شبح نقص المياه الصالحة في العالم يهدد بالحروب والنزاعات

 

تكمن مشكلة شحة المياه الصالحة للشرب والاستعمال اليومي، في أن هناك صعوبة لإقناع أي فرد بها، بيد أن كل المجتمعات المعاصرة تحصل على حاجاتها من المياه الصالحة بطريقة وأخرى فهل أن المشكلة هي مشكلة عالمية تهدد بالفعل حياة البشر على الأرض؟!.

لا شك أن المياه الصالحة للاستخدام البشري والطبيعة، تشكل مورداً نادراً وضامناً لاستمرار الحياة على وجه البسيطة، وحتى زهاء عقدين مضيا لم تكن المشكلة مطروحة على المستوى الدولي، سوى أن بعض التحذيرات قد صدرت عن جهات علمية رسمية، تدعو إلى أخذ النقص المتوقع في المياه العذبة بعين الاعتبار وأن المسألة تستدعي الدراسة والبحث عن حلول ملائمة بكل جدية، قبل أن تستفحل وتصبح مشكلة اجتماعية واقتصادية عالمية، وربما أدت المشكلة مستقبلاً إلى تفجير حروب إقليمية نتيجة للصراع على استحصال المياه الصالحة.

ويرى الاقتصاديون أن الفائدة الاقتصادية المرجوة من الري الزراعي قد تكون أقل فائدة من المتوقع الذي تقدمه المشروعات الموظفة لخدمة الزراعة والمزارعين، ولعل من بديهيات بحث موضوع المياه أن استثمار الحكومات للمياه أمر وارد وهذا يعني أن هناك دعماً مالياً تقدمه الحكومات لمواطنيها المزارعين، لكونهم طرفاً في إنجاح مشاريع الواقع الزراعي، وفي ظل ندرة المياه في إرجاء من العالم تبرز في هذه الحقبة الزمنية ظاهرة بيع وشراء قناني الماء الصافي الصالح للشرب في مدن عربية وإسلامية لا تعاني من شحة المياه الصالحة فيها خصوصاً وأن مصدر تلك المياه الصحية المعبئة هي شركات ومؤسسات بلدية مهمتها الإتجار بالمياه، وهذه الظاهرة لم تكن ملموسة بشكل بارز كما هو الحال في هذه الأيام حيث تعرض قناني ماء الشرب على واجهات ورفوف المحلات المخصصة لبيع المواد الغذائية، وأن عرض إنتاج الماء بهذا المستوى التجاري قد نبه الجهات المعنية في كل بلد لوجود فعلي لمشكلة المياه وإيجاد أفضل الطرق لترشيد استخدام الماء، وبالذات بعد أن لمس الناس أن سعر القنينة الواحدة من الماء الصافي هو سعر مرتفع لا يتناسب مع مداخيل الأفراد وبالذات في عموم المجتمعات العربية والإسلامية.

وحتى تحفظ للأجيال القادمة حقوقها في استحصال المياه العذبة فقد خصصت بعض الحكومات مقادير مالية مناسبة من ميزانياتها السنوية لتوظيفها في مشاريع صناعة المياه الصالحة كما وتبذل بعض الحكومات التي تعاني فعلاً من شحة مواردها في المياه الصالحة جهوداً محمودة لتأسيس مشاريع حكومية ناجحة تستطيع تحلية المياه المالحة - أي مياه البحار والمحيطات – القريبة منها أو المطلة بلدانها على شواطئها..

ويأتي موضوع توفير الغذاء للأعداد المتزايدة من السكان، الذين يقدر أن يصل عددهم خلال السنوات الثلاثين المقبلة إلى (8) مليارات إنسان مما يستدعي حل مشاكل مياه العالم التي ينبغي تدارك أمرها على عجل، وهذا ما يحتم قراءة واقع حال مشكلة المياه على المستوى الوطني والإقليمي من منطلق الحرص والاحتفاظ بثروة المياه باعتبارها ثروة ثمينة وحيوية غير قابلة للتفريط بها.

صحيح، أن صرفيات الري الزراعي من المياه العذبة أكثر كماً، إذا ما قورنت باستخدامات المياه للأغراض الصناعية المحلية وغيرها، حيث تقدر كميات المياه المستعملة في القطاع الزراعي بنسبة تتراوح بين (80 – 90%) من الاستهلاك الكلي المستحصل عليه من الموارد المالية، ويرى الباحثون في شؤون المياه، أنه بالإمكان الوصول إلى توزيع أمثل للمياه المستخدمة في الري الزراعي، عن طريق وضع تسعيرة للمياه حيث أن تسويق المياه يؤدي إلى طريقة منظمة لتصريف (سلعة الماء) ويحقق مردودات مالية ربحية، إلا أن أولئك الباحثون يعتقدون أن اللجوء إلى هذا الطريق هو من مسؤوليات الحكومات، مع تحفظهم على موضوع تدخل الحكومات بصورة إنفرادية، لتتصدر المسؤولية في حل مشاكل المياه العذبة إذ إن ذلك لن يؤدي لإحراز أي نتيجة مرضية بسبب يعود إلى أن النظرة المتجهة نحو القيمة الحقيقية للمياه أصبحت متوقفة على أسباب سياسية بالدرجة الأولى.

وعلى الرغم من التأكيدات الدائمة التي تربط بين مشكلات المياه ونشوب حروب مستقبلية، نجد بعض الخبراء من أمثال "آرون وولف" ـ مدير قاعدة معلومات النزاعات عبر الحدود حول المياه العذبة ـ قد شكك في صحة النظرية القائلة بأن ندرة المياه تؤدي إلى الحرب، وجاء تشكيكه في مؤتمر دولي نظمه البرنامج الهيدرولوجي الدولي لليونسكو بالتعاون مع "جرين كروس إنترناشونال" وهي منظمة غير حكومية للدفاع عن البيئة، في نوفمبر الماضي حول تجنب حروب المياه داخل البلدان وفيما بين البلدان.

ويستشهد آرون وولف بالمعطيات المتوفرة لديه والتي تغطي 261 حوضا دوليا عبر العالم وأبرز الاتفاقيات الخاصة بالمياه، وبحسب قوله فإن الحرب الوحيدة حول المياه ترقى إلى 4500 عام وقد وقعت بالفعل في بلاد ما بين النهرين، وعلى الرغم من استخدام المياه كسلاح في مراحل النزاع

ومن المؤكد أن حل مشاكل شحة المياه العذبة، ليس بالضرورة أن تتحكم فيها السياسات الدولية في هذا البلد أو ذاك الإقليم، فإن وقف الهدر والاستنزاف للمياه الصالحة المطلوبة هي من الأولويات التي ينبغي اعتمادها في التعامل مع ثروة الماء الغالية، فالزمن ما زال يفتتح كل الآفاق الرحبة التي تضمن توزيعاً عادلاً للمياه العذبة، ولعل فرص (استثمار المياه الجوفية) و(مياه الأنهار) وعمليات (الاستمطار الصناعي) و(تقنيات وتحلية المياه المالحة) كلها مشاريع مطروحة على بساط البحث، التي من الممكن أن تساهم بفعالية في ترشيد وتوزيع المياه. والماء على أهميته قد جاء ذكره في القرآن الكريم عبر الآية العطرة (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وفي ذلك دلالة إلهية لتقدير قيمة الماء وما بعدها من دلالة.