ما حدث في المدينة المنورة وبالضبط في الساحة المجاورة لحرم الرسول
الأعظم محمد مقابل البقيع الغرقد، ليس مجرد استفزاز واعتداء من قبل
أفراد مؤسسة دينية حكومية متشددة "الهيئة" على عدد من المواطنين
وبالتحديد للنساء، وإنما يمثل ضربة قوية نحو مشروع الملك عبدالله
التغييري والإصلاحي في السعودية ـ الذي تفاعل معه جميع أبناء الوطن ـ،
ويمثل اختبارا حقيقيا لإرادة مشروع الملك الإصلاحي الدعوة للحوار
الوطني والحوار بين الأديان وللحرية والتعددية ومحاربة التشدد والتطرف،
وهو بمثابة طعنة ضد الوحدة الوطنية ومحاولة لإشعال الفتنة الطائفية بين
أبناء الوطن.
من خلال هذه الحادثة عبر أفراد الهيئة عن موقفهم الحقيقي حول مشروع
الملك الإصلاحي في الوطن، وقدموا رسالة قوية إلى الرئيس الجديد للهيئة
الشيخ عبدالعزيز الحمين والى جميع المتفائلين بالتغيير، بان الهيئة
"الشرطة الدينية" ستواصل عملها بطريقته السابقة المتشددة..، كما سقط في
هذه الحادثة الإعلام المحلي السعودي الرسمي والأهلي "المواقع
الالكترونية" الذي سقط سقوطا مدويا وفشل فشلا ذريعا مخيبا للآمال
الوطنية في أول اختبار له بعد تعيين الوزير الجديد عبدالعزيز خوجه،
بسبب تغطيته غير المهنية لحادثة الاصطدام التي وقعت بين رجال الهيئة و
المواطنين في ساحة حرم النبي الكريم، وبهذه الحادثة سقطت الآمال
والتطلعات بالتغيير الأخير وبالخصوص تغيير عقلية وثقافة وتعامل
القائمين على أجهزة المؤسسات الحكومية ومنها الإعلام والمؤسسة الدينية
وبالتحديد الهيئة "الشرطة الدينية المتشددة".
لقد اتخذ الإعلام المحلي غير المسؤول موقفا انحيازيا بالكامل مع
المؤسسة الدينية المتشددة والمتطرفة إذ وقف معها في وجه المواطنين
وتعامل وكأن هولاء المواطنين من عالم اخر يستحقون الضرب والاحتقار
والاعتداء لمجرد أنهم طالبوا بحقوقهم وصرخوا في وجه المعتدي!!.
لم يسمح الإعلام لنفسه أثناء تغطية الحدث أن يقف موقف الإعلام
المهني وينقل الحقيقة كما هي بدون عواطف، فالجميع أبناء الوطن، وينقل
وجهات طرفي القضية والحادثة بأمانة، رواية المواطنين ورواية المؤسسة
الدينية، ليضع القارئ والمشاهد أمام الحقيقة، وأن يبحث عن السبب الرئيس
في غضب وإثارة المواطنين وخروجهم ومطالبتهم بمحاسبة ومعاقبة المعتدي
المتسبب في الحادثة، لا أن يقف مع جهة معينة تعتبر هي الجهة المعتدية
والسبب في إثارة الحقد والكراهية بين المواطنين واندلاع شرارة الطائفية
البغيضة، وهذا الموقف كشف عن الوجه الحقيقي لمن يسيطر على المؤسسة
الدينية والإعلامية في بلادنا، ومدى انغماس هولاء في ثقافة التطرف
والتعصب المذهبي والقبلي.
