيرة في العراق للقيام بعمليات محدودة لمكافحة الارهاب ولتدريب القوات العراقية في محاولة للحيلولة دون الانزلاق مرة أخرى للعنف الطائفي الذي اجتاح البلد في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق عام 2003 .

وفيما يلي بعض التداعيات المحتملة لانسحاب أسرع للقوات الامريكية، بحسب رويترز:

فراغ السلطة:

العديد من نحو 140 ألف جندي أمريكي متواجدين حاليا في العراق قاموا خلال العام المنصرم بمهام أقرب الى مهام قوة لحفظ السلام أو قوة شرطة منها الى مهام قوة قتالية.

وتقول القوات الامريكية انهم كانوا أداة مفيدة بشكل خاص في كبح اندلاع صراع بين الجنود العراقيين أو الشرطة العراقية الموالين لحكومة يهيمن عليها الشيعة في بغداد وبين مقاتلي البشمركة الاكراد.

والبلدات الواقعة قرب حدود منطقة كردستان العراق التي تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي محل نزاع بين الاكراد والحكومة المركزية. وقد تصبح نقاطا ملتهبة في أي صراع في المستقبل.

ويخشى محللون أن تحاول كل من القوات العراقية وقوات البشمركة ملء فراغ السلطة الذي سيخلفه انسحاب القوات الامريكية في أماكن مثل مدينة كركوك الغنية بالنفط. والنتيجة قد تكون دامية.

وهناك أيضا علامة استفهام كبيرة حول ما اذا كان في مقدور قوات الامن العراقية استئصال ما تبقى من جيوب للهجمات المسلحة مثل مدينة الموصل الشمالية المختلطة عرقيا وأماكن أخرى حيث توجد جماعات اسلامية سنية مثل تنظيم القاعدة.

الاقليات:

استطاعت واشنطن ممارسة قدر من النفوذ السياسي على حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي ببساطة بسبب وجودها العسكري الكبير في العراق.

وأحد المجالات التي يقول مسؤولون أمريكيون انهم ركزوا جهودهم عليها هي تشجيع الحكومة على الاهتمام بمخاوف وشكاوى جماعات الاقلية مثل السنة الذين كانوا قوة مهيمنة ابان حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وعندما ينسحب معظم الجنود الامريكيين سيصبح نفوذ واشنطن أقل بكثير.

ويخشى سياسيون سنة من أن هذا سيسمح للمالكي أو أي شخص اخر يتولى مسؤولية الحكومة العراقية في أغسطس 2010 بأن يتجاهل مطالب جماعات الاقلية. وقد يؤدي ذلك الى عودة ظهور الاقتتال الطائفي.

هل ستكون القوات العراقية جاهزة؟

يقول مسؤولون عسكريون أمريكيون ان قوات الشرطة والجنود العراقيين التي يبلغ قوامها 600 ألف حققت خطوات هائلة خلال العام المنصرم.

والطابع الهاديء الذي اتسمت به انتخابات مجالس المحافظات في 31 يناير كانون الثاني الماضي والتي جرت دون هجوم كبير واحد للمسلحين شهادة على تحسن قدراتها.

لكن قوات الامن العراقية لا تزال تفتقر الى ما يسميه القادة العسكريون الامريكيون "القدرات القتالية المساعدة" مثل الامداد والتموين والقوة الجوية والقوات الميكانيكية المدربة وجمع المعلومات وتحليلها.

ومن المحتمل أن الكثير مما بين 35 ألفا و50 ألفا من القوات الامريكية التي ستبقى في العراق بعد أغسطس اب 2010 ستؤدي بعضا من هذه المهام الى أن يتمكن الجيش والشرطة العراقيين من دعم عملياتهما.

اصداء ايجابية لاعلان سحب القوات الامريكية

من جهة ثانية رحّبَ خصم اوباما الرئاسي السابق السيناتور الجمهوري جون ماكين بخطط الابقاء على قوة امريكية كبيرة في العراق لعام ونصف العام بعد سحب تلك القوات المقاتلة، للاستمرار في تقديم التدريب والدعم للقوات العراقية. الا ان بعض السياسيين البارزين من الحزب الديمقراطي اعربوا عن قلقهم من هذا القرار.

