اشكالية العلاقة بين المثقف والمجتمع: أسباب ومعالجات

عدسة وتحقيق: علي سامي المسعودي

 

* الرجل المثقف دائما يتحدث مع المواطن العادي بمصطلحات اكاديمية او اجنبية وبالتالي فالمواطن لايفهم مايقوله هذا المثقف بل يأخذ المواطن نظرة على ان المثقف شخص غير مندمج بالمجتمع

* المجتمع الذي لايملك ثقافة ومثقفين يكون مجتمعا ناقصا ان لم نقل مشوهاً، لان الثقافة هي التي تستطيع ان تاخذ بالمجتمع وتسيره بصورة طبيعية وتجعله منسجما ومتكيفا مع التطورات الاجتماعية والحضارية السريعة

* المثقف هو الانسان العادي الذي يكون سلوكه داعما لمنظومة سلوك انسانية متطورة للفرد والمجتمع معا

 

شبكة النبأ: يبدو ان العلاقة متخلخلة بين النخب المتعلمة وثقافة عموم المجتمع الواقعية والموروثة، وقد تكون هذه الاشكالية طبيعية اذ تعاني منها حتى المجتمعات المتطورة والمتقدمة، لكن في بلد مثل العراق فان الفروق الطبقية والثقافية بين فئات المجتمع شاسعة الى حد كبير ولهذا نجد المسافة الحضارية بين الفلاح او المواطن العادي والمثقف تتجاوز المسافة الجغرافية بين القرية والعاصمة بغداد على سبيل المثال.

وبطبيعة  الحال فإن المثقف هو جزء من المجتمع وعليه يقع واجب الارتقاء بالواقع الثقافي للمجتمع وأن يبتعد عن النقد الهدام والتشخيص السلبي الاتجاه، بمعنى أن يكون تشخيصه نحو رصد نقاط الضعف وايجاد سبل تجاوزها وليس أن تكون مهمته متوقفة على نقد هذا ولوم ذاك، وفي نفس الوقت على المجتمع ان لايشكك بالمثقف من ناحية انتماءه او فكره او اتجاهه الثقافي وأن لا يجير المثقف لصالح جهة معينة على حساب جهة اخرى...

ولأجل كشف هذه الجدلية وعرضها للنقاش من خلال آراء متخصصين ومراقبين كان لـ (شبكة النبأ المعلوماتية) هذا التحقيق الذي بدء مع عبد المهدي جاسم، مدير اداري، قال، ارى ان العلاقة بين المثقف والمجتمع هي علاقة الجزء مع الكل لأن المثقف هو إبن المجتمع، وقد تكون هذه العلاقة تارة مفصولة وتارة مدموجة، وهي مفصولة في حالات كالحالة التي مر بها الشعب العراقي في ايام النظام السابق التي كانت تتميز بتهميش وقمع الثقافة والمثقفين وتوجيههم نحو ايديولوجية الحزب الحاكم.

واضاف جاسم لـ شبكة النبأ، لكن يجب على المثقف الان وفي فسحة الحرية الحالية ان يكون منفتحا على  جميع طبقات المجتمع لكي يستطيع ان يوصل افكاره، ففي كثير من الاحيان يرى المثقف ان اعطاء رأيه في قضية معينة هو امر غير مجدي، لهذا نجد بعضهم يتخذ زاوية المراقبة والنقد الصامت الذي لا يتعدى حدود الجالسين وهذا بطبيعة الحال سياق عمل غير صحي ودور غير بنّاء.

خالد عبد، مواطن، عندما سألناه عن علاقته بالمثقف قال، ان الرجل المثقف دائما يتحدث مع المواطن العادي بمصطلحات اكاديمية او اجنبية او يأتي بأمثلة قرأها في كتب علماء الاجتماع والثقافة الغربيين، وبالتالي فالمواطن لايفهم مايقوله هذا المثقف بل يأخذ المواطن نظرة على ان المثقف شخص غير مندمج بالمجتمع الذي يشكل المواطن غالبيته الساحقة، فيكون كلام المثقف في اغلب الاحيان غير مقبولا او محط ازدراء وعدم اهتمام.

وتابع عبد القول لـ شبكة النبأ، لهذا أرى ان على المثقف أن يخاطب افراد مجتمعه باللغة التي يفهمها المجتمع وليس من خلال مصطلحات ومفردات اغلبها غير عربي ولا أن يستشهد باقوال واحاديث وشخصيات اجنبية غير معروفة لدى المجتمع العمومي، وذلك لكي يكون دوره بناءً وفعالا في ايصال افكاره وتحقيق طموحاته التي يرنو اليها لمساعدة مجتمعه..

اسباب الفجوة.. تعالي المثقف واستهانة المجتمع

الشيخ مرتضى معاش، رئيس تحرير مجلة النبأ و(شبكة النبأ المعلوماتية) قال، ان الفجوة بين المثقف والمجتمع ترجع الى عاملين الاول من جهة المثقف والثاني من جهة المجتمع، ففيما يخص المثقفين نلاحظ ان بعضهم لديه شعور بالتعالي والغرور، وهذا الشعور يسلب المثقف جوهر ثقافته ويصبح مجرد شكل بلا مضمون وكتاب بلا رسالة..

