لن تنطلي هذه اللعبة على أحد

عقيل بن عبدالخالق اللواتي

لقد قالوا للجماهير العربية أن ما جري في قطاع غزة الدامي لم يكن سوى (مغامرة) من حماس تنفيذاً للأجندة الإيرانية.  فحماس هي في فسطاط ايراني وجزء من مخطط صفوي قادم لاجتياح المنطقة. وما حدث ويحدث في غزة ليس سوى محاولة ايرانية لصرف النظر عن برنامجها النووي، واشغال "إسرائيل" عن دورها الرئيسي في التصدي للطموح الإيراني!

وقالوا قبل ذلك الكثير. قالوا ان ايران لولا دورها المساند لامريكا لما استطاعت امريكا غزو افغانستان! وان ايران هي المحتل رقم واحد في العراق! ايران تريد الهيمنة على العراق وعلى الشرق الاوسط! ايران هي المسؤول الاول والاخير عن تشكيل الجماعات المسلحة  في العراق! حزب الدعوة ايراني! والمجلس الاعلى ايراني! والمرجعية ايرانية! وكل الشيعة في العالم هم ايرانيو الهوى والولاء! لا بل كل الممانعة والمقاومة في العالم العربي والاسلامي هي تشدد وارهاب ايراني!

 اما القاعدة، فهناك زواج سري بينها وبين ايران .. زواج صفوي مع سلفي! ولبنان ليس فيها مقاومة .. وانما فريق يحاول ان ينفذ اجندة ايرانية عملا بمبدأ ولاية الفقيه! حتى ميشال عون اصبح جزءا من هذا المحور الذي تقوده ايران! وحتى قمة غزة الطارئة بالدوحة، والتي طالبت دول عربية بانعقادها، انما انعقدت لتنفيذ اجندة ايرانية خاصة لتتولى ايران قيادة المنطقة العربية! وهكذا كل شئ في المنطقة ايراني !!!!

هذا هو خطاب بعض العرب، في كل مؤتمر صحفي او وسيلة اعلام مقروءة او مسموعة .. خطاب دأب على زج ايران في كل شئ ربما حتى في ارتفاع اسعار السمك واللوبيا والفلافل!

الملاحظ ان تلك المواقف من بعض هذه القوى السياسية العربية متسقة ومتفقة على الموقف والشعار والعمل على الارض، لا بل تجدها تردد نفس الكلمات بشكل ببغائي غريب، يعكس تماما اهداف القوى الكبرى في المنطقة وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، وذلك على استراتيجية مفادها: اضفاء هالة غير طبيعية حول التدخل الايراني من اجل استفزاز المواطن العربي واستفزاز دول الجوار، لابل قد تكون حتى (من وجهة نظرها) اعطاء مبرر للامريكي والاوروبي من اجل التدخل وتحقيق مصالح معينة في المنطقة.

الغريب ان هؤلاء قبل غيرهم يعرفون ان هذه اللعبة هي امريكية بامتياز ولن تنطلي حتى على ابسط مواطن عربي. فهناك فكرتان أساسيتان تعمل واشنطن على ترويجهما في المنطقة وتسعى من خلالهما إلى إعادة تشكيل تحالفاتها، الأولى هي الترويج لمقولة أن إيران هي الخطر الأساس على أمن المنطقة ودولها وليست إسرائيل، فهي تتدخل في شئون العراق الداخلية، وتمنع في انفراج كل أزمات لبنان السياسية، وتتدخل لدعم حماس وحزب الله اللبناني، فضلاً عن أنها تسعى لامتلاك سلاح نووي يمكنها من فرض هيمنتها على الخليج والمنطقة.

في المقابل فإنه يمكن إحلال السلام مع إسرائيل، والتعايش مع قدراتها النووية باعتبارها دولة ديمقراطية تصدر قراراتها عبر مؤسسات ديمقراطية على عكس إيران التي تتحكم الفردية والأيديولوجية الدينية في قراراتها بما في ذلك القرارات العسكرية.