وقال ناطق باسم حزب الدعوة الاسلامية، الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ان القوات العراقية اثبتت فاعليتها وكفاءتها، وان الوقت قد حان لسحب القوات الامريكية. الا ان المراسلين يرون ان العراقيين ما زالوا يعتمدون بشكل رئيسي على الدعم اللوجستي والاستخباري والجوي الامريكي.

وقد اكد وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس إنه "من الخطأ الحديث عن نصر أو هزيمة في العراق" معتبرا أن هذه مصطلحات مطاطة دائما.وأعرب جيتس عن اعتقاده بأن مهمة القوات الأمريكية في العراق كانت ناجحة.

وقد اعلن مصدر رسمي عراقي أن الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء نوري المالكي اتفقا خلال اتصال هاتفي مساء الجمعة الماضية على ضرورة الاسراع في تجهيز القوات العراقية "للتصدي للارهابيين والتهديدات الاجنبية".

وأفاد بيان حكومي أن اوباما اجرى اتصالا هاتفيا بالمالكي واتفقا على ضرورة الاسراع بتوفير المعدات والتجهيزات العسكرية اللازمة للقوات العراقية.

وذكر البيان أن الرئيس الأمريكي جدد التزم بلاده بتوقيع الاتفاقية الأمنية الموقعة مع الحكومة العراقية العام الماضي والتي تتضمن سحب جميع القوات بحلول 2011.

ويفضل الجنرال راي أوديرنو قائد القوات الأمريكية في العراق والجنرال ديفيد بتريوس قائد القيادة المركزية الأمريكية أن يكون الجدول الزمني للانسحاب في غضون 23 شهرا.

ويرى القائدان أن الوضع في العراق ما زال هشا، وأن المكاسب الأمنية التي تحققت خلال العام الماضي يمكن ان تضيع إذا كان الانسحاب متسرعا.

ويفضل الرئيس التركيز على تدعيم القوات الأمريكية في أفغانستان وقد أمر الشهر الماضي بارسال 17 ألف جندي إضافي إلى هذا البلد.

واشنطن تايمز: القوات الأمريكية تبدأ بالانسحاب من قواعد في بغداد وديالى

وقد بدأت القوات الأمريكية في العراق فعلياً بالانسحاب من قواعد ومواقع كانت محورية في أثناء إستراتيجية زيادة حجم القوات التي أسهمت في تقليل مستويات العنف وحالت دون اندلاع حرب أهلية وسمحت بإجراء انتخابات سلمية، حسب ما ذكرت صحيفة واشنطن تايمز.

ففي بغداد، كما تقول الصحيفة، “تسلمت وزارة التجارة ما كان في السابق قاعدة العمليات المتقدمة (FOB)، كالاهان، ومركز عمليات في العام الماضي لكبح ميليشيات موالية لرجل الدين المناهض للولايات المتحدة، مقتدى الصدر، في المنطقة المحيطة بمدينة الصدر”.

وذكرت الصحيفة أن مسؤولين عسكريين أمريكيين قالوا إن “حوالي 15 قاعدة أخرى في بغداد ستُسلم قبل 30 من حزيران يونيو المقبل، حيث ستخرج القوات الأمريكية كلها من المدن والأقضية والقرى”.

وفي بعقوبة، حوالي 35 كلم إلى الشمال من بغداد، “أعيد مجمع مترامي الأطراف يعرف باسم مركز هاتون للعمليات الحربية (COP)، إلى مالكيه في وقت مبكر من شهر شباط فبراير الجاري، بالإضافة إلى أن مركز التحرير للعمليات الحربية، وهو مبنى مدرسة كان تنظيم القاعدة يستخدمه مقرا له، سيعاد قريبا إلى وزارة التربية”، كما ذكرت الصحيفة.