واضاف الشيخ مرتضى معاش، يجب ان يكون للمثقف رسالة يستطيع من خلالها ان يوصل افكاره البناءة الى الناس.. ان بعض المثقفين يخاطب نفسه فقط وهذا خطأ كبير جدا، فالمثقف هو الشخص المفكر الذي يستطيع ان يرتبط مع الناس ويوصل افكاره اليهم..

وتابع، من جهة ثانية هناك العديد من الناس لايعترف بالثقافة باعتبار ان الثقافة امر ترفي وكمالي ليس له اهمية، وذلك يؤدي الى جمود المجتمع الفكري ويؤخر تطورالمجتمع.. فاليوم المجتمع الذي لايملك ثقافة ومثقفين يكون مجتمعا ناقصا ان لم نقل مشوهاً، لان الثقافة هي التي تستطيع ان تاخذ بالمجتمع وتسيره بصورة طبيعية وتجعله منسجما ومتكيفا مع التطورات الاجتماعية والحضارية السريعة، والامر المهم والحيوي لتحقيق ذلك هو التواصل الايجابي من كلا الجانبين المثقف والمجتمع..

فاضل عبد الامير، من النخبة المثقفة قال، ان العلاقة بين المجتمع والمثقف علاقة غير توافقية خاصة في الوقت الحاضر وتوجد قطيعة في هذه العلاقة، والسبب الرئيسي لهذه القطيعة هو جهل المجتمع من جهة وعدم أهلية لغة التخاطب التي يتبناها المثقف من جهة ثانية، فمن واجب المثقف ان يصل بلغة التخاطب الى ادنى طبقة في المجتمع..

ضرغام كريم الموسوي، استاذ الاصول في الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية، قال لـ شبكة النبأ، ان المثقف يمثل مركز اشعاع فكري وحضاري في المجتمع ولابد من أن يكون هناك تفاعل ثقافي بين المثقف وطبقات المجتمع لان المجتمع عانى من ظلمات مرت عليه في جميع العصور المختلفة، وهذه التركات الثقيلة تحتاج من المثقف ان يكون آخذا بيد الشعب العراقي نحو مستقبل واعي زاهر يعرف مايريده المجتمع، وان للمثقف دور فعال في ايقاف العنف فلولا الثقافة الموجودة في العراق (ثقافة التعايش السلمي) على سبيل المثال، لكان العراق منزلقا الى مهاوي الحرب الاهلية والطائفية الغير منتهية..

الثقافة سمة حضارية ومنهج تنموي

الاستاذ علي حسين عبيد، كاتب وباحث، قال عن رأيه في العلاقة بين المثقف والمجتمع، إن مفهوم المثقف يستوعب مؤشرات عديدة تعطي صورة مسبقة عن شخصية الانسان، فالمثقف لايعني بالضرورة صاحب الفكر أو القلم الذي يوجه الناس نحو سبل معينة للحياة، بل قد يكون المثقف انسانا فحسب، بمعنى ان سلوكه اليومي في أعماله وأقواله تسير وفق طبيعة ثقافته، وهنا نستطيع أن نقول بأن الثقافة لا تعني أن يكون الانسان كاتبا او صاحب فكر تحديدا بل يمكن ان يكون الانسان مثقفا في تعامله مع الآخرين ومع الحياة برمتها، هذا هو هو النوع الاول من المثقفين واذا ما تكاثر واصبح سمة من سمات المجتمع فإن المجتمع المشار اليه يكون مجتمعا مثقفا، كما في الدول المتحضرة التي تكون الغالبية في مجتمعاتها ذات سلوك مثقف.

وتابع عبيد لـ شبكة النبأ، أما النوع الثاني كما اعتقد فهو المثقف المنتج على مستوى الكتابة والتوجيه، ويندرج تحت هذا التوصيف، المفكر والأديب والعالم وما شابه، وهنا تقع على مثل هذا الانسان المثقف مسؤولية مضاعفة، تتمثل بوجوب التوجيه للآخرين، أي ان مسؤوليته لا تنحصر بسلوكه الفردي بل عليه أن يسرّب هذا السلوك المثقف الى الآخرين، من خلال الكتابة الفكرية او الابداعية، بمعنى ان المثقف هنا يقوم بدورين، الاول طبيعة سلوكه العملي والحياتي العام في المجتمع، والثاني دوره الكتابي التوجيهي من خلال طرح افكاره لتبيه الآخرين الى السلوك المثقف.

وهكذا تتحدد لنا طبيعة علاقة المثقف بالمجتمع، على اننا يجب أن لا نحصر هذه الصفة (المثقف) بالمفكرين او الكتاب او منتجي الفكر فقط، بل المثقف هو الانسان العادي الذي يكون سلوكه داعما لمنظومة سلوك انسانية متطورة للفرد والمجتمع معا. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/شباط/2009 - 27/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م