كنا نأمل من الإعلام المحلي ـ الذي تعامل مع قرارات الملك الأخيرة
بتغيير بعض الوزراء ومنهم وزير الإعلام ورئيس الهيئة بأنه حدث تاريخي
يصب في مصلحة الوطن ـ، أن يستغل التغيير ليكون سلطة رابعة مؤثرة، وجهة
داعمة لمشروع التغيير والإصلاح والديمقراطية ونشر ثقافة الحقوق
والتسامح, وان يتحول إلى مرآة حقيقية لنقل واقع حياة المواطن السعودي،
وفضح الفساد ومحاسبة المقصرين والمتجاوزين ومنهم رجال الهيئة، وان يقف
بصف المواطن مهما كان مذهبيه وفكره وقبيلته ومنطقته، وان يساهم ـ
الإعلام المحلي ـ في فتح صفحة جديدة في تقوية اللحمة الوطنية وتنمية
المشاعر الوطنية بين جميع أبناء الوطن، ولكنه للأسف الشديد قام بالدور
العكسي في التفتيت وإشعال نار الفتنة من خلال تغطيته لهذه الحادثة التي
كشفت عن وجهه الحقيقي في ممارسة الطائفية والقبيلة والمناطقية.
هل هذا الإعلام المحلي قادر على التغيير ومواكبة مرحلة التغيير في
الوطن والعالم، والمساهمة في بناء وطن مشرق، وهل هو قادر على دعم خطة
الملك الإصلاحية؟
ليعلم جميع المسؤولين في المؤوسسة الدينية والإعلام المحلي بانهم
يعيشون في طفرة إعلامية على مستوى العالم، وان وسائل الإعلام والاتصال
والتصوير والرصد أصبحت متاحة للجميع، وان الجميع قادر على الاستفادة
منها، وبث الحقائق، والأمر المثير في الحادثة والتغطية أن المسؤولين في
الجهات المسؤولة عن متابعة الحادثة تعاملوا بنفس طائفي متعصب بعيدا عن
روح الوطنية والتهدئة والمعالجة بل اتخذوا موقف التصعيد وكأن هولاء هم
أعداء الوطن الإرهابيين والفئة الضالة التي تسعى لتدمير الوطن من خلال
رفع السلاح في وجه الحكومة وممارسة القتل للأبرياء، الفئة التي وجدت في
النهاية المناصحة والتقدير والاحتضان!!.
ومن يريد معرفة رد الشارع السعودي على ما تم تغطيته ونشره في
الإعلام المحلي حول الحادثة بطريقة غير صحيحة وغير مسؤولة لا تخدم
الوحدة الوطنية، عليه أن يقرأ الردود والتعليقات ليتعرف على مدى
تأثيرها وإشغال أبناء الوطن في التشدد والتطرف والتشكيك والطعن
والإساءة بين المواطنين.
لقد تناسى المسؤولون في المجال الإعلامي وبعض الجهات أن هولاء الذين
تعرضوا للإهانة والتطاول والضرب والاعتقال من قبل المؤوسسة الدينية
والجهات (..)، أنهم مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات كبقية المواطنين،
ومهما كان موقفهم واختلاف وجهات النظر والمذهب واختلاف الروايات، يجب
على الإعلام أن لا يضع أبناء الوطن موضع الأعداء والمخربين ومثيري
الفتنة بين المواطنين!!
شكرا للوسائل الإعلامية والمواقع الإخبارية في العالم ومنها المواقع
السعودية التي تعاملت مع القضية بمهنية راقية، ونقلت الصورة كما هي
بدون عواطف وانحياز لطرف معين، داعية للوحدة الوطنية واحترام حقوق
المواطنين والبعد عن إثارة النعرات.
إننا ندعم خطط الإصلاح والتغيير الحقيقية لبناء الوطن على العدالة
والمساواة والحرية والتعددية الفكرية والدينية، ولاجتثاث الفساد
والطائفية البغيضة والتعصب والتشدد، وندعو لمحاسبة ومحاكمة كل من يستغل
سلطته ومنصبه لتحقيق مارب خاصة لا تخدم الوطن والمواطنين، أو من يثير
النعرات الطائفية والقبلية والتطاول على حقوق المواطنين ومنها الحرية
في ممارسة حقوقه التعبدية الدينية والفكرية والثقافية... حفظ الله
وطننا. |