 أما الفكرة الثانية فتتمثل في محاولة تحويل الصراع في المنطقة من صراع عربي-إسرائيلي إلى صراع إقليمي-إيراني، على أساس أن إيران تمثل خطراً مشتركاً على العرب وإسرائيل معاً.

فلماذا تستمر هذه القوى السياسية العربية في العزف على هذا الوتر، رغم انها تستطيع تشخيص المواقف وقراءة الواقع بشكل جيد وبعيدا عن الغموض. ما المبرر للسير في هذا الاتجاه الشائك و انتاج خطاب سقيم وإلقاء جميع الازمات والكوارث على ايران؟!!!

الا تكفينا الازمات في هذه المنطقة؟ الم نتعلم الدروس من المكائد الامريكية المهلكة؟ هل سنبقى أدوات للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الاوسط؟

العرب مطالبون في هذه اللحظة التاريخية أن يقيموا تفاعلا خلاقا مع إيران، يقوم على أساس استقلال القرار العربي حيال إيران عن أي إرادة لطرف خارجي، سواء الولايات المتحدة الأميركية أم غيرها، وفتح حوار مستمر ومتواصل مع إيران وحل جميع المسائل العالقة، وتقوية الذات العربية في مواجهة إيران، بدلا من الاعتماد على الغير، في إيجاد توازن إقليمي.

 وهذه التقوية لا تعني أبدا التجهيز للدخول في صراع ضد طهران، بل ترمي إلى ايجاد توازن ومظلة أمنية تكون بوصلتها مصالح دول المنطقة المشتركة بالدرجة الأولى، والدخول في تفاعل إيجابي مع ايران. هذا بالاضافة الى تعزيز التبادل الاقتصادي والاستثماري لبناء أرضية عريضة وعميقة من المصالح المشتركة تتحول مسألة المحافظة عليها إلى أولوية لدى الطرفين.

نحن الآن وأمام التجربة الإيرانية في المجال النووي بالذات نرى الكثيرين من العرب يعيشون عقدة الخوف من إيران، وكان الأجدى أن تكون لديهم الحيوية السياسية لدراسة التجربة الإيرانيّة، ثم لتحديد موقف منها يقوم على النظر إليها من موقع الصديق لا من موقع العدوّ كما تريد الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا من موقع افتعال الصراع القومي بين العرب والفرس كما يحلو للبعض أن يصوّر، وكما بدأت إسرائيل بالترويج بأن السلاح النووي الإيراني إذا تمّ الوصول إليه سيكون موجّهاً ضدّ العرب.

 فإيران تبقى رغم مصالحها الإقليمية دولة إسلامية ذات وزن مهم في المعادلة الدولية، ولم تشن حربا على أي دولة عربية، وتشكل عاملا مهما في إبطال مفعول الردع النووي الصهيوني الذي يلوح به دائما ضد العرب والمسلمين. كما أن مسايرة العرب للسياسة الأمريكية الإسرائيلية تجاه الملف النووي الإيراني أو غيره، سيضع مستقبل المنطقة في يد هؤلاء، بحيث يكون الجميع لعبة لا يحسب حسابها. لكن الأجدى ليس في دعم البرنامج النووي الإيراني فقط، بل السير في طريق اتخاذ سياسة محددة، وفيها قدر أوسع من التحرر، تسمح بدراسة هذه التجربة الفريدة في المنطقة وبالذات في علوم الفضاء، بعد نجاح ايران في اطلاق أول قمر صناعي محلي الصنع الى الفضاء، فنخوض معركة العلم والمعرفة والتنمية الوطنية، ونوظف جميع امكانياتنا من أجل معركة العلم والإنتاج ورسم الاستراتيجيات المستقبلية.

* كاتب عماني

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/شباط/2009 - 28/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م