بيان صادر عن مجلة النبأ بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيل المرجع الديني الأعلى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

(أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ).

لا يقاس تاريخ الشعوب بحروبها وغزواتها أو اقتصادها وسياستها.. بل يقاس بالمنجز الفكري والثقافي الذي يتركه رجالاتها وراءهم بعد رحيلهم، والذي يسير عليه بقية الأفراد قراءة وسبراً لأغواره ليخرجوا من كنوز هذا التراث مصابيح تضيء لهم دروبهم، ولئالئ يصوغون منها عقود وقلائد معارفهم... والأمة الإسلامية وعلى مدى قرون وجودها، قدمت الكثير من هذا المنجز الثقافي والفكري، والذي شكل منائر مضيئة تهدي للتي هي أقوم، وتأخذ بأيدي السائرين على نهج الإسلام الى طريق العروة الوثقى التي لا انفصام بعدها..

في ثاني أيام العيد - الذي جعله الله سبحانه وتعالى هدية لعباده بعد شهر من الصيام والطاعات - في ثاني أيام العيد من العام الفائت أسلم الإمام الراحل (قدس سره) روحه الزكية الطاهرة الى بارئها ولبى نداء ربه حيث يلاقي وجهه الكريم، تحفُّ به ملائكة الرحمن في هالة من النور لا يلقّاها إلا ذو حظ عظيم.. في الذكرى الأولى لرحيل العالم - العامل الإمام الشيرازي (قدس سره) لا نملك إلا استذكار حياته والدروب التي سار عليها، نتلمس خطوه ونستلهم العبر والدروس من مسيرته الحافلة بالخير واليمن والبركة والعطاء..

هذا الاستذكار ينهض على ما تركه لنا الإمام الراحل من منجزه الفكري والثقافي والفقهي، تنظيراً وعملاً، الذي كافح طيلة سنوات عمره الشريف في ترسيخه في أذهان وقلوب محبيه وتلاميذه.. وأينعت جهوده، قبل رحيله، قطافاً يانعاً..

في هذه الذكرى، نهيب بالأخوة الكتاب والباحثين وأصحاب الأقلام الشريفة أن تستلهم من هذه العطاءات دروساً وعبراً، لتزيد من وعيها ووعي الجماهير الإسلامية خدمة لهذا الدين العظيم الذي قضى الإمام الراحل (قدس سره) سنوات عمره الشريف لتبيان أحكامه وللدفاع عنه..

ومن هذا المنطلق، لعل من المناسب أن نشير الى جملة أمور مهمة، هي جزءٌ من واجب الوفاء تجاه هذا العَلَم البارز والشخصية الدينية القيادية الفذة، وهي:

* استثمار سائر تقنيات الاتصال الحديثة، للتعريف بشخصية هذا القائد المتميز بخطه الفكري، ومنظومته الحضارية العالمية، التي أمضى ما يناهز الستين عاماً من عمره الشريف من أجل إرساء دعائمها، وبنائها ـ فكرياً وعلمياً ودينياً ـ لبنةً لبنةً.

* لقد ترك الإمام الراحل (قدس سره) تراثاً فكرياً هائلاً، عبر مؤلفات غطت سائر شعب العلم والمعرفة وميادينهما، وأربت على الـ(1200) كتاب وكراس، ولا يستغني عنها الدعاة والمصلحون والمفكرون، وقد بدت تأثيراتها واضحة في العديد من المدارس والمذاهب الفكرية الغربية اليوم لما تضمنته من نظريات جديدة في الفقه والسياسة والاجتماع والاقتصاد، وسائر مجالات الحياة؛ الأمر الذي يستدعي توسيع نطاق نشر هذه النتاجات الفكرية القيمة على مستوى العالم، عبر إعادة طبعها، أو تأليف كتب، وكتابة مقالات، أو إقامة برامج وندوات فكرية، تتولى مهمة شرحها، والتفريع عليها، بقصد التعميم، والاطلاع على كنوز فوائدها الجمّة، ومراميها البعيدة وآفاقها المتراحبة التي لا تتضيق مهما تقادم بها الزمن.

* التركيز على مهمة التثقيف، وتمهيد الأرضية، وخلق المناخات الفكرية الملائمة لتطبيق المبادئ والأهداف النيرة التي رسمها الإمام الراحل وعمل بدأب من أجلها، وفق مبدأ التدرج المرحلي، صيانةً لها وحفظاً لاعتبارها وقيمتها..

* مراعاة الثوابت في المنهج الذي انتهجه السيد الإمام الراحل (قدس سره) والتي منها: احترام الرأي الآخر، الاستشارية، نبذ الاعتداد والاستبداد بالرأي، التواضع والتآلف، والى غير ذلك مما يوفر المناخات الصحية لأي حوار أو تبادل في الرأي..

وفي هذه المناسبة.. نتقدم بأحر التعازي للإمام الحجة (عج)، ولشقيق الإمام الراحل (قدس سره) سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) ولأبنائه وذويه، ولمراجع الدين العظام، ولسائر الحوزات العلمية، والسادة علماء الدين، ولكافة المسلمين في العالم..

         و(إنا لله وإنا إليه راجعون)               

أسرة تحرير مجلة النبأ   

الاول من شوال / 1423