ونقلت الصحيفة عن الميجر جنرال جون سوتون، ضابط العمليات المساعد في اللواء القتالي الأول سترايكر من فرقة المشاة 25، قوله إن “ثلث المواقع البالغة 14 أو أقل من ذلك في بعقوبة والمناطق المحيطة بمحافظة ديالى سوف تبقى تحت يد القوات الأمركية لحين موعد الانسحاب”.

وأوضح سوتون أن الانسحاب “لا عني بالضرورة أنه لم يعد لنا ثمة وجود”، مستدركا “أننا لن نكون في داخل المناطق المأهولة بالسكان”، بحسب الصحيفة.

وأضاف كما قالت الصحيفة “قبل العام 2006، عندما بدأنا التحرك إلى أماكن أخرى، كنا في مواقع ونمارس مهامنا، لكن كانت قوات الأمن العراقية أقل فاعلية”، وتابع “الآن نحن ننسحب بوجود قوة عراقية ذات قدرات متزايدة”.

وذكر سوتون للصحيفة “سنكون بعيدين بعض الشيء، لكن لدينا شراكة مع كيان مقتدر وسيكون هناك توازن”.

وقالت الصحيفة إنها “لم تتمكن من الحصول على عدد القواعد في العراق كما أن سلطات القيادة المركزية رفضت الكشف عن عددها مسوغة ذلك بداوع أمنية”، منوهة إلى أن “هناك العشرات منها”.

وكانت القوات الأمريكية أقامت قواعد صغيرة في أحياء من بغداد والمحافظات كجزء من إستراتيجية زيادة حجم القوات الأمريكية التي عرفت بـ”الزخم” في منتصف العام 2007، حيث أضيف 30  ألف عسكري بهدف كبح التمرد والعنف الطائفي.

العراق: الإنسحاب الأمريكي المُبكر لن يمثل مشكلة اذا سُلِح الجيش

وفي نفس السياق قال مسؤول عراقي ان سحب القوات القتالية الأمريكية من العراق خلال 19 شهرا وهي مدة أقل من المُتفق عليها في اتفاقية أمنية ثنائية لن يمثل مشكلة ما دام العراق قادرا على تزويد قواته بالعتاد خلال تلك المدة.

ويقول مسؤولون أمريكيون ان الرئيس الامريكي باراك اوباما يميل الى جدول زمني مدته 19 شهرا لسحب القوات من العراق مع تراجع العنف الذي اندلع بعد الغزو الذي شنه سلفه جورج بوش في 2003.

ويعد ذلك حلا وسطا بين تعهد قطعه في حملته الانتخابية بمغادرة العراق خلال 16 شهرا ورغبات بعض القادة العسكريين الامريكيين الذين يخشون من تعرض المكاسب الأمنية التي تحققت بالعراق لمخاطر اذا تم الانسحاب قبل الأوان. بحسب رويترز.

وهذا الجدول الزمني أيضا أسرع من مُهلة تنتهي بنهاية 2011 نصت عليها المعاهدة الأمنية المُبرمة بين حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وادارة بوش.

وقال اللواء محمد العسكري المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية ان الحكومة كانت تأمل أن يتم الانسحاب وفق الجدول الزمني الوارد بالاتفاق.

لكنه أضاف أنه حتى اذا قرر اوباما سحبها خلال 19 شهرا بالاتفاق مع الحكومة العراقية فان العراق سيسرع استعداداته حتى يكون جاهزا بحلول ذلك الوقت.

وتابع العسكري أن الشيء الاهم هو أن تتفق الحكومتان على موعد الانسحاب وأن يُتاح الوقت أمام العراق لتزويد قوات الأمن التي تلقى أغلبها تدريبا أمريكيا والبالغ عددها 600 ألف بالعتاد.

وقال ان جاهزية العراق تتوقف على تزويد جيشه بالعتاد. وأضاف أن بلاده تسعى بجد الان وتستخدم علاقاتها مع مختلف الدول لتقليص الوقت اللازم لتزويد الجيش بالعتاد مشيرا الى تحقق نتائج طيبة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 1/آذار/2009 - 3/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م